معرض واقعي في صورة.. الأولاد يستعيدون القصة
السبت، 10 تشرين الثاني، 2012
على الأرض، مستندةً إلى حائط، تتجاور الصور الفوتوغرافية التي التقطها أطفال ومراهقون من مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، لتروي عن قصة حياة لا تنفصل سرديتها على قصة المكان، أكان مسقط رأس صعب المنال، أو مسقط جسد ممنوع من الصرف، «واقعي في صورة» هو العنوان الجامع للصور في معرض.. يفتتح السادسة من مساء اليوم ويستمر حتى 13 الجاري، في «مسرح المدينة»، بتنظيم من «الأونروا» ومجموعة «مهرجان الصورة - ذاكرة»، وبرعاية الاتحاد الأوروبي.
لكن الصور تتمرّد على سياق المتوقَّع، في كل مرة، هي تتمرّد، ها هو المكان، البيت، بناسه وبلا ناسه. وها هي الوجوه، بفرحها وبهمومها. ها هي السنون، متقدّمة وحديثة الولادة وها هي كلها، يعاد صوغها في صور، فلا تظهر هي ذاتها. العين التي تنظر إليها أضافت إلى الذاكرة الفلسطينية عمراً حديثاً، تخبر في الصور نتيجة تراكمها. وها هي مجموعة الأصحاب على الشاطئ، يلهون لكننا لا نرى لهم موقعاً جغرافياً، ودلالات. نراهم المراهقين فقط، متجمّعين في صورة فوق رمال، كأنهم مخطوفون من الزمان والمكان، متخفّفون من الدلالات كلها، في عريّ يخبر عن البحر واللهو والصداقة، فلا يصادر كافة معانيها ملصقٌ يحكي عن شهيد، أو مفتاحٌ يعد بالعودة.
كثيرة هي الصور التي تسرق الأولاد من سياق فلسطين الطاغي، وكثيرة هي التي تخبر عنه، وهي تتداخل بعضها ببعض، ليخرج المرء من توالي الصور أقرب بخطوة من حياة تلك الجماعة، أكان مكوّنها اللجوء أو الهوية الفلسطينية أو اليوميات.
نقترب أكثر من قصة الأيام، كما يخبر عنها وجهٌ يملأ الصورة مبتسماً هنا، وآخر عابسٌ هناك. البيوت، تلك الموضبة بعناية، وتلك التي يتراكم فيها سكانها وأشياؤهم. الشوارع، كمساحة عيش وخراب وبناء. حديد النوافذ يدلّ دائماً على السجن، الكبير والصغير والمؤقت. لكنها هنا تميل بوجه مائل معها، كأنها تتحايل عليه، وهي تتحايل عليه.
كاميرا تخفي وراءها وجه فتاة، والفتاة كما الكاميرا يغطان في سواد المحيط. النظرة موجهة إلى خارج الصورة وكذلك العدسة، كأنها ترد العين الاستكشافية عنها، لتستكشف هي خارجها. الوقوف عند باب يطلّ على خارج، والصورة تواجهه. الوقوف عند باب يطل على الداخل، وجهتان وفكرتان.
الانتظار العادي، بالمؤنث والمذكر، بتقطيع خضار السلطة وبغليان القهوة. الوجوه الملأى بالحكايات، والنهايات تلوح منها. الوجوه الضاحكة التي تروي علاقة أخرى بالحكايات، كما النهايات. صفوف مدرسية ليست مهدّمة، وإنما حيّة وناشطة برسوم الأولاد وملابسهم وكتبهم وتركيزهم. وصفوفٌ أخرى مهدّمة.
هنا ظلٌّ على الأرض يخبر عن معاني الحضور والغياب في مكانين حاضرين وغائبين، كفلسطين والمخيم، كالأمس والغد، كالممكن والمُراد. ويبقى العَلَم في يدها دائماً جميلاً، كذلك النظر في عينيها، هو دائماً غنيّ. هي والوعود والشهداء وأسلاك الكهرباء.
هناك إحساس طريّ يراود المرء وهو يتوه بين تلك الصور المغرية جمالياً، يخبر عن علاقة تنضج بين الولد الفلسطيني وحياته ومخيمه، كأنه يميّز حدود الثلاثة، ويترك الهواء يميل به بينها.
المصدر: السفير | سحر مندور