القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الفلسطينيون يناقشون «المصالحة في تجربتهم اللبنانية»

الفلسطينيون يناقشون «المصالحة في تجربتهم اللبنانية»
 

الجمعة، 18 أيار، 2012

الا أنّ هذه المراجعة لم تشف غليل اللاجئ الفلسطيني الذي جدد صرخته بحقه بالعمل وبحياة كريمة، من دون ان يتخلى عن حلم العودة، فيما يخشى الطرف المسيحي، أن يؤدي إقرار هذه الحقوق إلى مفاقمة أزمة الشباب اللبناني بالبحث عن فرص عمل داخل الوطن الصغير، وإبقاء اللاجئ الفلسطيني في لبنان إلى أبد الأبدين، وسط تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك على رغم حرصه على حق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم.

يقول المدير العام لمنظمة "ثابت لحق العودة" علي هويدي: "استثمروا في الإنسان الفلسطيني، واعطوه حق التملك والعمل، وخذوا منه ما يدهش العالم".ويضيف: "لا تخافوا من إعطائنا حقوقنا، نحن نربي أجيالنا على العودة، في سوريا والأردن مُنحنا حقوقنا المدنية، ولم نتخلَّ عن مطالبتنا بالعودة. بقدر ما تعطونا حقوقنا، بقدر ما نعيش وتعيشون بأمان".

هذه المطالب على رغم أحقيتها، الا أنّها تثير توجّس المسيحيين على وجه العموم، و حزب "الكتائب" على وجه الخصوص.

"الكتائب"

يقول ممثل حزب "الكتائب" جوزف أبو خليل: "أرجو أن لا نبسّط المسألة، نحن نحب بعضنا وأمة واحدة، عليكم ان تتفهموا مخاوفنا، لدي هواجس اذا ما اعطي حق العمل للفلسطيني"، متسائلاً: "كيف سينزل 200 الف فلسطيني الى سوق العمل؟"

ويوضح: "أولادنا ليست لديهم فرص عمل، الإقتصاد اللبناني لا يخلق وظائف. يتخرّج طلابنا ويهاجرون.ابني وحفيدتي غادرا بحثاً عن عمل في الخارج، ورفضوا تحمل الاوضاع في لبنان، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه، نحن قادمون على حرب أخرى".

ويضيف: "انا لاجئ في وطني. لا أعرف بيروت جيداً، اصارحكم بأن الخوف يتملكني، وليس لدي ضمانة لمستقبل اولادي".

ويشير إلى أنّ ما يقلق اللبنانيين والفلسطينيين معاً هو انسداد الأفق أمام اي حل او تسوية لقضية فلسطين، وبالتالي امام اي عودة للفلسطينيين الى ديارهم، سواء كانت كاملة او مجتزأة، الامر الذي يجعل من اللجوء الفلسطيني الى لبنان وبكل اثقاله على الجانبين معاً، نوعاً من الاقامة الدائمة.

ويلمّح بأنّ توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم مشروع قائم ومطروح منذ العام 1948، وبالتحديد في القرار الدولي 194 المتخذ كمرجعية للتدليل على حق العودة.

وبالاضافة إلى ذلك، أنّ القرار متخذ في الجمعية العامة للامم المتحدة لا في مجلس الامن الدولي، وجاء نصه على النحو الذي يجعل من التوطين احتمالاً وارداً، إذ "يسمح للراغبين بالعودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم" فقط، أمّا الذين "يقررون عدم العودة" فيعوض عليهم بالمال، سواء كان من ممتلكات او عن مفقود او عن ضرر لحق فيهم ".

ولا جديد في حركة الاستيطان الاسرائيلي التي تتواصل منذ ما قبل اعلان دولة اسرائيل حتى هذه اللحظة، وتجعل من هذه "العودة أمراً مستحيلا"، على حد تعبيره.

القيادي الكتائبي لا يتذمرمن نظام لبنان الطائفي، بل يجد فيه ضمانة لحقوق الاقليات. ويقول: "لبنان هو الدولة الوحيدة بين البلدان العربية التي تحترم حقوق الأقليات، المسيحيون خائفون مما يصيب مسيحيي العراق وسوريا وفلسطين ".

في الوقت عينه، يقرّ أبو خليل أنّه "لا غنى عن تصحيح التاريخ، وعن تنقية الذاكرة وصولاً الى المصالحة، فلا مصالحة حقيقية بعد نزاع الا بعد الاعتراف المتبادل بالخطأ او بالإساءة".

ويقول: "انا من قاتلوا في الحرب كتابة، وليس بالسلاح، أريد تنقية ذاكرتي، لأنّ الحقد اتعبني، أريد ان ارتاح أريد السلام والمحبة".

ويضيف: "خطيئتي أنّه في العام 1969، كنت أمرّ من أمام المخيم وأدير ظهري، لم أكن اريد أن أرى ما يجري، أتجاهله عمداً".

ويعترف أبو خليل أنّه على رغم أنّ حزب الكتائب قابل الاعتذار الفلسطيني الذي أعلنه ممثل منظمة التحرير في لبنان السفير عباس زكي في 7 كانون الثاني 2008، باحتفال ولقاء مصالحة في بيت الكتائب في الصيفي في ذكرى 13 نيسان من العام نفسه، الا أنّ التواصل بقي على مستوى القيادات، فيما هو مفقود مع أبناء المخيمات.

ويقول لـ" الجمهورية": "أدرك أنّ المصالحة مسار طويل، فحتى الساعة لم نلحظ تفاعلاً على مستوى القاعدة الشعبية للفلسطنيين وجمهور الكتائب"، منتقداً في الوقت عينه اللغة الخشبية التي طبعت خطاب الحاضرين، غامزاً من قناة الأحزاب الحليفة لسوريا من دون أن يسميها.

عزام الأحمد

هواجس أبو خليل، يسعى عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"عزام الأحمد إلى تبديدها. ويقول: " إنّ الحقوق للشعب الفلسطيني في العمل والتملك حق انساني، وعلينا ان نخرج من فزاعة التوطين".

ويؤكد عزّام أنّ الذاكرة واحدة عند الشعبين اللبناني والفلسطيني، وكان الشعب واحداً منذ العهد العثماني. إنّ التاريخ واحد، والدم واحد، والذاكرة واحدة، والشعب واحد، وبالتالي يجب ان نحفظ في الذاكرة الامور الجيدة وننسى ما هو مرّ.

متري

وزير الثقافة السابق طارق متري، لا ينكر وجود قوى سياسية تتوسل الذاكرة لتعبئة الأنصار وإدانة الخصوم، الا أنّه يرى أنّ مشاعر الحدة في لبنان تجاه الفلسطيني تقصلت الأمر من خلال لمسه لمؤشرات ثلاثة.

ويقول متري: "خلال زيارتي لمعرض نظّمته حركة التجدد الديمقراطي في سن الفيل، حيث عرضت نسخ مختارة من صحيفتي النهار والسفير عن أيام الحرب اللبنانية، من ضمنها اجتياح تل الزعتر ومجزرة صبرا وشاتيلا، فاجأني اني لم اجد موقوفاً موتوراً في لائحة التعليقات التي وضعت الى جانب هذه النسخ".

هذه النظرة التي تخلو من الحدة، وجدها متري أيضاً في دراسة أعدّتها الجامعة الأميركية عن نظرة الشباب اللبناني الى الفلسطينيين، والتي تثبت أنّ جيل الشباب اللبناني لم يتأثر بروايات أهله.

كذلك لمس تغييراً في رؤية الشباب اللبناني، في فيلم انتجته "الاونروا" عن واقع الشباب الفلسطيني في المخيمات، والذي يمهّد الطريق أمام مصالحة في العمق بين اللبنانيين والفلسطينيين.

من جهته، يسترجع ممثل حركة "حماس" في لبنان علي بركة مواقف الرئيس اللبناني الراحل الشيخ بشارة الخوري، الذي استقبل اللاجئين شخصياً في صور في العام 1948، وقتال الجيش اللبناني في معركة المالكية الى جانب الفلسطينيين، متحسراً على ما آلت إليه العلاقة منذ عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، حيث ضيّق المكتب الثاني على الفلسطنيين، واعقبه اجحاف في حق الفلسطنيين حتى يومنا هذا، من دون ان يتنكر للاخطاء التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية في لبنان.

ويذّكر بركة بتجربة لجنة الوزيرين عبدالله الامين وشوقي فاخوري، التي شكّلتها الحكومة اللبنانية في العام 1991 ، بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها وعقب توقيع اتفاق الطائف، إذ قررت فتح حوار مع الفلسطينيين بشأن الحقوق الاجتماعية والانسانية، بعد تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل الى الجيش اللبناني.

ويشير إلى أنّ: "هذه اللجنة استبشرت خيراً بمؤتمر مدريد للسلام في التسعينات، اخذوا السلاح، لكنّهم لم يعطونا حقوقنا".

ويقول بركة: "نحن لسنا جالية ولا مغتربين، اقتلعنا الى لبنان رغماً عنا، وما جرى في مارون الراس العام الماضي، دليل على أنّه رغم مرور 64 عاماً على النكبة، فالفلسطينيون لم يتخلوا عن فلسطين، وسيرسمون طريق العودة بدمائهم".

دبسي

المحلل السياسي هشام دبسي يرجع نقطة بدء عملية المصالحة إلى تشكيل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ويقول دبسي:" كانت هذه اللجنة التي ترأسها السفير خليل مكاوي نشيطة، بينما في الحكومة الحالية، لم نعد نسمع اي خبر عنها".

ويذّكر دبسي بأنّ المراجعة الفلسطنية كانت مستقيمة مع نفسها، بينما تفاوت موقف القوى اللبنانية من ذلك، منتقداً في الوقت عينه عدم فعالية منظمات المجتمع المدني والأحزاب في تحويل هذه المصالحة من نخبوية الى شعبية، إذ لا يجد عذراً في نقل هذه المصالحة الى الوسط الشعبي، طالما هناك عوائق السياسية تحكم عمل السلطات الرسمية في لبنان.

كلام دبسي يدفع ممثل "حزب الله" الوزير السابق طراد حماده إلى الاعتراض.

ويقول حمادة: "السنيورة خفّض مستوى الحوار الى لجنة على مستوى سفير، وبالتالي في ذلك رسالة ضمنية مفادها "باي باي" للحوار". ويضيف:" الفلسطينيون في لبنان لم يقاتلوا كطائفة، فهم اجبروا على الدخول في نزاع، ولم يكونوا جيش المسلمين في مواجهة الجيش اللبناني المحسوب على المسيحيين".

من جهته، يرى ممثل تيار "المستقبل" وزير التربية السابق حسن منيمنة أنّه ابان الحرب الاهلية اللبنانية كانت بعض الفصائل الفلسطينية جزءاً من هذا الصراع. السؤال الجدي يبقى في كيفية بناء نظام علاقة بناءة بين اللبنانيين والفلسطينيين، يستجيب لتطلع كل من الطرفين في بناء الدولة وحفظ سيادة لبنان من جهة، وتأمين جميع الحقوق اللازمة لحياة كريمة للفلسطينيين.

ويقترح تأسيس منظمات مجتمع مدني لبنانية – فلسطينية مختلطة تعمل داخل المجتمعين اللبناني والفلسطيني على تخليص الذاكرتين اللبنانية والفلسطينية، مما راكمته من صور غرائزية معادية للطرف الاخر.

سرحان

بدوره، يؤكد عضو مجلس قيادة الحزب الإشتراكي سرحان سرحان أنّ العلاقات اللبنانية الفلسطينية لن تستقيم الا عبر الإحترام المتبادل، إذ يتعين في الدرجة الأولى احترام الدولة اللبنانية والكيان الفلسطيني، مطالباً الحكومة اللبنانية بإصدار المراسيم المتعلقة بالحقوق المدنية للاجئين الفلسطنيين.

مهنا

ويشاطر نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي توفيق مهنا سرحان في موقفه، إذ يعتبر أنّ تأسيس علاقات طبيعية لبنانية – فلسطينية يكون على قاعدة إعتبار العدو الصهيوني خطرا على الفلسطنيين كما هو على لبنان، وتأمين الحقوق المدنية والاجتماعية والمعيشية للشعب الفلسطيني.

من جهته يعتبر نقيب الممثلين في لبنان الممثل جان قسيس، أنّ تحقيق المصالحة الحقيقية مع الفلسطيني تكون عبر منحه حق العيش بكرامة.

قبلان

ممثل حركة أمل حسن قبلان يدعو الى التمثل بالدول لاسيما ألمانيا واليابان، حيث لم تمنعهما الحروب من الولوج إلى رحاب العصر والتطور، بينما تكمن المشكلة في الدول العربية التي تعتبر أنّ الحرب فعل دائم، والقتال عندنا يستمر ويستمر لتأثرنا بقيم البداوة.

هايم

ممثلة السفارة النروجية ماي توب هايم تشجع على مقاربة الوضع الفلسطيني من الزاوية الحقوقية، بشكل يمكّن الفلسطيني من العيش بكرامة والتحكم بظروف حياته لتسهيل تحقيق عودته إلى وطنه.

في المحصلة، طغت مسألة حقوق الشعب الفلسطيني المدنية من دون إغفال حقه بالعودة، على الحوار ليقابلها توجس كتائبي، واللافت عدم التطرق لحرب المخيمات، وتغييب الفترة الممتدة منذ اتفاق الطائف لغاية العام 2005، التي اتخذت فيها أقصى الإجراءات تعسفاً ضد المدنيين الفلسطنيين.

وعلى رغم أهمية الحوارات واللقاءات التي قادت إلى طي صفحة الخلاف الكتائبي- الفلسطيني، واستطراداً بين القوى المسيحية في 14 آذار ومنظمة التحرير بعد المراجعة التاريخية وإقرار كلا الطرفين أنّهما كانا ضحية النظام السوري، وإصرارهما على بناء علاقات طبيعية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، إلا أن هذه المراجعة تبقى منتقصة ما لم تشمل كل الأطراف التي شكلت عامل تناقض مع الفلسطينيين، وبالتالي أن تنتقل إلى كل المكونات اللبنانية وتترسخ على مستوى الدولة ومؤسساتها.

المصدر: جريدة الجمهورية - مي الصايغ