الجيش في المية ومية مطمئناً لصيدا
وقرى شرقها ومحذراً: ما بعد اليوم ليس كما قبله

الإثنين، 22 تشرين الأول، 2018
مهما كانت الأسباب أو التقديرات الميدانية أو
العسكرية التي دفعت بقيادة الجيش لاتخاذ خطوة التوغل لبضع أمتار داخل مخيم المية ومية
ثم الانتشار والتمركز على حدوده وعند مداخله الرئيسية، إلا أن الثابت والمؤكد بحسب
مصادر مطلعة، أن هذه الخطوة الجريئة وغير المسبوقة من قبل الجيش باتجاه هذا المخيم
كانت كافية شكلاً ومضموناً لتوجيه رسالتين باتجاهين: الأولى رسالة طمأنة باتجاه محيط
المخيم وجواره في صيدا وقرى شرقها (وبخاصة المسيحية)، والثانية رسالة تحذير للقوى المتقاتلة
داخل المخيم بأن ما بعد هذه الخطوة ليس كما قبلها، وأنه من غير المسموح العبث بأمن
واستقرار أهالي هذه المنطقة وسلمهم الأهلي.
في التوقيت، جاءت هذه الخطوة طبيعية بل وأكثر
من ضرورية بعد اشتباكات الإثنين الماضي بين «فتح» و«أنصار الله» والتي أوقعت قتيلين
وعدداً كبيراً من الجرحى، وأصابت تداعياتها المحيط اللبناني كله سواء بشكل مباشر أو
غير مباشر، وأحدثت حالة من الاستياء العارم في مختلف الأوساط في صيدا وشرقها. وجاءت
هذه الخطوة غداة النداء الذي وجهه راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك
المطران ايلي حداد إلى رئيس الجمهورية بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة اللبنانية
لحماية المدنيين في هذه المنطقة وخصوصاً ضيعة المية ومية (المسيحية) والقرى المجاورة،
واستدراك محاولة تهجير جديدة لأهالي هذه القرى. وكان سبق هذا النداء ارتفاع أصوات فاعليات
وأحزاب (إسلامية ومسيحية) بوضع حد لهذا النزف الذي تعانيه هذه المنطقة هذه المرة من
خاصرة المية ومية، ولو استدعى الأمر دخول الجيش اللبناني إلى هذا المخيم.
أما في الشكل، فقد بدت خطوة الجيش من حيث حجم
التعزيزات العسكرية التي استقدمها منذ ليل الأربعاء – الخميس إلى محيط المخيم، ومن
حيث عديد القوة التي توغلت ظهر الخميس داخل المخيم من أكثر من جهة يتقدمها عدد من كبار
المسؤولين العسكريين والضباط في قيادة الجيش ومديرية المخابرات جنوباً، مضافاً إلى
ذلك، النقطة المتقدمة التي وصلوا إليها خصوصاً من الجهة الجنوبية. كل ذلك، أعطى انطباعاً
بأن هذه الخطوة قد يكون لها ما بعدها وقد تمهد لانتشار ربما يكون أوسع وتوغلاً أكثر
عمقاً داخل المخيم إذا دعت الحاجة. على الأقل هكذا فهم جميع الأطراف داخل المخيم وفي
مقدمها الفريقان المتقاتلان «فتح» و«أنصار الله» اللذان وبمجرد وصول قوة الجيش إلى
مشارف المخيم وقبل بلوغها نقطة الكفاح المسلح ومقر القوة المشتركة، انكفأ عناصرهما
من الشوارع إلى داخل مراكزهم، وغابت استنفارات الأيام السابقة عن مختلف المحاور التي
كانت مسرحاً للمعارك إبان الاشتباكات الأخيرة.
كيف تم التوغل والاستطلاع
قرابة الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر أمس،
توجهت قوتان من الجيش اللبناني إلى نقاط تمركز الجيش عند مشارف مخيم المية ومية من
جهتي الإسماعيلية (جنوباً) وضيعة المية ومية شرقاً فتمركزت الأخيرة في تلك المنطقة
فيما تابعت الأولى التقدم باتجاه مدخل المخيم الرئيسي على بعد عشرات الأمتار من نقطة
الجيش، لتجتاز حاجز الكفاح المسلح وتتوغل داخل المخيم لبضع أمتار. وتقدم قوة الجيش
المتوغلة التي ضمت أكثر من مائة جندي وثلاث سيارات هامر، قائد منطقة الجنوب العسكرية
العميد الركن جميل سيقلي ورئيس فرع مخابرات الجيش في الجنوب العميد فوزي حمادي ورئيس
مكتب مخابرات الجيش في صيدا العميد ممدوح صعب وقائد اللواء الأول المنتشر في المنطقة،
حيث تفقدوا عدداً من الأبنية ولا سيما المقر السابق للقوة المشتركة الذي دُمر إبان
الاشتباكات الأخيرة. قبل أن تعود قوة الجيش إلى ما قبل الحاجز وتتمركز هناك.
وفيما وصف مصدر أمني هذه الخطوة من قبل الجيش
بأنها تهدف لطمأنة الأهالي في محيط المخيم وصيدا والجوار إلى أن الجيش منتشر بالكامل
حول المخيم وعلى مداخله، وأن الوضع الأمني ممسوك وتحت السيطرة، ذكرت أوساط متابعة لهذه
الخطوة أنها استطلاعية لتحديد الوجهة التي على أساسها سيتعاطى الجيش اللبناني مع هذا
المخيم فيما لو تكررت الاشتباكات الأخيرة. وإن الجولة الاستطلاعية لمسؤولي وضباط قيادة
منطقة الجنوب العسكرية ومديرية المخابرات في الجنوب توجت برفع تقرير للقيادة بهذا الخصوص.
في هذا الوقت كانت الاتصالات لا تزال تتكثف
على خط نزع فتيل التفجير من مخيم المية ومية وتولته أحزاب وقوى فلسطينية ولبنانية بالتنسيق
مع مخابرات الجيش، ونجحت الاتصالات في إقناع قيادة حركة فتح بدفن قتيلي الاشتباكات
الأخيرة وتقرر تشييعهما بعد صلاة الجمعة بموكب ينطلق من مدخل المخيم وصولاً إلى جبانة
سيروب المقابلة خارجه حيث يواريان في الثرى.
إلى ذلك وزعت حركة أنصار الله مساءً بياناً
نفت فيه ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما وصفته «فتن وافتراءات» قالت
إنها «وصلت إلى حد إصدار بيانات باسم حزب الله وصور مشينة لا يقبلها عاقل والتطاول
على الرموز والشخصيات والقوى الأمنية اللبنانية». وأكدت الحركة أن «هذه البيانات والتلفيقات
المدسوسة عارية عن الصحة وليس لها أساس وإنما تخدم المصطادين بالماء العكر»، وأن «أنصار
الله مع الإخوة في حركة فتح وكافة الفصائل يعملون على وأد الفتن وإعادة الأمور إلى
نصابها».
وكان وزع بيان منسوب لحزب الله تضمن تهديداً
مباشراً لحركة فتح فيما لو أنها قررت مهاجمة أنصار الله من جديد، الأمر الذي سارع حزب
الله إلى نفيه.
المصدر:
المستقبل