مفوض "الأونروا"زار مخيم شاتيلا
مفوض «الأونروا»: اهتمام العرب باللاجئين قليل جداً

الأربعاء، 23 كانونالثاني، 2013
في مخيّم شاتيلا الذي زاره المفوض العام لـ«الأونروا» فيليبو
غراندي، أمس، امرأة قدّر هو عمرها بأكثر من ثمانين سنة. قال: «عمرها ألف سنة وفق ما
همست لنا، وربما يكون صحيحاً لأن ما عانته يضيف إلى كل سنة من عمرها سنين عدة». ثم
روى قصّتها، واصفاً أيامها اليوم بالمفرحة، وهي بالطبع مفرحة للعاملين والناشطين في
الشأن الفلسطيني. فالمرأة التي يكاد رأسها يلامس الأرض من انحناءة ظهرها تستضيف في
منزلها الضيّق في المخيم أربعة عشر نازحاً سورياً. أرادت أن تردّ الجميل لهم بعدما
استضافوها سبع سنوات في سوريا، حين لجأت إليها هرباً من «حرب المخيمات».
هي نفسها المرأة المنحنية التي تحمل صورة ولدها المفقود منذ
العام 1986 في كل تحرّك مناصر لقضية المفقودين والمخفيين قصراً. فهي ما زالت تنتظر
عودته حتى اليوم.
قد يكون أيضاً توارد إلى مسمع غراندي قصّة الأب الفلسطيني
النازح من سوريا الذي انتحر في مخيم عين الحلوة، والذي وعد زوجته وبناته الأربع وهو
يغلق باب الغرفة خلفه بأنه سيعود حاملاً لهن العشاء و«بشارة» عمل جديد. لكنّه غادر
ولم يعد، مفضلاً الموت على العودة فارغ اليدين. وربما أيضاً سمع بقصة الفلسطيني الذي
يستأجر غرفة فوق السطوح في مخيم برج البراجنة من السادسة مساء حتى السادسة صباحاً لأنه
لا يستطيع أن يتحمّل إيجارها بدوام كامل.
تلك قصص من بين مئات قصص البؤس والحرمان التي يمكن أن تروى
اليوم عن الفلسطينيين في لبنان والفلسطينيين النازحين من سوريا، والتي لا بدّ من أن
يكون المفوّض العام قد لمس جزءاً منها، لا سيما أنه قصد لبنان، لا لغاية ديبلوماسية
استشارية أو لزيارات رسمية، بل لتجوال ميداني ولمشاهدة الواقع الفلسطيني في لبنان بأم
العين. وهو لن يلتقي إلا وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، نظراً إلى الدور الموكل
إليه في المجال، والجهات الأمنية الفاعلة، موضحاً خلال مقابلة حصرية لـ«السفير» أنه
يثمّن الجهد الذي يبذله لبنان لاستضافة النازحين، «فهو يستخدم كل طاقاته على الرغم
من الأوضاع التي يواجهها».
ويشير غراندي إلى أن عدد النازحين الفلسطينيين من سوريا بات
يفوق العشرين ألف نازح «وهو رقم كبير بالنسبة إلى الواقع الفلسطيني في لبنان والمستلزمات
التي يجب أن تتوافر لهم أثناء النزوح».
قصد بالأمس مخيم شاتيلا، وهناك تواصل مع النازحين الذين فرض
عليهم لجوء ثان بعد لجوء أول إلى سوريا. لفت إلى الأوضاع الصعبة للنازحين كما للفلسطينيين
المقيمين، والذين يتشاركون غرفاً صغيرة وضيقة. يحشر خمسة عشر منهم في غرفة واحدة تفتقد
الكهرباء والمياه والتهوئة.
ولعلّ مسألة الإيواء هي المشكلة الأبرز التي تواجهها «الأونروا»،
إذ يرى غراندي أن أفضل حلّ لها استخدام أبنية غير مستعملة «لأن الوكالة عاجزة عن تأمين
بدل إيجار لوقت طويل».
وهو أوضح أن البرامج التي خصصت للنازحين من سوريا باتت مكتملة،
إن لناحية التقديمات الصحيّة أو لناحية التعليم أو لجهة العينات الغذائية والأموال
المقدّمة لإعالتهم. لكنّ الأزمة السورية التي قد تطول، و«التي يجب أن نكون مستعدين
لها» كما يقول غراندي، تستدعي جذب أموال جديدة. وهو لذلك سيوجّه نداء إلى الدول المانحة،
لا سيّما أن الوكالة وضعت خطة للأشهر الستة القادمة، أي من كانون الثاني الحالي حتى
حزيران المقبل. وستكون حصة لبنان، وفق المفوّض العام، 13 مليون دولار من أصل 91 مليون
دولار تطلبها الوكالة للأماكن التي تعمل فيها.
ويلفت إلى أن خطة «الأونروا» لأعمال الإغاثة في الأشهر الستة
الماضية تطلبت 54 مليون دولار، حازت 65 في المئة من أصلها، واستخدمتها لإغاثة الفلسطينيين
في كلّ من لبنان وسوريا والأردن.
ينزعج غراندي حين يُسأل إن كانت الأمم المتحدة تنسى الفلسطينيين
كلّما تناولت موضوع الأزمة السورية؟ ويجيب بأن الفلسطينيين لن يُشملوا بالحديث عن الأزمة
سياسياً، لكنّ المنظمة تذكّر دائماً بوجوب مساندتهم لا سيما النازحين من سوريا إذا
كان الحديث عن الأزمة يُتناول من الناحية الإنسانية. ويلفت في هذا السياق إلى أن الفلسطينيين
نجحوا بنأي أنفسهم عن الصراع السياسي السوري وبقوا خارجه، فلم يصطفوا إلى جانب أي من
الطرفين، «وهي توصية شدّد عليها الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وكرّرتها مراراً، لا سيما
أثناء زيارتي سوريا في كانون الأول الماضي».
إلى هذا أكّد غراندي أن العمل على صعيد الحقوق المدنية للفلسطينيين
في لبنان ما زال في أول الطريق، سواء لجهة الحق بالعمل وحق التملك أو حتى تأهيل المخيمات
وتحديث بناها التحتية باستمرار. وأشار إلى أنه من غير المقبول أن يبقى أكثر من ثمانين
في المئة من سكان نهر البارد خارجه، وقد مرّت ست سنوات على الأزمة فيه.
ويتوقّع، بحسب سير الأعمال أن يعود 22 في المئة من سكانه
إليه بين ايار وحزيران المقبلين، «على أن يستكمل الربع الآخر من الخطة في السنة المقبلة».
مشكلة نهر البارد، كما غيرها من المشاكل التي تواجهها «الأونروا»
تتعلّق باستجابة المانحين، مع ذلك فهي تدفع 15 مليون دولار سنوياً بدل إيجار لأهالي
البارد منذ العام 2007، ريثما يعودون إلى منازلهم.
بين الأزمة السورية والوضع الفلسطيني الذي ما زال مقلقاً
في فلسطين المحتلة كما في بلدان اللجوء، تتأثر أعمال الوكالة بشكل شديد بكرم المانحين،
خصوصاً «أن كبار المانحين عند كل أزمة هم دائماً أنفسهم» يقول غراندي، موضحاً أن «الأونروا»
بدأت تحث بلداناً جديدة على التبرّع مثل روسيا والبرازيل وإيران. كما بدأت تراهن على
القطاع العام، ونجحت من خلال عدد من البرامج لا سيما تلك المتعلّقة بالصحة، كما تحصد
اليوم اهتمام عدد كبير من المتمولين الفلسطينيين.
أما عربياً، «فباستثناء التقديمات السعودية واهتمام الرئيس
عباس بشأن اللاجئين الفلسطينيين»، والكلام لغراندي، يبدو الاهتمام قليلاً جداً.
المصدر: السفير