القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ماذا ينتظر الفلسطينيون في لبنان من العهد الجديد؟

ماذا ينتظر الفلسطينيون في لبنان من العهد الجديد؟


الثلاثاء، 02 تشرين الثاني، 2016

حضرت قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في جملة يتيمة وردت في خطاب القسم الذي أداه رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، أمس. ورغم ذلك، كان مضمون الجملة حاسماً: "التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين".

بالطبع، خطاب القسم ليس بياناً وزارياً، وبالتالي فليس من مهمته تقديم تفصيل للسياسات، من قبيل: التمسك بعودة اللاجئين إلى أين: إلى بيوتهم وقراهم، وفقاً لقرار الهيئة العامة للأمم المتحدة رقم 194، أم إلى الدولة الفلسطينية العتيدة؟ ولا أيضاً شرح السياسة التي سيتم اتباعها لتحقيق العودة. غير أن خطاب القسم لم يشر من قريب أو بعيد إلى السياسات التي سيتبعها العهد الجديد في التعامل مع القضايا التي تخص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بانتظار تحقيق العودة. ويمكن اعتبار أن هذا الأمر مفهوم أيضاً، بانتظار بلورة البيان الوزاري للحكومة التي سيبدأ العمل على تشكيلها ابتداء من يوم غد الأربعاء.

النقطة الجوهرية التي بينها خطاب القسم هي تحديد استراتيجية التعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العهد الجديد: التمسك بحق العودة؛ وهذا يعني ضمناً أن مسألة التهجير والترحيل ليست مطروحة ضمن استراتيجياته، وأنّ حل قضية اللاجئين لا تكون إلا بالعودة.

ثمّة العديد من القضايا التي تتعلق بالوضع الفلسطيني في لبنان، والتي ينتظر الفلسطينيون من البيان الوزاري للحكومة القادمة معالجتها: بدءاً من الإجحاف والظلم المزمن لناحية تنكر كافة الحكومات السابقة للحقوق الإنسانية والاجتماعية الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وفي مقدمتها الحق في العمل، والتملك، وكذلك قيام الدولة اللبنانية بدورها في مراقبة أداء "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا"، وإلزامها بالقيام بواجبها، باعتبارها المسؤول عن تأمين المتطلبات المعيشية والصحية والتربوية للاجئين الفلسطينيين، إلى حين عودتهم إلى أرضهم وبيوتهم التي أخرجوا منها وإعادة توطينهم فيها (كما ينص على ذلك قرار إنشاء الوكالة عام 1949).

ومن القضايا المنتظر معالجتها أيضاً: استكمال عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وإنهاء ملف المطلوبين الأمنيين في المخيمات، ومعالجة الحصار المفروض على المخيمات لناحية إدخال بعض مواد البناء أو ترميم البيوت الآيلة إلى السقوط، والتي بدأ بعضها بالتهاوي فعلاً على رؤوس ساكنيها.

البيانات الوزارية للحكومات السابقة، ورغم الوعود التي قدمتها لناحية تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، لم تقدم لهم شيئاً ملموساً. وحتى الإنجاز الوحيد المتعلق بإصدار تصاريح عمل "مجانية" للفلسطينيين، وبتفعيل فرع "نهاية الخدمة" لهم في الضمان الاجتماعي، لم يقدم شيئاً للفلسطينيين، ذلك لأنه لا يعالج المشكلة الأساسية في حرمان العامل الفلسطيني من ممارسة أكثر من 70 مهنة في لبنان، ولا يضمن له حقوقه في العمل أسوة بباقي العمال، وذلك رغم إقرار مجلس النواب اللبناني إسقاط المطالبة بمبدأ "المعاملة بالمثل" من العامل الفلسطيني.

خلال الفترة الماضية، التزمت القوى الفلسطينية موقف "الحياد الإيجابي"، وحرصت على عدم الزج بالمخيمات في الصراعات الداخلية في لبنان والمنطقة، وعملت على تحصين الأمن فيها، وفي الجوار، وكذلك تمتين العلاقات الأخوية بين الشعبين. واستطاعت القوى الفلسطينية تجاوز مرحلة حساسة جداً، من خلال الحرص على الوحدة الداخلية، والتواصل مع الأجهزة والقوى الوطنية اللبنانية. واستطاعت فصائل التحالف والمنظمة تشكيل "قيادة سياسية موحدة"، وكذلك "قيادة أمنية عليا"، وشكلت لجاناً أمنية مشتركة في المخيمات، وضبطت الوضع الأمني إلى حد كبير بالتنسيق مع الجيش اللبناني والأمن العام ومؤسسات حكومية أخرى، وبالتواصل مع أحزاب وقوى لبنانية فاعلة.

وعبر العديد من كبار المسؤولين اللبنانيين عن تقديرهم للجهود التي بذلتها الفصائل الفلسطينية، ورأوا أن موقفها قد جنب لبنان الكثير من الخضات الأمنية، وساهمت في حماية الأمن اللبناني. وفي مقدمة هؤلاء رئيس مجلس النواب اللبناني، الأستاذ نبيه بري، ومدير عام الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم. ومع ذلك، لا يزال التعاطي الرسمي اللبناني مع الوجود الفلسطيني يتم من الزاوية الأمنية البحتة، رغم وجود قناعات بدأت تتبلور لدى العديد من قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية والقيادات الوطنية أن هذا التعاطي يجب أن يتغير.

وبالرغم من الجهد الذي بذلته لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، التي أنشئت في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بهدف تعزيز التواصل اللبناني – الفلسطيني من جهة، وإيجاد حلول تأخذ في الاعتبار مصالح ومخاوف الطرفين، من جهة ثانية، فإنها، وللأسف، لم تستطع أن تكون أكثر من لجنة استشارية لرئيس الحكومة، وغالباً بغياب الطرف الفلسطيني.

وينظر الفلسطينيون في لبنان بقلق إلى مواقف "التيار الوطني الحر" بخصوص حقوقهم؛ ولا سيما أنه من المتوقع أن يكون للتيار ثقل سياسي في المرحلة المقبلة؛ ولهم في ذلك شاهدان: الأول موقف التيار الذي أدى إلى تأخّر البدء بعملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد، بحجة وجود آثار، والثاني، الموقف الذي أدلى به رئيس التيار، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، بخصوص أبناء المرأة اللبنانية المتزوجة من فلسطيني، والذي لقي وقتها انتقادات واسعة من القيادات الفلسطينية في لبنان، وردود فعل شعبية غاضبة في المخيمات الفلسطينية.

على أن القيادات الفلسطينية تدرك أن القرارات الحكومية في لبنان تأتي محصلة إجماع بين القوى والجهات المشاركة في الحكومة، ذلك أن آلية اتخاذ القرار الحكومي تخضع لتوازنات التركيبة السياسية اللبنانية، وللأوضاع السياسية العامة في البلاد. على أن هذه الآلية، بالنسبة للفلسطيني، تلعب في اتجاهين متضادين: فمن جهة، لا يكون القرار رهينة رغبة جهة بعينها، بل نتيجة توافق أكثر من طرف، ويأخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، ومن جهة ثانية، تجعل من القضايا المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين عرضة للتجاذبات اللبنانية الداخلية، وللمساومات الإقليمية.

ومع ذلك، ينظر الفلسطينيون في لبنان إلى العهد الجديد بشيء من الراحة، ذلك أن تجاوز الأزمة الرئاسية، بانتخاب رئيس للجمهورية، والتوافق الوطني اللبناني، يرخي بظلال من الأمن والأمان على كامل لبنان، من الطبيعي أن ينعكس على الوضع في المخيمات الفلسطينية فيه. ولذلك، رحبت القوى الفلسطينية في لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية، وباركت للبنان، حكومة وشعباً، هذا الإنجاز الوطني، وتمنت أن ينعم لبنان بالهدوء والاستقرار.

وعليه، ينتظر الفلسطينيون في لبنان البيان الوزاري للحكومة المقبلة، علهم يجدون فيه ما هو أكثر من العناوين العامة، وما يسمح بتجاوز العقدة الأمنية في التعاطي مع التواجد الفلسطيني في لبنان، بما ينسجم مع الانفراج العام في البلد، ويخفف عن كواهلهم الضغوط المعيشية ويعالج التنكر المزمن لحقوقهم، ويقوم بمراقبة "الأونروا" وإلزامها بالقيام بمسؤولياتها، ومساعدتها في تأمين التمويل اللازم لذلك، بانتظار تحقيق حق العودة، الذي ورد في خطاب القسم.

المصدر: وكالة القدس للأنباء