ما
بين الموت والموت.. اللاجئون الفلسطينيون السوريون ضحايا قوارب الموت

فايز
أبو عيد - لاجئ نت
بسم
الله الرحمن الرحيم { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف : 86]
قالها
سيدنا يعقوب عندما ضاقت عليه دنياه، وقالها عندما فقد سيدنا يوسف وأخيه أحب أبناؤه
إلى قلبه وتآمر عليه باقي أبناؤه بالكذب عليه وخداعه، وقالها عندما مزق الحزن قلبه
وابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم، والآن يقولها اللاجئون الفلسطينيون السوريون وهم
يتعرضون للقصف والدمار في سورية وللموت في عرض البحر غرق، وهذا ما حل بمحمد مأمون
العلي الذي يشكو بثه وهمومه إلى الله بعد أن فقد زوجته هبة أحمد خالد دهشة وابنتيه
سارة وناريمان أثر غرق السفينة التي كانت تقلهم إلى إيطاليا قبالة الشواطئ
المالطية يوم 12/10/2013 والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء من اللاجئين الفلسطينيين
السوريين، مأساة محمد وما تعرض له هي مأساة شعب بأكمله هجر وطرد من دياره ويحلم
باليوم الذي يعود فيه إلى ثرى وطنه، لم يخطر ببال محمد عندما قرر أن يفر من جحيم
الحرب الدائرة في سورية بأنه سيكابد الأمواج العاتية، وهو يبحث في باطن المجهول عن
مكان أمن له ولعائلته التي أراد أن يوفر لها حياة كريمة، إلا أن القدر شاء عكس ما
تمنى فكان المصاب الجلل فقدانه كامل عائلته وهذا ما يدفعه اللاجئ الفلسطيني ضريبة
صراعات يكون في معظم الأحيان هو الضحية الوحيدة فيها.
بيت
العزاء:
عندما
تقترب من بيت العزاء الذي أقامته أسرة محمد القادمة من سورية إلى لبنان في مخيم
عين الحلوة لتقبل التعازي بأبنائهم يعود بك الزمن إلى أيام مخيم اليرموك الذي كان
يودع الشهيد تلو الشهيد وتستحضر بذاكرتك كل مشاهد الألم والحزن بما حل بأبناء
الشعب الفلسطيني من نكبات متتالية، تلج القاعة المخصصة للتقبل العزاء ترى وجوه
اتعبتها رحلة اللجوء وقضى مضجعها فراق الأحبة ألا أنها لا تستسلم لليأس وتتابع
مسيرة حياتها مؤمنة بأن الفرج قريب وان العودة إلى ارض الوطن ورغم ما يمر به
اللاجئ الفلسطيني من كوارث باتت أقرب.
مأمون
العلي والد محمد كان من الصلبة والتماسك بتسليم قضاء الله فقال عند سؤاله عن
فقدانه لعائلة ابنه:" لله ما أعطى ولله ما أخذ" نحتسبهم عند الله شهداء،
وأضاف لقد عملت منذ بداية الأحداث في سورية على إبعاد أبنائي عن ساحة الصراع
الدائر فيها، فسافر محمد مع عائلته إلى ليبيا منذ أكثر من عام إلا أن الأوضاع
الأمنية السيئة فيها دفعته للتفكير بالهجرة إلى أوروبا، وكان ما كان الحمد لله ،
وأردف لقد فقدت أحفادي وزوجة أبني الطيبة التي هي بعداد بناتي ومن هنا أوجه للعالم
ولكل منظمات حقوق الإنسان نداء بلسان اباء كل من فقد ابنه أو أحد أفراد أسرته من
اللاجئين الفارين من ساحات الموت الموت إلى أوروبا عبر قوارب الموت" بأن
اتقوا الله فينا ألسنا بشراً مثلكم؟؟!!.
وبدوره
اعتبر "إبراهيم العلي" عم محمد والذي فجع بوفاة عائلة ابن أخيه أن ما حل
بأسرتنا هو نموذج مصغر لما حل ويحل بشعبنا الفلسطيني، الذي ما يزال يدفع الضريبة
الباهظة لجريمة اقتلاعه من أرضه ودياره، فالشعب الفلسطيني ما برح يعاني ويقدم
الشهداء على مذبح الحرية لنيل حقوقه، لذا لابد من العمل الجدي لتعزيز صمودهم
وتمكينهم لضمان تمسكهم بحقهم في العودة وعدم التفريط به.
عزيزة
أبوعيد ( 77 عاماً) جدة محمد التي عاشت نكبة فلسطين الأولى والآن تعيش النكبة
الثانية ترتسم عل محياها علامات الحزن على فراق أعز الناس تتنهد عند سؤالي لها عما
جرى فتجيب بصلبة المرأة الفلسطينية القوية والممزوجة بإحساس كبير" يا
حسرتي" لقد شهدت اللجوء والتهجير للمرة الثانية وأظن أن ما جرى اليوم هو أبشع
وأكثر مرارة مما شهدناه في المرة الأولى منذ أكثر من 65 سنة، وترفع برأسها إلى
السماء وهي تحبس دمعتها وتقول:"أرحموا شبابنا ونساءنا وأطفالنا الذين أصبحوا
طعاماً للأسماك في قاع البحر" أما آن للفلسطيني أن ينعم بحياة كريمة، أما آن
للفلسطيني أن يكون له وطناً يعيش فيه.
وأخيراً
يمكن القول: " بأن اللاجئ الفلسطيني السوري بات يشعر بقرارة نفسه بأنه غريب
في بره وبحره، بعد أن تكالبت عليهم الظروف التي رسمت أخاديد من الحزن والوجع
والألم على جباههم، إلا أن تلك المحنة زادتهم تصميماً على حقهم بالعودة إلى وطنهم
فلسطين، وباتوا يرفعون أصواتهم الآن أكثر من ذي قبل مطالبين بإيجاد حل جذري
لقضيتهم وهو العودة إلى تراب فلسطين.

