ما لا يعرفه اللبنانيون عن مخيم البداوي!

الأربعاء، 13 أيلول، 2017
شكل مخيم البداوي مركزاً لاستقطاب الحركة
السياسية والشعبية للاجئين الفلسطينيين في الشمال، وأصبح مع مرور الزمن ساحة متفاعلة
مع التطورات والاحداث التي تشهدها الساحتان اللبنانية والفلسطينية، حيث لا تكاد تمر
مناسبة من دون ان يرافقها تحرك ما على الارض، ما ميز هذا المخيم عن مثيله مخيم البارد
الذي دمر في العام ٢٠٠٧، وتحول الى قبلة تتوجه إليها الأنظار، لاعتبارات عدة قد يكون
أبرزها وجود غالبية قيادات الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في الشمال داخله.
ميزة تضاف إليها ميزات أخرى يفاخر بها سكان
هذا المخيم وهي تسجل في خانة الايجابيات لقياداته التي استطاعت منذ عام 1983 (بعد معارك
ابو عمار) ورغم التباينات السياسية ان تحافظ على افضل العلاقات في ما بينها حتى في
أحلك الظروف، الامر الذي انعكس ايجاباً على الوضع الامني الذي يعتبر مستقراً إلى حد
كبير مقارنة بسائر المخيمات، ما أسهم في تهيئة الاوضاع، وخلق جو من التآخي بين ابناء
المخيم استثمروه في علاقاتهم وحتى في لحظات اختلافهم.
المخيم الملاصق لمدينة طرابلس من الجهة
الشمالية، وضع أول اساس فيه عام 1957 على أرض تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص اللبناني،
وتبلغ مساحتها نحو 200 دونم وهي مؤجرة لصالح الاونروا، وحسب آخر الاحصاءات فإن عدد
المقيمين داخل المخيم يتجاوز أربعين ألفا بينهم سوريون ونازحون فلسطينيون من البارد
ومخيمات سوريا ومخيم تل الزعتر، في حين أن ابناء مخيم البداوي لا يتجاوز عددهم 17 الف
نسمة وهم يتحدرون من مدن وقرى شمال فلسطين المحتلة وتحديداً: الجليل، عكا، صفد، يافا،
سطورية وسعسع، وهم بمعظمهم من اللاجئين الذين نزحوا في العام 1948 مع وجود عدد ضئيل
من لاجئي 1950.
مخيم البداوي وحسب الموقع الجغرافي له منغلق
نوعاً ما على محيطه، حيث لا يمر فيه إلا من يقصده من غير سكانه، وبالتالي فإن فرص إقامة
مشاريع او ما شابهها من مؤسسات او محال تجارية لم تكن بالأمر المجدي على غرار مخيم
البارد سابقا الذي استفاد ابناؤه فترة طويلة من الزمن من وجود الطريق الرئيسية والوحيدة
التي تربط عكار والحدود الشمالية مع سوريا بمدينة طرابلس.
الداخل إلى مخيم البداوي اول ما تشده خلال
تجواله في أرجائه كثرة الصور والمجسمات والشعارات التي تنتشر بشكل كثيف على الجدران
وعلى واجهات المباني والمحال التجارية وهي نتاج عمل دؤوب قامت به مجموعة من الفنانين
المحليين وغيرهم، ما يعطي صورة إضافية على حجم التفاعل والتواصل القائمين مع القضية،
والتي تكاد تكون الخبز اليومي لسكانه في ظل انعدام فرص العمل للحصول على رغيف الخبز،
في بيئة يعمل غالبية ابنائها في البناء والمهن الفنية (ميكانيك وحدادة ودهان سيارات)
وغيرها من المهن اليدوية التي واجهت خلال العقود الماضية منافسة من قبل اليد العاملة
السورية ما تسبب بحرمان المئات من العمال وفقدانهم لفرص العمل، وهو ما دفع بالكثيرين
منهم إلى الهجرة باتجاه الدول الاوروبية والخليج العربي وإلى اي مكان بحثاً عن فرصة
عمل تقيهم ذل السؤال.
هذا الواقع يجعل مخيم البداوي على الرغم
من الميزات التي يتمتع بها والهدوء الامني النسبي الذي ينعم به، سجناً كبيراً لأبنائه،
نظراً لضآلة فرص العمل وانعدام الخدمات والتقديمات من جانب الاونروا، والتي اخذت تتقلص
تدريجياً في الآونة الأخيرة ووصلت الى حدودها الدنيا، وتحديداً في ما يتعلق بالجانبين
الطبي والتربوي. ففي مخيم البداوي، مشفى واحد (الهلال الأحمر الفلسطيني) وهو بإمكاناته
المتواضعة لا يستقبل الحالات السريرية وجل ما يقدمه معاينات طبية للمرضى لا تفي بالغرض
المطلوب في الاوقات الحرجة، إضافة إلى وجود بعض المستوصفات وعيادات الاونروا وحالها
لا تختلف كثيراً عن حال المشفى.
اما في موضوع التربية فالمشكلة تكمن في
عدم وجود مقاعد دراسية لكل الطلاب الذين يتم تقسيمهم الى دوامين قبل الظهر وبعده، وهم
يتوزعون على 7 مدارس تابعة للاونروا ويضم كل فصل في احسن الاحوال نحو50 طالباً.
هذا التراجع في خدمات الاونروا انسحب في
الفترة الاخيرة على مجمل الامور من الدواء إلى المواد الغذائية (الإعاشة)، ولا يعوض
هذا النقص تقديمات الفصائل والتنظيمات التي يعاني غالبيتها من مشاكل مالية وحتى الميسورة
منها (المنضوية في منظمة التحرير) فتقديماتها غالباً ما تكون حصراً لعناصرها ومناصريها
حيث ان عدد المستفدين من التنظيمات مالياً ضئيل جداً قياساً بعدد السكان او المحتاجين،
باستثناء حركة فتح التي ما تزال توفر الرواتب لعدد كبير من المتفرغين عندها، وهذا ما
يساعدها لكي تحتل موقعاً متقدماً في التوزيع السياسي للقوى داخل المخيم تليها فصائل
منظمة التحرير الفلسطينية، والاحزاب والحركات الاسلامية ومنها حركة حماس، ومعها فصائل
المقاومة الفلسطيينة، القيادة العامة وفتح الانتفاضة والصاعقة وغيرها.
المصدر: عمر ابراهيم – سفير الشمال