لبنان: ماذا وراء معركة "المية مية"؟

الثلاثاء، 08 نيسان، 2014
أيام قليلة مضت على توقيع كافة القوى والفصائل الفلسطينية بكل أطيافها
الوطنية والاسلامية في مخيّمات لبنان وخاصة في مخيمات صيدا على توقيع ميثاق مبادرة
موحدة، ابرز ما فيها عدم اللجوء الى استخدام السلاح وتحريمه في معالجة اي خلاف او
اشكال داخل المخيمات او خارجه وقبل ان يجفّ حبر نصّ المبادرة وتوقيع المسؤولين عن
صياغتها حتى اندلعت قرابة الساعة الثانية عشرة قبل الظهر اشتباكات عنيفة داخل مخيم
المية ومية قرب صيدا وعين الحلوة استخدمت فيها الاسلحة الرشاشة وقذائف الـ "ب
7" استمرتْ نحو الساعة والنصف واسفرت عن سقوط 7 قتلى وعشرة جرحى.
الاشتباكات التي فأجات الجميع وقعت وتركزتْ بين مجموعتين، الاولى هي
بمثابة تنظيم قوي ومسلح جيداً يعرف باسم "انصار الله" يتزعمه جمال
سليمان وهو مدعوم مادياً ومعنوياً وعسكرياً من "حزب الله" منذ أكثر من
عقدين، والثانية تعرف باسم "كتيبة العودة" ويرأسها فلسطيني سوري يُدعى
أحمد عدوان وملقب بأحمد رشيد فرض نفسه على واقع المخيم سابقاً من خلال وقوفه مع
النظام السوري ومؤخراً من خلال تأييده عضو اللجنة المركزية في حركة
"فتح" والمفصول منها محمد دحلان.
روايات
وتبايّنت الروايات حول اسباب اندلاع الاشتباك وخلفياته لكن غالبيتها
اجمعت على حصول إشكالات وقعت مؤخراً بين الرجلين وعناصرهما نتيجة حاجة كل منهما
لفرض النفوذ والسيطرة على هذا المخيّم الصغير بمساحته والذي يتواجد فيه اكثر من
عشرة الف نسمة، وهو يطلّ على احياء وشوارع صيدا وعين الحلوة، وفيه تواجدٌ ملحوظ
لغالبية الفصائل خاصة، من حركتي "فتح" و"حماس" و"الجهاد
الاسلامي" فضلاً عن وجود مميّز لـ"انصار الله"، سيّما وان دارة
جمال سليمان ومنازل بعض اقاربه وانصاره موجودة داخل المخيّم.
وأشار مصدرٌ في "أنصار الله" الى ان بعض عناصر احمد رشيد كانوا
يقيّمون مكمناً لمسؤولهم جمال سليمان حيث اطلقوا على سيارته "الرانج"
الرصاص بعد خروجه من المنزل لكنه لم يكن موجودا في داخله لأن الموكب كان وهميا
علما ان سليمان كان عازما التوجه الى المطار لاستقبال بعض معاونيه العائدين من
العمرة، الامر الذي استدعى ردا سريعا على جماعة احمد رشيد، وتمت مهاجمة مكاتبه في
المخيم والسيطرة عليها بعد اشتباك ادى الى مقتل رشيد وشقيقه رشيد رشيد وبعض
المرافقين.
الضحايا
وتحدثتْ مصادر رسمية عن سقوط سبعة قتلى وعشرة جرحى وعرف من القتلى فضلا
عن رشيد وشقيقه ومرافقيه حسن مشعل ومحمد قطيش ومحمد السوري واحد المسعفين طارق
السعدي فلسطيني من عين الحلوة، ومن الجرحى عُرف محمد زيدان ومصطفى نحال ويوسف
عدوان. وجرى نقل القتلى والمصابين الى مستشفيات الهمشري ومركز لبيب الطبي ومستشفى
حمود الجامعي.
إجراءات للجيش
ومنذ لحظة وقوع الاشتباكات، اتخذّ الجيش اللبناني اجراءات امنية مشددة
على حواجزه ونقاطه الثابتة المؤدية والمحيطة بمخيم المية وميه وعددها ثلاثة. ومُنع
دخول اي كان باستثناء سيارات الاسعاف، فضلاً عن وفد من لجنة المتابعة الفلسطينية
ساهمت قيادة الجيش في المنطقة بالتواصل معها من اجل دخول المخيم واجراء المقتضى
لجهة وقف اطلاق النار فوراً والعمل على اعادة الوضع الى طبيعته علماً ان اطلاق
النار توقف بعد ساعة ونصف على وقوعه.
وفي المعلومات، ان سليمان كان واحداً من المدافعين عن المخيّم قبل سقوطه
في فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام 1982. وقد انشق عن "حركة فتح"
اواخر الثمانيات واسس "كتيبة شهداء عين الحلوة" وسيطرَ على منطقة جبل
الحليب عند الطرف الجنوبي الشرقي للمخيم وكانت مواقعه تتعرض لغارات اسرائيلية بشكل
دائم. وبعد معركة حركة فتح في مواجهة "فتح المجلس الثوري" وسيطرة
"فتح" على مراكز "المجلس الثوري" في عين الحلوة، خرج سليمان
من المخيّم وأسس تنظيماً اطلق عليه "انصار الله" ولاقى تاييداً ودعماً
من "حزب الله" والمخابرات السورية وقبل نحو سنة، صدرَ عن التنظيم بيان
اعلن فيه استقلاليته عن "حزب الله"، لكن بعد اشهر معدودة تراجع التنظيم
عن موقفه واعاد علاقته بالحزب.
أما في سجل احمد رشيد، فلا وجود لمعلومات موّثقة او وافرة عنه وهناك
احاديث عامة بأنه رجل صلب تاجر بكل انواع الاسلحة وكان يفرض على البعض توفير
مساعدات مادية له لتوزيعها على انصاره، وفرضَ نفسه سابقاً من خلال وقوفه مع النظام
السوري ومؤخراً قبل نحو سنتين من خلال تأييده القيادي الفلسطيني محمد دحلان وكان
لافتاً وربما طبيعياً ان احداً من الاطراف الموجودة داخل المخيم لم يتدخل في
الاشتباك الذي حصل بين الطرفين غير ان سكان المخيّم الذين شعروا بالرعب والخوف على
مصائرهم اقدموا بعد وقف إطلاق النار على اشعال الاطارات احتجاجاً وتعبيراً عن
غضبهم.
ويعتبر مخيّم المية ومية من الاماكن الهادئة ونادراً جداً ما يحصل فيه
اشتباك او حتى خلافات على عكس ما شهده طوال سنوات طويلة مخيم عين الحلوة من اقتتال
واشتباكات عنيفة وضارية علماً ان المسافة بين المخيّمين قريبة جداً وتفصل بينهما
مراكز وحواجز الجيش اللبناني.
المصدر: -"النهار"- احمد منتش