دحلان يتمدد في مخيمات لبنان

الأربعاء، 16 تشرين الثاني، 2016
تعيش المخيمات الفلسطينية في لبنان صراعاً
قاسياً، واستقطاباً حاداً، بين محمود عباس ومحمد دحلان. فالقيادي المفصول من حركة فتح
في العام 2011، يبدو أنه يرى في مخيمات لبنان ساحة مهمة في الصراع الفتحاوي، فلا تمض
أشهر قليلة حتى تزور تلك الساحة شخصيات مهمة في تياره، بدءاً بزوجته جليلة دحلان وليس
انتهاء بذراعه اليمنى سمير المشهراوي.
بعد فصله من حركة فتح، بتهمة التخطيط للقتل
وارتكاب جرائم فساد، وإغلاق الأبواب بوجه تياره في الضفة الغربية، كان على دحلان أن
يحاول تعويض خسارته لتلك الساحة، بالعمل المضاعف في ساحات أخرى، ومنها لبنان. لكن لماذا
لبنان؟
بعد التقدم الذي حققه تيار دحلان في الساحة
الأردنية، حاول العودة إلى غزة، مستغلاً حالة القطاع المحاصر، التي قد تدفع حركة حماس
إلى القبول بعودته. واستعان بوساطة إماراتية استطاعت أن تجمع بينه وبين بعض قادة الحركة.
دخلت بموجب الوساطة جليلة دحلان إلى غزة. أقامت بعض المشاريع، لكن أصواتاً برزت داخل
حماس تحذّر من أن مشروع دحلان أشد خطراً من أي مشروع آخر. فعادت العلاقات بين دحلان
وحماس إلى الصفر. ثم حاول دحلان إطلاق عمل تياره في سوريا، لكن النظام كان قد حسم خياره
بالانحياز إلى عباس، وتسليمه أهمّ مكاتب فتح- الانتفاضة، وبعض مقرات فتح التي صودرت
في العام 1983.
الساحة اللبنانية
رأى دحلان في لبنان ساحة لا تتحكم بها قوة
مركزية. ويقول مصدر فصائلي أمني إن دحلان كرجل أمني عرف أنه من خلال الساحة اللبنانية
يستطيع أن يوثّق علاقاته بدول عربية وغربية كثيرة بحاجة إلى معلومات دقيقة عن الوضع
الأمني في المخيمات، وحتى خارج المخيمات، وهو ما حصل تماماً، وفق المصدر.
استطاع دحلان أن يستعين بأحد أهم كوادر
حركة فتح في لبنان إدوار كتورة، الذي كان قد تسلّم إدارة الضمان الاجتماعي في الحركة،
ونسج من خلاله علاقات واسعة في أوساط اللاجئين. فُصل كتورة من الحركة ليصبح الذراع
الاجتماعية لتيار دحلان في مخيمات الفلسطينيين في لبنان وتجمعاتهم. كانت استمالة كتورة
نصراً مهماً لهذا التيار. فكتورة الجادّ، قليل الكلام، يمتلك صفات أخرى محببة لدى قطاعات
فلسطينية واسعة.
عمل كتورة، من خلال مؤسسة بيرسيو وغيرها،
على إطلاق عشرات المشاريع في مخيمات لبنان، وكلها تقريباً، أوكل مهمة تنفيذها إلى عناصر
وقيادات محسوبة على تيار دحلان. في مخيم شاتيلا، كان يدشن جمعية "أحلام لاجئ"،
التي لا ينفي مديرها صبحي عفيفي انتسابه إلى التيار، وهو أقيل من الضمان بسبب ميوله
الدحلانية. وانبثق عنها مركز تدريبي، وآخر تربوي، وروضة، إضافة إلى تأمين بعض القروض،
وإنارة حواري المخيم، واستبدال كابلات الكهرباء. وفي مخيم الداعوق القريب كانت مشاريع
مشابهة.
مخيم شاتيلا لم يكن سوى مثال، فالمشاريع
الاجتماعية التي نفذتها بيرسيو وجمعيات أخرى تابعة لدحلان، كانت حاضرة في كل مخيمات
لبنان تقريباً، وقارب عددها المئة مشروع. وكان يوكل إلى جماعة دحلان توزيع المساعدات
الإماراتية التي تأتي إلى مخيمات لبنان. ومن خلال ذلك استطاع دحلان استقطاب عشرات المتنفذين.
كلما كانت دعوات التغيير تتصاعد في عدد
من الدول العربية كان دور دحلان يكبر. راق ذلك عدد من الأجهزة الأمنية اللبنانية، وحزب
الله، الذي رأى أن دحلان هو القوة التي يمكن أن تمسك أمن المخيمات. تحدث مسؤولون أمنيون
لبنانيون صراحة لقيادة الفصائل الفلسطينية في لبنان: "البديل الفلسطيني جاهز لتحمل
المسؤولية". وجرت تسوية ملف اللينو لدى السلطات اللبنانية، وإطلاق سراحه بعد تسليم
نفسه.
اللينو: الذراع العسكرية
وإذا كان كتورة هو الذراع الاجتماعية لتيار
دحلان، فإن اللينو كان الذراع العسكرية، وهو الذي يمتلك أكثر من 250 عنصراً في أهم
مخيم فلسطيني، عين الحلوة. طرد اللينو من فتح، لم يمنعه من التمدد صوب مخيم المية ومية
ومخيمات أخرى على امتداد ساحة لبنان، حيث كانت تساعده يد خفية. يكشف المصدر الفصائلي
سراً أن هذه اليد لم تكن سوى يد سلطان أبو العينين، الذي تسلّم قيادة فتح في لبنان
لأكثر من عشرين عاماً، قبل أن يصبح عضواً في اللجنة المركزية لفتح. ومن رام الله، لم
ينس تلك الرفسة إلى فوق، عازماً على العودة إلى قيادة فتح في لبنان، ولو من باب دحلان.
أصبحت جليلة دحلان دائمة الزيارات لمخيمات
لبنان، يرافقها اللينو أو أمين سر اللجان الشعبية أبو إياد شعلان، أو أي من قيادات
فتح الرئيسية. تنبه حزب الله، على ما تقول مصادر، إلى خطر توسع ظاهرة دحلان في المخيمات،
خصوصاً أنه يحظى بعلاقات متميزة بدول خليجية. في نيسان العام 2014، قامت حركة
"أنصار الله"، بقيادة جمال سليمان، باجتياح مقرات تيار دحلان في مخيم المية
ومية، فقتلت قائد التيار في المخيم أحمد رشيد، وتسعة من أتباعه، في تصفية جماعية نادرة
لم يشهد لبنان مثيلاً لها بعد الحرب الأهلية. كانت رسالة فرملت اندفاعة تيار دحلان
نسبياً. لكن التيار عاد ليتوسع مجدداً خلال العام الحالي، وجرى استقبال سمير المشهراوي
في مخيم الرشيدية من قبل محمد الشبل، المسؤول العسكري الأبرز لفتح في المخيم.
يهتم دحلان، رجل الأمن، بالتفاصيل أكثر
من محمود عباس السياسي، ودائم التواصل مع أتباعه. وللمقارنة فإن عدداً من أتباع دحلان
كانوا ممن حضر حفل زواج ابنه، بينما لم يحضر عباس عزاء مستشاره السياسي نمر حماد، بذريعة
الارتباط بمواعيد مسبقة، وإن كان قد أرسل القيادي الفتحاوي عزام الأحمد ليمثّله. دحلان
يرسل أقرب مقربيه إلى مخيمات لبنان بصورة دورية، بينما عباس لم يزر مخيماً فلسطينياً
واحداً خلال زياراته المتكررة إلى لبنان.
يعترف أحد المحسوبين على عباس بالخطر الأمني
الذي يمثله دحلان. مع ذلك يجزم أنه لا يمكن أن يكون بديلاً سياسياً. فـ"دحلان
يرهن القرار الفلسطيني بيد رباعية عربية (مصر، الإمارات، السعودية والأردن)، بينما
شعبنا قاتل طويلاً لحماية القرار الوطني الفلسطيني المستقل. تحمّل اغتيالات في السبعينيات
من بغداد، وعاش الآلاف منا في سجون دمشق، ولن يسمح شعبنا بضياع كل هذه التضحيات، ورهن
قرارنا المستقل".
أربعة أهداف
قبل نحو الأسبوعين، استطاع عباس أن يسجل
عدة أهداف لمصلحته في إطار صراعه مع دحلان، وفق مصادر فلسطينية مطّلعة. أول هذه الأهداف
كان إلغاء القيادة المصرية المؤتمر الذي كان دحلان ينوي عقده في مصر، واستبداله بورشة
عمل جمعت بعض مناصريه، بعد تخوفات مصرية من أن يُظهر المؤتمر دحلان كأنه يتحرك بإرادة
خارجية.
أما الهدف الثاني فكان ثميناً جداً، إذ
أصدرت دوائر صنع القرار في الأردن تقريراً داخلياً مفاده أن من مصلحة الأردن أن يكون
رئيس السلطة الفلسطينية المقبل من الضفة، وليس من غزة، كي لا يفقد الأردن معظم نفوذه
في الساحة الفلسطينية. وثالث الأهداف كان وعداً سعودياً، من الملك سلمان مباشرة لعباس
بأن تنأى المملكة بنفسها عن الصراع الفلسطيني الداخلي. أما الهدف الرابع فهو تأكيد
رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل لعباس أن حماس لا تقبل أن يُعيَّن رئيس للسلطة
الفلسطينية بقرار خارجي، كما تؤكد المصادر الفلسطينية لـ"المدن".
المصدر: المدن