فلسطينيو لبنان تخلّوا
عن الأوهام رافعين رايات اللجوء

الإثنين، 23 أيلول، 2019
ربما تأخر فلسطينيو لبنان،
بعد أيام ثورتهم "المجيدة" ما بين ستينات القرن الفائت وسبعيناته، في يأسهم
من العيش على أمجاد تلك الثورة التي أدت إلى حروب أهلية في الأردن ولبنان، الذي يدب
اليأس بين أهله وأبنائه من العيش فيه اليوم، بعد موجات كثيرة سابقة من دبيب هذا اليأس
والرغبة في الهجرة.
وقفة اللجوء الحاشدة
وها هم بقايا فلسطينيي
لبنان، أيتام الثورة "المغدورة"، يشدون العزم والإرادة على طلب الرحيل كلاجئين
إلى بلدان الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا. ينظّم عزمهم وإرادتهم هذين منذ شهور،
شبانٌ في مخيماتهم كلها، أسسوا "هيئة شبابية" لتأطيرهم ولمِّ شتاتهم أهلاً
وعائلات وأفراداً في وقفات واعتصامات على أبواب السفارات، لمطالبتها بقبول لجوئهم في
بلدانها (منها وقفتهم قبل أسبوعين أمام السفارة الكندية في بيروت تابعتها "المدن"
ورصدت تقديمهم 44 ألف طلب لجوء إلى كندا).
وقبل ظهر يوم الأربعاء
11 أيلول الجاري، نظمت هيئتهم الشبابية إياها وقفة فلسطينية حاشدة في ساحة الشهداء
وسط بيروت، لتجديد عزمهم على الرحيل واللجوء، وإظهار ذلك وتوكيده على الملأ اللبناني
وفي العلنية العامة اللبنانية، وحضّ السفارات على قبول طلباتهم.
جاءت بهم إلى ساحة الاعتصام
باصات أمنتها الهيئة الشبابية من مخيمات لبنان في بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع، حاملين
أعلام الدنمارك والسويد وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي، فرفعوها إلى جانب علم لبناني
في الساحة قرب نصب الشهداء.
عدد المعتصمين يتراوح ما
بين 1000 - 1500 شخص لا يجمعهم في مجيئهم إلى الساحة، شباناً ونساءً ورجالاً وأطفالاً
وعائلات، سوى أنهم لاجئون فلسطينيون في لبنان. وقد يكون بينهم فلسطينيون من سوريا فروا
من المجازر الأسدية إلى مخيمات اللجوء الفلسطيني اللبنانية في أيام الثورة السورية
المغدورة، التي شارك فيها فلسطينيو مخيم اليرموك الدمشقي، ونالهم من الطغيان والمجازر
الأسدية ما نال السوريين، ففروا معاً إلى لبنان.
بلا بطولات التحرير
أمثال شبان "الهيئة
الشبابية" الفلسطينية المنظمة لوقفات طلب اللجوء، وأقرانهم من الشبان السوريين
الذين كانوا السباقين في إطلاق الثورة السورية في 2011، صار الناجون منهم من القتل
والاغتيال الأسديين في التظاهرات السلمية، ومن التعذيب المميت في المعتقلات الأسدية،
في منافي اللجوء الأوروبي، بعد محطاتهم اللبنانية والتركية.
أما الشبان الفلسطينيون
المولودون في لبنان - والأرجح أمهاتهم وآباؤهم ولدوا قبلهم في مخيمات اللجوء الفلسطيني
اللبنانية - فها هم سجناء مخيماتهم، بلا تعليم ولا عمل، إلا إذا استقطبتهم بقايا المنظمات
والعصب المسلحة المتبطلة والمرتبطة بأجهزة وبقايا أحزاب وهيئات احترف عرابوها القعود
مشرئبي الأعناق الرؤوس والأبصار إلى الشاشة التلفزيونية الضخمة التي يطل منها عليهم
في كل يوم تقريباً "الأمين العام الأكبر لتحرير فلسطين" لحساب مرشده في طهران،
فيروي لهم بطولاته التحريرية الحسينية الكربلائية.
يبدو أن خطب هذه البطولات
وحكاياتها، والسابقة عليها في أيام الثورة الفلسطينبة، ما عاد يصدقها فلسطينيو مخيمات
لبنان الذين عافوها وتركوها، راغبين في العلم والعمل والطبابة ومسكن لائق، يئسوا من
تحصيلها في بلدان عربية متفسخة ومتآكلة وغارقة في حروب أهلية، أو مهددة بالتفسخ والإفلاس
مثل لبنان، الذي تجمع مئات منهم في ساحة شهدائه الموقوفة منذ سنوات للحيرة والفراغ
وعبور السيارات.
وفلسطينيو وقفة الساحة
طلباً للجوء الأوروبي والكندي والأسترالي، أدركوا أن مطالباتهم بتنظيم شؤونهم وإقامتهم
في لبنان، وبحق العمل والتملك فيه، صارت مثل شعارات تحرير فلسطين، التي ما زال يطلقها
مريدو أمين عام الحزب السري الخميني الذي لا يهمه في طريقه المزعوم إلى تحرير فلسطين
من البحر إلى النهر، لا شتات شعب فلسطين، ولا تفسخ لبنان جماعات مفككة ودولة فاشلة،
ولا تحول سوريا إلى ركام، ولا صيرورة العراق محمية إيرانية.
ولطي صفحة الضغائن اللبنانية
- الفلسطينية السابقة، كواحدة من صفحات الضغائن العربية التي لا تحصى، جاء فلسطينو
الاعتصام في ساحة الشهداء بمكبرات صوت أذاعوا منها النشيد الوطني اللبناني. ولربما
يعلمون أن اللبنانيين أنفسهم يستعملون نشيدهم الوطني استعمالاً فولكلورياً في مناكفاتهم
ومصالحاتهم. لكن بادرتهم هذه تكني عن إقلاعهم عن الأناشيد الفلسطينية الثورية المسلحة
التي عاشت عليها أجيالهم السابقة، ومنها آباؤهم وأجدادهم في لبنان والأردن خصوصاً.
تخلى بقايا فلسطينيي لبنان
عن الانتشاء بالأوهام والبطولات الخطابية التي لم تؤد إلا إلى مزيد والأوهام والبطولات
والتدمير والتمزق الأهلي في البلدان العربية كلها.
فهل ستصيب عدوى تخليهم
هذا الجماعة اللبنانية السكرى ببطولات أمين عام حزب التحرير الفلسطيني الخميني؟
لكن أليس من سبيل آخر إلى
التخلي عن الأوهام والبطولات الخطابية والتحرر منها، غير طلب الهرب من هذه البلاد الموقوفة
المشؤومة، واللجوء إلى أوروبا وأميركا وأستراليا وكندا، التي عاشت الدعوات العروبية
المتناسلة طوال أكثر من قرن على صب اللعنات والشتائم عليها، وأضاف إليها الأمين العام
الخميني لتحرير القدس مبتكراته من الهتافات واللعنات التي لم يوفر منها بلداناً عربية
كثيرة؟!
المصدر: محمد أبي سمرا|
المدن