«تحية
إلى المتضامنين الأحرار وروح الراحل ستيفانو كاريني».. قصص «كي لا ننسى صبرا
وشاتيلا»

السبت، 21 أيلول، 2013
حين انتهت شهيرة أبو ردينة من سرد قصّتها أيام مجزرة صبرا وشاتيلا، قالت
لها أيلا ميلاني الآتية من إيطاليا ضمن وفد «الحملة العالمية للجنة كي لا ننسى
صبرا وشاتيلا»: «نعتذر أننا أجبرناك على تذكّر أيام صعبة وتجربة قاسية. ونحن نعدك
بأن نوصل صوتك إلى العالم الذي لم يسمعه بعد». ردّت أبو ردينة: «المجزرة ليست ذكرى
يا ابنتي هي حياة يومية أعيشها منذ العام 1982».
أيلا أيضاً لا تريد أن ينسى العالم تلك المجزرة أو أن يغض الطرف عنها ولو
مرّ عليها واحد وثلاثون عاماً. وهي لذلك أتت إلى لبنان ضمن وفد إيطالي من تسعة عشر
ناشطاً ومناصراً للقضية الفلسطينية. منهم من يأتي للمرة الثانية وأكثر لمناسبة
الذكرى.
كانت أيلا تلتمس معاناة الفلسطينيين من خلال عملها المدني مع اللاجئين
والمهاجرين منهم إلى إيطاليا. تقول إن عددهم قليل في بلادها «لكن وضعهم يتطلب
دائماً خطط طوارئ، من هنا كانوا يعتبرون دائماً عبئاً على الدولة». كانت تستمع إلى
قصصهم وتاريخهم وتستفسر أكثر عن قضيتهم وأرضهم المسلوبة. وقد بدأت تدرك أن ما
تنقله وسائل الإعلام الإيطالية والأوروبية عموماً هو تماماً وجهة النظر الأميركية
والإسرائيلية. فقررت زيارة لبنان ومعاينة واقع حال من اضطهدوا وقتلوا وحرموا، وما
زالوا يحرمون من أبسط مقومات العيش.
استهلّ نهار الوفد أمس، بتجمّع في قاعة «رسالات» في»المركز الثقافي لبلدية
الغبيري»، حيث حضر أهالي شهداء المجزرة وممثلون عن الفصائل الفلسطينية والأحزاب
اللبنانية. هناك استمعوا إلى كلمات في ذكرى المجزرة. استهلّت بكلمة لرئيس بلدية
الغبيري أبو سعيد الخنسا رأى فيها أن: «التاريخ يعيد نفسه، فالمجازر التي ترتكبها
إسرائيل مغفورة مهما كبرت وعظمت لأن أصلها بُني على الظلم والاغتصاب، وكل من تلوثت
يده بالمجزرة لن نغفر له ولا يُمحى عاره عفواً أو موقفاً».
وألقى سفير دولة فلسطين أشرف دبور كلمة حيّا في مستهلها «المتضامنين
الأحرار من الأجانب، خصوصاً روح المرحوم ستيفانو كاريني». ونوّه «بما تحملته بيروت
في ظل صمت دولي وتواطؤ عربي، والتي لم يكن شهيدنا أبو عمار لينسحب منها لولا الصمت
والتواطؤ».
واعتبر عضو المكتب السياسي في «حزب الله» محمود قماطي أن المجزرة التي
اختلط فيها الدم الفلسطيني بالدم اللبناني، حدثت بين مرحلتين مفصليتين. فقبل هذه
المجزرة «كانت مرحلة توسع العدو الدائم، في حين أنه بعد سنة 1982 بدأت مرحلة
الانكفاء والهزيمة الدائمة للعدو الصهيوني».
ورأى أن الرد لم يتأخر على مجزرة صبرا وشاتيلا عندما نفذ الشهيد أحمد قصير
عملية استشهادية ضد مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور في 11 تشرين الثاني من
العام نفسه، وأنه بذلك أكملت وتكاملت «المقاومة الإسلامية» مع المقاومة
الفلسطينية.
وجدد محمد ابو ردينة، باسم أهالي الشهداء، المطالبة بـمحاكمة القتلة.
ووجّه بسام الصالح باسم الوفود الأجنبية المشاركة ولجنة «كي لا ننسى مجزرة
صبرا وشاتيلا»، «تحية إلى عوائل ضحايا المجزرة ولأهالي المخيمات».
انطلق الحضور بمسيرة راجلة تتقدمها فرق موسيقى كشافة «بيت أطفال الصمود»
و«كشافة بيت المقدس» وعناصر منها تلتها حملة الأعلام وصورة كبيرة لثلاثة أجانب
رحلوا وكانوا من أبرز المناصرين للقضية الفلسطينية. وتوجهوا إلى مقبرة شهداء
المجزرة حيث وضعوا أكاليل ورود.
بعدها توجّه الوفد الإيطالي إلى مقرّ «الأونروا» حيث قدّم التحية لمجموعة
من أهالي نهر البارد المعتصمين أمام مركز الوكالة في بئر حسن واستمعوا إلى شكواهم.
ثم توغل الوفد في أزقة وأحياء مخيم شاتيلا حيث توزعوا فرقاً لزيارة بعض
أهالي شهداء المجزرة. استقبلت شهيرة أبو ردينة خمسة منهم، وقد طلبوا منها التحدث
عن تلك الليلة. روت أن المجزرة بدأت في 16 أيلول العام 1982، وكان الأهالي قد
عادوا إلى منازلهم التي تركوها بسبب الضربات الإسرائيلية، وبعد خروج المقاتلين
منها. عند الخامسة من ذاك المساء، سمع سكان المخيم أصوات طيران وقصف وإطلاق نار.
وقد زاد الوضع سوءاً بعد ساعتين. فانزوت شهيرة وعائلتها المؤلفة من ثلاثة أولاد
وزوجها في غرفة صغيرة إلى جانب شقيقها وعائلته، وابن عمها وعائلته وشقيقتها
وأبيها. كانوا 16 شخصاً مختبئين وأصوات الجرحى والصواريخ تختلط ببعضها.
قررت شقيقتها عايدة الخروج من البيت لاستكشاف الوضع، فرشقت على الفور
بالنار وقُتلت. صرخت: «يا أبي»، خرج والدها مسرعاً وقتل هو أيضاً برصاص «مجموعة من
الشبان ممن يرتدون بذلة عسكرية زيتية غير مرقطة، ويتحدثون بلكنة لبنانية». هدأ
القصف وإطلاق النار عند الثانية فجراً، لكن المجزرة لم تنته. تقول شهيرة أن فصلاً
جديداً منها بدأ، فعند الخامسة فجراً دخل عليهم 16 عنصراً من المقاتلين طلبوا من
الرجال الوقوف جنب الحائط وأردوهم بالنار أمام أعين زوجاتهم وأولادهم. واقتيدت
النسوة وأطفالهن إلى مكان حيث المدينة الرياضية اليوم. وهنّ يخرجن من المنزل منعن
من الصراخ والبكاء حين رأين جثتي شقيقتها وأبيها، وكن يتلفتن شمالاً ويميناً فلا
تقع عيونهن إلا على جثث وأجساد مبتورة. وتتذكر شهيرة تحديداً الأم المضرجة بدمائها
وعلى بطنها رضيعها وهو يبكي.
مكثن في المكان الذي احتجزن فيه ثلاثة أيام، كنّ لا يعرفن شيئاً عما يجري
من حولهن: «علمنا أنه يوم 17 أيلول انفجرت ألغام وضعت من قبل المقاومة فاختبأ
الإسرائيليون في دبّاباتهم ما مكّن بعض الأهالي من الهرب. لكن من اتجه صوب منطقة
الرحاب بقي مفقوداً حتى اليوم، بينما نجا من هرب صوب بيروت»، تقول شهيرة.
عند الرابعة من 18 أيلول عادت وأولادها الثلاثة، منى التي كانت في الثالثة
ومروان الذي أكمل عامه الأول وماهر ابن الأسبوعين.
عادت من دون ستة من أفراد عائلتها وكثير من الجيران والأصدقاء. تقول إن
مصير 3 آلاف إلى 5 آلاف ما زال مجهولاً، «قال البعض أنهم دفنوا في حفر ترابية،
والبعض الآخر أنهم رميوا في البحر وعدد آخر أنهم اقتيدوا إلى إسرائيل». وتقول إن
المجزرة بدأت بتاريخ محدد، لكنها لم تنته بالنسبة إليها ولأولادها.
تعد ماريشللا ماسبيري التي تزور لبنان للمرة الثانية ضمن الوفد أنها ستقدّم
شهادات في المحافل الدولية حول المجزرة «لأنه من العار أن نصمت إزاء تلك الحقيقة».
تعتبر أن من واجبها إجبار أوروبا على الاعتراف والمدافعة عن الفلسطينيين «وقد حان
الوقت لاسترجاع الأرض والحقوق». تعتبر أن المجزرة هي إحدى نتائج النكبة وتتطالب
لبنان بإقرار الحقوق المدنية للفلسطينيين اللاجئين إليه لا سيما حق العمل.
المصدر: مادونا سمعان – السفير