القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 18 حزيران 2025

«برج البراجنة»: «المصلحة العامة».. فوق كل التنظيمات

«برج البراجنة»: «المصلحة العامة».. فوق كل التنظيمات


السبت، 08 حزيران، 2013

يتغير، منذ ثلاثة أشهر تقريباً، مخيم برج البراجنة. ليس التغيير واضحاً، لمَن يعبر في المخيم عبوراً سريعاً. كأن المخيم لا يعلن تغيّره، فلا يعرف به أحد.

يتبادل رجلان الحديث، وهما يعرفان أنّ ما يقولانه كان صعب التصديق منذ أشهر عدّة. «اخترعنا شيئاً جديداً في المخيم»، يقولان مداورة. وهذا الشيء الجديد هو «المصلحة العامة». هكذا، تتجاوز هذه التسمية، «الوطنيات والنضالات»، إلى مفهوم لا يقلّ عنها غموضاً، لكنه أقرب إلى الفعل والواقع. و«المصلحة» حركة شبابية جديدة في المخيم. وهي لا تخرج عن التنظيمات السياسية السائدة، ولا تواجهها، إنما تحاول أن تضمّها أو تحتويها.

قتل شاب صغير منذ ثلاثة أشهر، ثم قتل قاتله شاباً آخر. لكنّ القاتل، على الرغم من جريمتيه، بقي حراً. تلكأت التنظيمات في حل المشكلة. وهي، منذ زمن بعيد، كأنها خرجت على أهل المخيم، ومنهم، أو مثلما يقول عضو «المصلحة» حسين سعادة، «لقد تخلّت عن الاهتمام بيوميات الناس». وهي كانت في الإشكالات السابقة، وفق سعادة ورفيقه بديع الهابط، لا تستعمل غير العصا. «صرنا الآن عند كل كلمة نرفع السلاح. ولا أحد يتحرك». هذا الواقع «المقزز» دفع الناس إلى التظاهر في 3 آذار الماضي، وكانت الجريمتان المذكورتان شرارة لقهر تراكم على مدى السنوات الأخيرة. كان الهابط خائفاً أن لا تستقطب التظاهرة ناساً، لكن، حين بدأت، تغيّر كل شيء. وهو يلاحظ أن المشاركين في التظاهرة يختلفون عن المشاركين في التظاهرات السابقة، «فعدا الشغيلة والناس الفقراء انضمّت إلى تظاهراتنا نخبة من مجتمع المخيم، كالأطباء والمهندسين وغيرهم».

الأمن «الجديد»

رضخت التنظيمات. فرضت «المصلحة» تأليف قوى أمنية جديدة في اليوم ذاته. لم تتمكن الفصائل، في «منظمة التحرير الفلسطينية» أو «تحالف القوى الفلسطينية»، من الاعتراض. «كان غضب الناس لا حدّ له. يمكن أن يكونوا منزعجين، في سرّهم، لكنهم في العلن كانوا يشجعوننا»، يقول سعادة. تشكلت اللجنة الأمنية من عناصر جديدة، ينال أفرادها ثقة الناس. وكانت القوى الأمنية، من قبل، شبه نائمة، وهي، في واقعها، لا تخرج عن فساد ساد بعض المخيم. عاد الأمن. يمكن لسعادة أن يقول إن «النتيجة ظهرت في اليوم التالي على تأسيس اللجنة». اختفى الزعران من الشوارع. توقفت المضايقات على أصحاب المحلات، وتوزع أفراد اللجنة الجديدة في المربعات وسيروا دوريات في أحياء يعيش فيها ناس نزحوا، في ذلك الزمن، من منطقة واحدة. وكانت «الروابط المناطقية» أكثر مَن ساعد النازخين وقتذاك، لا سيما في تأمين الكوادر البشرية.

انطلقت، بعدها، حملة ضد المخدرات، بعدما انتشرت، فق الهابط انتشاراً كبيراً، و«صارت مثل العلكة». هكذا، عملت اللجنة بالتعاون مع التنظيمات على توقيف المدمنين. كانت غالبية الموقوفين مَن أعمار تراوح بين 16 و18 سنة. حبس بعضهم لدى اللجنة الأمنية بموافقة أهلهم. و«التجار» سلّموا إلى الدولة اللبنانية. ونقل مدمنَان، بسرية تامة، إلى «جمعية أم النور»، بعد تعاون بدأ بينها وبين «المصلحة» منذ شهر.

«هرب بعض المطلوبين من المخيم»، ويقول سعادة إن «الهاربين» ظنوا أن التشدد سيكون وقتياً. لكن سطوة الأمن استمرت، فاضطروا إلى تسليم أنفسهم، ما أعاد الأمن إلى المكان. لكن أمن المخيم يمرّ، راهناً، في مرحلة جديدة. فبعد سقوط الصاروخين على الشياح منذ أسبوعين، أشيع في بعض وسائل الاعلام، أنهما أطلقا من المخيم، وهو أمر تبين أنه عارٍ عن الصحة، وكان شباب «المصلحة» سيروا بعد سماعهم الخبر، دوريات في أحيائهم، وسجلوا التحركات الليلية داخل الميخم وعلى مداخله.

يعرف أهل المخيم أنهم في «محيط حسّاس»، وفق سعادة. ويقول الهابط: «لا نريد أن نتورط ولا أن يورطنا أحد في مشاكل اللبنانيين المحلية».

المرضى على «فايسبوك»

لم يقتصر اهتمام «المصلحة» على الأمن، فهي تهتم أيضاً بتأمين المساعدات للمرضى. وهي عبر صفحتها على «الفايسبوك» تحت عنوان «ذكريات البرج»، تعرض، صوراً ومستندات طبية، للمرضى من دون أن تكشف هويتهم، وتُحصّل لهم، بالتالي، تبرعات. والمتبرعون في غالبيتهم من مغتربي المخيم. لم تلقَ الفكرة قبولاً في البداية. عرض صور المرضى، في المخيال الشعبي، ليس مقبولاً، «لكن التجاوب الواضح مع المبادرة كان مميزاً. فتقبلوا الفكرة».

يبدو الاهتمام بالشفافية واضحاً عند «المصلحة». كسب ثقة المتبرّع، وصاحب المرض مهم جداً. إذ أن فساد التنظيمات، التي كانت تحصل سابقاً على التبرعات، أغرق الناس في همومهم. «نصوّر كل شيء الآن. حين نسلم المريض ماله، وهو يوجه رسالة، من دون كشف هويته أيضاً، للمتبرعين. ونسجل في العلن أسماء مَن قدموا المال. لا نريد أن يضيع فلس واحد». انتقلت تجربة جمع التبرعات إلى اختبار آخر. لا يوجد في المخيم غير «مستشفى حيفا»، لكنه لا يملك كثيراً ليقدّمه، وحالته سيئة. هكذا، جمعت التبرعات، لدعم المستشفى، حتى وصلت إلى 17 ألف دولار، فأمّن جهاز تخطيط، وأصلح براد الموتى. وبدأ العمل بغرفة التعقيم. وستؤهل، قريباً، غرفة العمليات، وتحسن الكهرباء وأجهزة الإطفاء.

جدران ملونة

لا بد من جمع الناس أيضاً. هكذا، بدأت في سياق استقبال شهر رمضان حملة تأهيل للمساحات العامة في المخيم. هكذا، جمع أهل المخيم بعضهم ونظفوا الأزقة، وأناروا الأماكن المعتمة، وميزوا الأحياء بألوان خاصة عبر دهن جدرانها. كما رفعوا كابلات الكهرباء عن الأرض. «خسرنا 27 شخصاً نتيجة احتكاك كهرباء الكابلات بالمياه، وخاصة في الشتاء»، يقول الهابط. هم يعرفون أنه ليس بمقدورهم، وحدهم، حل هذه المشاكل، «لكن على الأقل نجمع الناس ليتعاونوا في ما يخصهم».

حكومتان

«خفّت الأموال المخصصة للشتات. كان أبو عمار»، وفق سعادة، «يضع الشتات في المرتبة الأولى. تغير كل شيء، ثم حصل الانقسام. صارت فلسطين حكومتين، وكل واحدة تهتم بناسها فحسب». وهذه، تنسحب على المساعدات والنفوذ. لكنّ «الظواهر الشاذة» بدأت، وفق الهابط، مع انتهاء حرب تموز. «ليس السبب واضحاً، لكن الفوضى عمّت وضاع الأمان». يقول سعادة: «لم نصل إلى هذه الحال حتى بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت، فقد انقسم المخيم، صار في كل حي لجنتان شعبيتان، واحدة لحماس وأخرى لفتح. ارتفعت نسبة البطالة». يتذكر الهابط، العشريني، أنهم كانوا يجلسون، كشبان، اثنين في الزقاق، «الآن نصير، فجأة، عشرة أو أكثر في مطرح لا يتوسع».

جماعة «المصلحة العامة»

كل واحد منهم مسؤول، وليس لديهم رئيس، وهم ينتمون إلى كل التنظيمات الموجودة في المخيم. أمنت أشغال «المصلحة» تعاون حركتي «حماس» و«فتح»، مثلاً. لا سياسة، في نشاطهم، إلا ما يحمل منها «طابعاً وطنياً». نقاشاتهم تخص الشأن اليومي، كأنهم يملأون الفراغ. يحبون أن يكونوا، وأن يُتخيَّلوا، أنهم «ربيع فلسطين»، أو ربيع شتاتها على الأقل. لا يحتاج الانتساب إلى «المصلحة» طلباً ولا وساطة. لا يملكون مقراً خاصاً، واجتماعاتهم الأسبوعية مفتوحة للجميع، واتخاذ القرارات يكون عبر التصويت. يرتكز تفاعل «المصلحة» مع الناس على «الفايسبوك»، وهي تساعد، في تقديم الخبرات وعرض التجــــارب، لشبان فلســــطينيين من مخيــمات أخرى يحاولون تغيير واقهم، وتأسيس «مصلحتهم العامة».

المصدر: عاصم بدرالدين - السفير