القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان: هل نحن أمام جدار فصل عنصري ثانٍ؟

المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان: هل نحن أمام جدار فصل عنصري ثانٍ؟


الأربعاء، 07 كانون الأول، 2016

شرع الجيش اللبناني مؤخرا ببناء جدار كونكريتي (إسمنتي) مرتفع وأبراج مراقبة تفصل مخيم عين الحلوة (المحاصر أصلا بالمكعبات الإسمنتية والأسلاك الشائكة) من الجهة الغربية عن محيطه، وفي مرحلة سابقة كان قد تم رصف مكعبات إسمنتية متلاصقة من الجهة الشرقية، وتحصين حواجز المداخل الأربعة للمخيم، لتصبح شبيهة بالمعابر، بما يحيل المخيم المخصص للاجئين الفلسطينيين والذي تقل مساحته عن كيلومتر مربع واحد ويأوي نحو ما يفوق السبعين ألف نسمة – إلى معتقل، شكلاً ومضموناً.

إن المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)، تعتبر أن مجرد التفكير ببناء مثل هذا الجدار مقروناً بالتبريرات التي تسربها الجهات الأمنية اللبنانية، عبر وسائل الإعلام، لبنائه، هي خرق واضح وفاضح لمواثيق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان والعهدين) وكثير من الاتفاقيات الدولية نذكر منها:

•اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

•الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

•اتفاقية جنيف الرابعة وخاصة لناحية حظر سياسة العقاب الجماعي

إذ إنه "ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم" ، فإن بناء الجدار بذريعة حماية المخيم من إمكانية تسلل "إرهابيين" و/أو حماية محيط المخيم من إمكانية خروج "إرهابيين" من المخيم، يُعدُّ عقاباً جماعياً بحق نحو سبعين ألف إنسان، وهو إجراء يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، فبموجب اتفاقيات جنيف الرابعة (1949) يُعدُّ العقاب الجماعي جريمة حرب. والبروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977 يحظر العقاب الجماعي صراحة ، ويتعارض مع كافة الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بـ: الحقوق اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وباﻟﺤﻘﻮق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إذ أن 60% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، فالنسب المرتفعة للبطالة والفقر، والمشاكل الصحية التي يعاني منها الفلسطينيين بسبب الأوضاع المعيشية لقاطني المخيم في ظل تراجع خدمات الأونروا، ليست مشكلة إنسانية فقط، بل نتيجة مباشرة للقيود التي تفرضها الدولة اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ 68 عام، الذين لازالوا يعانون من مجمل انتهاكات حقوق الانسان لاسيما الحق في العمل.

واللافت في توقيت الشروع في بناء الجدار، أنه يأتي بعد ما اعتبر نجاحاً لمخابرات الجيش اللبناني – فرع الجنوب، في التوصل إلى اتفاق مع قيادات المخيم، لتسليم بعض المطلوبين بموجب وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع غير القانونية! والتي ألغي العمل بها بقرار الحكومة اللبنانية في 24/ 7/ 2014 وكلف وزراء الداخلية والدفاع والعدل بإعادة النظر في الإجراءات المتعلقة بهذا الموضوع، إلا أنه من الواضح في الإجراءات إستثناء اللاجئين الفلسطينيين، مثلما إستثنوا من العفو العام الذي صدر بعد اتفاق الطائف عن الجرائم الفردية المرتكبة منذ بدء الحرب الأهلية في 1975 وحتى صدور العفو، في عملية تمييز عنصري واضحة.

إن إشادة المصادر الرسمية اللبنانية، عبر التسريبات الصحفية بهذه الخطوة، وتجاوب "المطلوبين" في مخيم عين الحلوة مع تفاهم مخابرات الجيش اللبناني وقيادات المخيم، وقيام أعداد كبيرة بتسليم أنفسهم، على الرغم من عدم قانونية الإجراءات التي جعلت منهم أشخاصاً مطلوبين، يسقط أي ذريعة تصور المخيم على أنه مكان للعصاة والمطلوبين. إلا أن ثمّة جهات أُخرى لا تريد للعملية أن تتطور وتريح المخيم من الضغط المتواصل منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، فمن بين الذرائع التي سيقت عبر تسريبات إعلامية، تداعيات اعتقال عماد ياسين، الذي وصف بأنه أمير تنظيم "داعش" في عين الحلوة.

لكن أخذ المخيم وسكانه رهينة تداعيات هذا الأمر يعد عقاباً جماعياً ينتهك حقوق هؤلاء السكان وينتهك القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإن تبرير المصادر الأمنية اللبنانية بناء الجدار بدواع أمنية ، يسقط ولا يُعوَّل عليه، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجاوب عدد كبير من "المطلوبين" بموجب وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع (غير القانونية)، وسهولة اعتقال عماد ياسين وعدم حدوث أي تداعيات أمنية بعد عملية الاعتقال وحتى الساعة.

إن المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان، لطالما دعت، وتواصل الدعوة، إلى اعتماد الأمن الإنساني إلى جانب الأمن الإجرائي المشروط بأن يكون تنفيذه عادلاً للوصول إلى سلم اجتماعي، ومحاصرة كل مظاهر وظواهر التطرف والخروج على القوانين.

وفي هذا السياق يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 1994، تقرير التنمية البشرية ، وهو معلم في مجال الأمن الإنساني، أن تأمين "التحرر من الفاقة" و"التحرر من الخوف" لجميع الأشخاص هو أفضل طريق لمعالجة مشكلة انعدام الأمن. إن كل الأبحاث والدراسات التي صدرت عن البيئات الاقتصادية والاجتماعية في مخيم عين الحلوة تشير إلى أن نسبة البطالة والفقر في مخيم عين الحلوة في أعلى مستوياتها، وكذلك الشعور بالخوف وعدم الأمان وغياب الأمل بالمستقبل.

ومن نافل القول، أن محكمة العدل الدولية، وتأكيداً على عدم شرعية بناء الجدران حول السكان المدنيين، كانت قد نشرت في 4/ 7/ 2004، رأياً استشارياً حول قضية قانونية، جدار العزل الإسرائيلي، تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/ 12/ 2003، بعدم شرعية الجدار ودعت إلى تفكيكه فوراً .

وفيما تحدثت وسائل إعلام عن تجميد بناء الجدار فإن "حقوق" تدعو إلى إلغاء المشروع إلغاء تاماً، لما فيه من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وما يستتبعه من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية سلبية.

كما تربأ "حقوق" بأن تقدم السلطات الأمنية اللبنانية على اتخاذ إجراء مماثل لما تقوم به إسرائيل من عمليات عزل وتقييد للحريات ضد الفلسطينيين، وتدعوها إلى الكف عن التعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين كملف أمني، ثبت عقمه عبر 68 عاماً من زمن اللجوء الفلسطيني في لبنان، بل أسهم في اندلاع أعمال عنف ونشوء مشاعر كراهية وعنصرية، ومقاربة ملف اللجوء الفلسطيني إلى لبنان مقاربة إنسانية – اجتماعية – اقتصادية، بما ينهي أي إمكانية لنشوء تطرف في المناطق التي يسكنها اللاجئون الفلسطينيون، وتمكن هذه الأقلية القومية المهمّشة، من النهوض ومن تحصين ذاتها أمام كل احتمالات الاستغلال والاستعمال.

وفي هذا السياق تقيٌم "حقوق" عاليا موقف رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الدكتور حسن منيمنة في مجمل ما ورد في موقفه الوارد في ورقة بعنوان "عين الحلوة وغياب الحلول الناجعة"، وقد وضع يده على جرح اللاجئين الفلسطينيين النازف في لبنان، مع التأكيد أن الخطر ليس فيما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي من مقارنة لهذا الجدار بجدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، بل الخطر في فكرة البناء نفسها. وتتوافق "حقوق" مع معاليه في الرأي القائل إن الفلسطينيين مسؤولين بالقدر نفسه عن حماية أمن المخيم وسكانه، مع التشديد مجددا على أن الحل أولا وأخيرا هو الأمن الإنساني وليس العقاب الجماعي لعشرات آلاف اللاجئين بسبب أفراد مطلوبين لا يتعدى عددهم العشرات، وكأننا في كانتونات عزل المصابين بالجذام والطاعون في القرون الوسطى.

المصدر : المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان