القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 24 كانون الأول 2025

مخيم عين الحلوة... بين «التوتير المقصود» و«الانفجار الممنوع»

«عاصمة الشتات» الفلسطيني في لبنان تجاوزت قطوعاً أمنياً خطيراً في لحظة مواجهات طرابلس

مخيم عين الحلوة... بين «التوتير المقصود» و«الانفجار الممنوع»


الإثنين، 09 كانون الأول، 2013

تجاوز مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (جنوب لبنان) جولة جديدة من التوتير الامني في أعقاب اغتيال العنصر «الفتحاوي» محمد السعدي احد ابرز المقربين من قائد «الكفاح المسلح الفلسطيني» في لبنان سابقا العميد محمود عبد الحميد عيسى «اللينو» الخصم «اللدود» لـ «المجموعات الاسلامية» المتشددة المعروف باسم «جند الشام» سابقاً و«فتح الاسلام» حيناً وبـ «الشباب المسلم» حالياً وهي تدور في فلك القوى السلفية عقائدياً.

لكن هذه الجولة من التوتير تُعتبر الأخطر اذ جاءت في توقيت أمني «قاتل» وسياسي «خانق»، تزامُناً مع الاشتباكات التي دارت رحاها في طرابلس في شمال لبنان بين العلويين في جبل محسن المؤيدين للنظام السوري وبين مجموعات سنية في باب التبانة داعمة للثورة السورية، وبعد وقت قصير من التفجير الانتحاري المزدوج امام السفارة الايرانية في بيروت (في 19 نوفمبر) والذي تبين ان الانتحاريين اللذين نفذاه احدهما لبناني من صيدا والثاني فلسطيني من سكان البيسارية في قضاء الزهراني (جنوب لبنان).

ووفق أوساط فلسطينية بارزة «صحيح ان ليس هناك ترابُط عضوي بين الأحداث اللبنانية والتوترات الفلسطينية المتنقلة بين المخيمات وآخرها في عين الحلوة، اكبر مخيمات لبنان والذي يعتبر «عاصمة الشتات» كامتداد لها، الا ان الآراء الفلسطينية تتفق على اختلاف انتماءاتها السياسية الوطنية والاسلامية على ان ما يجري على الساحة السورية او اللبنانية تتأثر به المخيمات تلقائياً وإن كانت ليست في قلب الحدث مباشرة، فالأزمة السورية انعكست انقساما كاد يطيح بمنظمتي «الصاعقة» و«القيادة العامة» بزعامة احمد جبريل المواليتين للنظام السوري، والخلافات اللبنانية أفرزت اصطفافات حاولت القوى الفلسطينية جاهدة تفاديها عبر اتباع سياسة النأي بالنفس والحياد الايجابي، وقد نجحت في كثير من المحطات في تفادي الشرب من «الكأس المُر»، وآخرها على خلفية الاشتباك الذي وقع بين الجيش اللبناني والشيخ احمد الاسير في عبرا، اذ فُتحت معركة ارتدادية في منطقة تعمير صيدا ذات المزيج اللبناني - الفلسطيني، السني - الشيعي، ولكن لم تصل الى قلب المخيم شظايا حارقة».

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ «الراي» انه «رغم التوتر الأمني، إلا انه ليس هناك قرار بالانفجار، لأنه في عُرف «فتح» التوقيت غير مناسب، وفي مفهوم الاسلاميين من شأن اي معركة ان تكبّدهم خسارة آخر معاقلهم الآمنة»، وتضيف: «حالياً، اي بعد اغتيال السعدي، يعود عدم الانفجار الى سببين: الاول انه ليس هناك طرفان متقابلان مباشرة وإن كانت هناك اتهامات متبادلة بين عائلة السعدي التي تدين بالولاء المطلق لحركة «فتح» وبين الناشطين الاسلاميين الذين يطلقون على أنفسهم «الشباب المسلم». والثاني ان قيادة حركة «فتح» ليست بوارد اتخاذ قرار بالحسم عسكريا، وهي تسعى جاهدة الى التهدئة والحلول السياسية، ولا سيما في ظل الاحداث الامنية المتنقلة على الساحة اللبنانية، والخشية من ربطها ببعضها البعض، اي ان التوقيت غير مناسب على الاطلاق». وفي الوقت نفسه سجّلت المصادر التزام الناشطين الاسلاميين بعدم الردّ على اطلاق النار الذي طال جانباً من حي «الطيرة»، حيث يتمركز الناشط الاسلامي بلال بدر وعدد كبير منهم، وتبين ان لديهم قراراً بعدم الرد تفادياً للوقوع في اي اقتتال داخلي.

وتصف مصادر فلسطينية أخرى الوضع الامني في عين الحلوة بأنه يراوح بين معادلتيْ «التوتير المقصود» و«الانفجار الممنوع»، فـ«التوتير المقصود» مردّه الى عدم استبعاد استغلال توقيت الأحداث الأمنية اللبنانية لتمرير تصفية حسابات، او محاولة ايقاع الفتنة بين حركة «فتح» من بوابة عائلة آل السعدي وبين الاسلاميين من بوابة الناشط بلال بدر على خلفية الاشكالات والاشتباكات السابقة بينهما، بينما «الانفجار الممنوع» مرده الى نجاح القوى الفلسطينية في توحيد موقفها السياسي عبر تشكيل لجنة قيادية تُعتبر بمثابة المرجعية السياسية الموقتة في ظل الخلافات بين حركتيْ «فتح» و«حماس»، وهي القيادة السياسية للفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية في لبنان، من دون إغفال نجاحها ايضاً في تشكيل قوة أمنية مشتركة تنتشر للمرة الاولى في المخيم وبتوافق بين مختلف القوى فيه».

وبين «التوتير المقصود» و«الانفجار الممنوع»، فإن القوى الفلسطينية تسعى الى تمرير المرحلة الصعبة بأقل الخسائر الممكنة لاقتناعها بأن الوضع الامني يبقى هشاً نتيجة الخلل في تحصين الأمن واستقراره بالتطبيق الميداني على الارض، اي استمرار معادلة «الامن بالتراضي» و«المربعات الامنية» و«عدم رفع الغطاء السياسي عن اي مخل بالامن». وكلها عوائق اساسية ما زالت تحول دون اقفال باب المخيم امام رياح الاقتتال الداخلي والفتنة اللبنانية - الفلسطينية.

وتقول المصادر الفلسطينية انه «تم اعتماد خطة طوارئ بديلة ممكنة، تقوم على تعزيز القوة الامنية الفلسطينية المشتركة ورفدها بالمزيد من العناصر كي تستطيع ضبط الوضع الامني ومنع الاخلال به وفق التوافق الفلسطيني العام وتسليم مطلق النار على الحاج عبد الغني الى القوة الامنية، ومواصلة التحقيقات في جريمة اغتيال العنصر في حركة «فتح» محمد السعدي والاستماع الى المزيد من الشهود ومراجعة كاميرات المراقبة، لا سيما وان بعض مسؤولي حركة «فتح» تحدثوا عن خيوط بدأت تظهر في سيرها».

ميدانياً، يسود مخيم عين الحلوة «استنفار» سياسي لتطويق ذيول الأحداث الأمنية التي دهمته منذ جريمة اغتيال العنصر «الفتحاوي» محمد السعدي في الاول من ديسمبر الجاري، وصولاً الى انفجار عبوة ناسفة اثناء تشييعه ادت الى سقوط جريحين هما مرافق «اللينو» صالح ديب وطفل بُترت قدماه ويرقد حالياً في مركز لبيب الطبي في صيدا للمعالجة، في حين خيّم الهدوء الحذر على المخيم حيث فتحت مدارس «الاونروا» ابوابها التزاماً بقرار لجنة المتابعة الفلسطينية باستئناف الدروس والحياة الطبيعية، الا ان الطلاب عادوا وغادروا صفوفهم بعد وقت قصير بسبب قلة أعدادهم، اذ فضّل معظم الاهالي عدم ارسالهم تحسباً لاي تطور أمني لا سيما وان المخيم عاش ليل الاربعاء - الخميس الماضي توتراً محدوداً تمثل بإلقاء قنبلة يدوية عند مفرق سوق الخضار واطلاق نار على دفعتين فجر الخميس دون ان تقع اي إصابات. ولكن رغم الترقب بدأت الحركة تعود أدراجها، حيث لوحظ انها ناشطة في شوارع المخيم بعدما فتحت غالبية المحال والمؤسسات التجارية ابوابها، كما سوق الخضار.

واكد قائد القوة الامنية الفلسطينية المشتركة في عين الحلوة العقيد احمد النصر ان «الوضع بات يميل الى الهدوء نهاراً والحذر ليلاً مع انتشار المسلحين واتخاذ اجراءات امنية احترازية»، مؤكدا «ان هناك جهوداً سياسية كبيرة تبذل من اجل التهدئة».

واعتبر قائد «كتائب شهداء الأقصى» منير المقدح «ان ما حصل يستهدف امن المخيم والقضية الفلسطينية، وهذا عمل صهيوني»، محذراً من ان «هناك مَن يعمل على توتير الوضع الامني في المخيم»، وداعياً في مثل هذه الحالات الى تشكيل لجنة طوارئ، واتخاذ اجراء سريع ضد اي جهة تبين مسؤوليتها عن الموضوع»، والى «الضرب بيد من حديد لاعادة الامن والاستقرار، لان امن المخيم من امن الجوار اللبناني وكلاهما مرتبطان».

من جهته وصف «اللينو» مرتكبي جريمة اغتيال السعدي ومفجّري العبوة بانهم «أصحاب أجندات مشبوهة معروفون لنا، وكانوا واهمين عندما ظنوا اننا سنتخلى عن الدفاع عن ابناء شعبنا بالمخيمات»، مؤكداً «أننا سنواجه هذه العصابات المعروفة بالاسم والمرتبطة بالعدو الصهيوني وسيكونون واهمين اذا ظنوا انني لن ادافع عن «فتح» اذا جُمدت فيها»، قائلاً «الايام المقبلة ستشهد اننا سنتصرف بحكمة».

لبنانياً، شكل توتير الوضع في مخيم عين الحلوة هاجساً لدى القوى السياسية الصيداوية، حيث اعتبرت النائبة بهية الحريري أنه «لا يمكن ان ننظر الى ما يجري في مخيم عين الحلوة بمعزل عما جرى ويجري في طرابلس وفي مناطق اخرى من لبنان، والتي نرى فيها حلقات مترابطة من التوتير والتفجير الأمني المتنقل تحت عناوين ومسميات مختلفة، لكن النتيجة واحدة وهي محاولة تعميم الفوضى وتقويض السلم الأهلي في لبنان عبر ضرب احد اهم اسسه وركائزه: العيش الواحد بين مكونات هذا الوطن».

وأمل الامين العام للتنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد في «استمرار عمليات ضبط النفس من اجل حماية شعبنا الفلسطيني الذي سبق له ان دفع ما يكفي من التضحيات في كثير من المعارك العبثية المقيتة ومن اجل النجاة بشعبنا اللبناني وبشعبنا الفلسطيني من شرك الانقسام المذهبي والطائفي الذي يقدم خدمات جليلة للكيان الصهيوني الغاصب».

نشأة عين الحلوة

أنشئ مخيم عين الحلوة العام 1948، وهو يقع جنوب مدينة صيدا، على بُعد ما يقارب 3 كيلومترات عن قلب المدينة، ويبلغ عدد سكانه بحسب آخر إحصاء نحو 70 ألف نسمة يسكنون على مساحة لا تتجاوز كيلومترا واحدا، منها ما هو مستأجر من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفسطينين الاونروا مباشرة من الدولة اللبنانية لمدة 99 عاماً، وقلة من اللاجئين يملكون سندات تمليك بعدما عمدوا الى شرائها مباشرة من أصحابها. وقد توسع المخيم منذ عقدين ونيف من الزمن حيث أقيمت تجمعات فلسطينية للالاف من اللاجئين النازحين من بيروت والجنوب (حتى الان لا تقدم لها «الاونروا» أي خدمات) وهي تتبع عقارياً إما لبلدية صيدا او لـ درب السيم أو المية ومية.

موزاييك سياسي

يتميز عين الحلوة عن بقية المخيمات في لبنان بان فيه موزاييك للقوى السياسية: من فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» بما فيها حركة «فتح» كبرى فصائلها و«جبهة التحرير الفلسطينية» و«الجبهة الديموقراطية» و«الجبهة الشعبية»، ومن «تحالف القوى الفلسطيني» بما فيه حركتا «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«القيادة العامة» و«الصاعقة» و«فتح الانتفاضة» ومن «القوى الاسلامية» بما فيها «عصبة الانصار الاسلامية» و«الحركة الاسلامية المجاهدة» برئاسة الشيخ جمال خطاب، ومن «أنصار الله» بزعامة جمال سليمان القريب من «حزب الله».

نجاح ومخاوف

نجحت القوى السياسية الوطنية والاسلامية في «عين الحلوة» في وأد الكثير من الخلافات والفتن الداخلية التي كادت تطيح برمزيته ومرجعيته وتشوّه صورته وتكرّسه على انه بؤرة أمنية وملاذ للمطلوبين والفارين من وجه العدالة اللبنانية. وقد وقع العديد من الاشتباكات المسلحة بين حركة «فتح» من جهة و«القوى الاسلامية» حيناً و«جند الشام» حيناً آخر وحصدت الكثير من الضحايا والجرحى، لكنها عادت واتفقت في اطار القيادة السياسية للفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية في لبنان على تشكيل قوة امنية مشتركة انتشرت للمرة الاولى، غير ان ذلك لم يلغ المخاوف من توتير مفاجئ بين الحين والآخر كما حصل في جريمة اغتيال السعدي.

المصدر: صحيفة الرأي