سحابة صيف فوق مخيم برج البراجنة
.jpg)
الثلاثاء، 24 أيلول، 2013
لكأنّ مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين بقعة
يتجاهلها الجميع في الضاحية الجنوبية، ولا يتذكرونها إلاّ عندما يتعلق الأمر
بتوجيه إساءة فعلية أو لفظية.
تُلاحظ على مداخله المتعددة حركة غير اعتيادية، إن على
صعيد الحواجز أم على صعيد قطع الطرق بالدشم الحجرية في ثلاثة مفترقات عند المسلخ،
ومدرسة طولكرم، وكرم رحال السفلي، وتعاونية البرج، الذي أُعيد فتحه مجدداً وهو
أكبر المفترقات حيث يمرّ الباص الرقم 12.
يسرع أحمد إلى أحد «ستاندات» دكانه المتواضع جداً، ليجلب
علكة وأكياس شيبس، فيمررها من فتحة عالية في بوابة المبنى الحديدية الكبيرة
المقفلة لمن قال إنهن عاملات في أحد المصانع لا يسمح لهن بالخروج للشراء في الفترة
الصباحية. ومن أمام الدكان الذي لا يضمّ أكثر من براد مرطبات وستاند للسكاكر وآخر
لأكياس الشيبس والبزورات، ونارجيلتين على أحد الرفوف، عند واحد من المفترقات
المقفلة حالياً المؤدية إلى المخيم، يحدثنا، وهو الفلسطيني الذي يبلغ 34 عاماً، عن
الحالة الاقتصادية للمكان التي تضاف لكلّ المؤثرات الأخرى. يقول إنّ البيع تأخر في
كلّ المصالح، لكنّه يشدد على أنّ الأيام الماضية هي الأسوأ، خصوصاً بعد الإقفال
النهائي للطرق، وما تسبب من «قطع رزق» وتخوّف عام. ويشير في ذلك إلى جيرانه
بمصالحهم المختلفة الذين يرفض بعض موردي المواد الأولية إيصالها إليهم لما في ذلك
من خوف من الوضع الأمني العام، وانزعاج من الحواجز التي تفتش شاحناتهم الصغيرة.
يعتبر أحمد أنّ هذا الوضع لا يؤثر على من هم داخل
المخيم، بل على من يحيطون به، فحقيقة لا يعرفها كثيرون خارج المكان هي أنّ
الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية لا يسكنون ولا يقيمون مصالحهم داخل مخيم برج
البراجنة فحسب، بل إنّ كثيرين منهم لم يعرفوا المخيم أبداً، كحال أحمد الذي يعيش
مع أهله في منزل إيجار قديم، سكنته العائلة منذ أكثر من أربعين عاماً، أي «قبل أن
يأتي كثيرون من اللبنانيين إلى الضاحية».
اللجان الشعبية
عن هذا إقفال الطرق هذا يخبرنا المتحدث باسم اللجان الشعبية
للتحالف داخل المخيم أبو بدر (يوسف مرعي)، أنّ المخيم لا يتأثر بذلك أبداً، فمن
أقفلوا الطرق أقفلوا على أنفسهم. يشدد أبو بدر على العلاقات الاجتماعية التاريخية
بين أهل برج البراجنة ومحيطها اللبنانيين وأهل المخيم الذي يقع على كيلومتر واحد
وبات يضم اليوم 40 ألف نسمة مع استقبال النازحين السوريين والفلسطينيين النازحين
من سوريا. فيؤكد أنّه بالإضافة إلى اندماج الأجيال الفلسطينية واللبنانية بعضها مع
البعض الآخر عبر المدارس الخاصة، والمصاهرة بين عائلات المنطقة والفلسطينيين، فإنّ
العلاقة ترقى أبعد من مستوى رفقة السلاح «بل إنّ كثيراً من المسؤولين الحاليين في
الأحزاب والمقاومة الإسلامية ترعرعوا في زواريب المخيم».
من هنا يعتبر أنّ «حادثة البرج سحابة غبار صيفية لا بدّ
من إزاحتها لأنّنا جزء لا يتجزأ من الضاحية». وفي هذا الإطار يدخل أبو بدر إلى باب
استغلال كثير من الإعلام للحادثة «وصب غضبه على المخيم كالأسلحة الكيميائية
والنووية»، من دون توخي الدقة في النقل. ويؤكد أبو بدر المواقف الثابتة
للفلسطينيين في لبنان وهي توجيه الجهود في اتجاه حق العودة إلى فلسطين، وعدم
التدخل في شؤون لبنان، والتعاون مع «المقاومة التي قدمت للفلسطينيين دماءها والتي
نحزن لحزنها ونفرح لفرحها»، ومع الأجهزة الأمنية اللبنانية في تسليم المطلوبين
قضائياً.
يشدد أبو بدر على أنّ هذه المرحلة الدقيقة بما فيها من
برامج دول كبرى تسعى لتمزيق العالم العربي، تتطلب وضع خطة تنسيقية سياسية وأمنية
بين الفصائل الفلسطينية و«حزب الله» تتقاطع عند «حماية الشعب والمقاومة من أيّ
أخطار»، خصوصاً أنّ من غير الجائز معاقبة الشعب الفلسطيني على حوادث فردية وهو
الذي يضم تنوعاً هائلاً من الأطياف السياسية كلها. مثل هذا التنسيق يتعدى دعوة
«حزب الله» اللجان الشعبية للعشاء والإفطار في شهر رمضان الماضي الذي خصص «لشد
أواصر الصداقة بين اللبنانيين والفلسطينيين والأكراد»، ويتطلب إيجاد «لجنة تنسيق
عليا وطنية للتخفيف من الثغرات الإرهابية والوقاية منها، وتكون منطلقاً للاتصالات
الدائمة بين القيادة الفلسطينية وحزب الله، فنحن وهم إخوة من أب وأم واحدة».
بخصوص الحواجز المحيطة بالمخيم يقول أبو بدر إنّ تأثيرها
النفسي أكبر من أيّ تأثير آخر على الناس. ومع تشديده الدائم على التعاون مع الدولة
اللبنانية يطلب منها تحديد واجبات الفلسطيني وحقوقه التي لم ينل منها إلاّ القليل،
ولاسيما أنّ «73 وظيفة لا يحق للفلسطيني أن يعمل فيها، ومع ذلك ليس من الواضح ما
لنا وما علينا بالرغم من عدم تهربنا لحظة واحدة من القضاء اللبناني».
التأثير النفسي يتحدث عنه الفلسطيني الستيني أبو أحمد
بشكل أكثر تفصيلاً، فيقول إنّ حواجز حزب الله بالذات لم تشكل أي إزعاج لأهل المخيم
بداية، «لكنّ التأثير السلبي بدأ عندما وضع الحزب على تلك الحواجز أفراداً من
التعبئة التربوية». عن هؤلاء يقول أبو أحمد إنّهم «طلاب صغار لا يعرفون التعامل
جيداً مع الناس». ويعطي مثالاً عن ذلك في الحاجز الذي كان تحت الجسر حيث وقع
الإشكال الشهير أوائل الشهر الجاري، فقد عمد أفراده باستمرار على إيقاف «الباص
الأحمر (الصاوي الرقم 12) والطلب من الأجانب النزول للتدقيق في الهويات، وطبعاً
أكثر الأجانب فلسطينيون... فمن هم الأجانب!؟» يسأل أبو أحمد، مشيراً إلى انزعاج
كثير من أهل المخيم من تصرفات كتلك، مؤكداً في الوقت نفسه استمرار العمال الفلسطينيين
في المعامل المجاورة في برج البراجنة في الذهاب إلى أعمالهم كالعادة. عن هذا يقول
أبو محمد الذي يملك معمل خياطة قريباً من المخيم ومعظم عماله الشبان من
الفلسطينيين والسوريين إنّه «مهما كانت الظروف لا يمكن لنا أن نستغني عن
الفلسطينيين ولا أن يستغنوا عنا».
المصدر: السفير