فلسطينيو سوريا يطالبون «الأونروا» بتحمل مسؤولياتها
نـزوح كثيـف مـن جحيـم مخيـم اليـرمـوك إلـى البقـاع الأوسـط
الثلاثاء، 18 كانون الأول، 2012
لحظات ودقائق معدودة، من هدوء القصف الجوي، كانت كفيلة بهروب عشرات العائلات الفلسطينية من مخيم اليرموك باتجاه لبنان، الذي استقبل أمس وفق إحصاء «اللجان الشعبية الفلسطينية في البقاع»، أكثر من 250 عائلة جديدة، هربت من «جحيم سوريا» إلى لبنان. وقد هرب أفراد تلك العائلات بما عليهم من لباس، كما تقول ابتسام التي وصلت إلى البقاع أمس، بعد «ثلاثة أيام من الهروب المتواصل من مكان إلى مكان، والحصار داخل مخيم اليرموك».
روت ابتسام عن ساعات من الدمار والقصف لم تعشها من قبل ولم تسمع من أجدادها عن مثيلها. احترق منزلها ودمر المسجد، والمسؤولية تقع على ما تسميه سبب نكبتهما الجديدة، وفق تعبيرها، أي الجيش النظامي و«الجيش الحر»، اللذان يتصارعان فوق دماء الأبرياء.
بالأمس كان الغضب الفلسطيني مرتفعاً من بعض النازحين الجدد، صرخوا بأصوات عالية ضد ما يعيشونه في سوريا من تنكيل وتشريد وقصف لممتلكاتهم، في حرب لا ناقة لهم ولا جمل فيها، وفق حامد الذي لم يستثن من شتائمه أياً من الأطراف السورية المتحاربة، فمنزله دمر وعائلته تشردت.
حمل النازحون الجدد معهم روايات عن موت عاشوه في الأيام الماضية. ومن استطاع الهرب، كتبت له حياة ثانية، كما يقول أحمد الذي تحدث عن قصف عنيف ومعارك لم يسلم فيها البشر ولا الحجر، مع تهجير وتشريد عشرات العائلات من سكان المنازل داخل المخيم وجواره.
ولم تتم إغاثة النازحين الجدد، سوى بعدد من الفرش والأغطية والحرامات جرى تأمينها من قبل «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، كما يقول عضو اللجنة المركزية في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» عبدالله كامل، الذي ناشد المجتمع الدولي الالتفات سريعاً إلى الواقع المرير والخطير الذي يعيشه النازح الفلسطيني الذي يعاني من تخلي كل الجهات الدولية عن مد يد العون والمساعدة، مطالباً بخطة طوارئ دولية لمساعدة العائلات النازحة الفلسطينية التي بات عددها يفوق 1250 عائلة. وعقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً مع مكتب «الأونروا» في تعلبايا، لحثها الاهتمام بالنازحين الفلسطينيين من سوريا، ووقف التمييز الذي يمارس بحقهم على عكس النازحين السوريين، إلا أن «الأونروا» لم تحرك ساكنا. وحتى ساعات مساء أمس، كانت منطقة المصنع الحدودية تواصل استقبال عدد من العائلات الفلسطينية النازحة، مع صور ومشاهد مأساوية. فهناك عائلات هربت من دون أوراقها الثبوتية، وقد رُفض خروجها على الحدود السورية في جديدة يابوس، حتى يتم إحضار أوراقها التي أصبح معظمها تحت ركام المنازل المدمرة.
ودعت «الديموقراطية» في بيان لها أمس «جميع الهيئات والمؤسسات المعنية، سواء على مستوى الحكومة اللبنانية، أو وكالة الغوث، أو مؤسسات المجتمع المدني، إلى إغاثة النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، والاستجابة لاحتياجاتهم المتزايدة». ودعت «الأونروا إلى تحمل مسؤولياتها باعتبارها المعني بشكل مباشر عن إغاثة النازحين»، مؤكدة أن الإجراءات التي اتخذتها الوكالة «وبعض المؤسسات الأخرى لم ترتق بعد إلى مستوى الحد الأدنى من معاناة العائلات النازحة، التي تتزايد باستمرار وتشكل عاملاً ضاغطا ينذر بمضاعفات».
وفي مدينة صور (حسين سعد)، نفذ مئات النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة، اعتصاما أمام مكتب «الأونروا»، رفع في خلاله المشاركون لافتات تنتقد تقصير «الأونروا» تجاه النازحين من سوريا. وقالت سماح الحسين، باسم النازحين، «إننا اليوم في موقف لا نحسد عليه، حيث نعيش أوضاعا إنسانية قاسية جداً، بعدما أصبحنا نشكل عبئا، لضيق مساحة المساكن التي نتقاسمها مع العائلات التي تستضيفنا. وإن ما يزيد ألمنا هو التقصير والإهمال وعدم المبالاة من قبل الأونروا كهيئة مسؤولة عن رعايتنا وتأمين الاحتياجات الضرورية، كحد أدنى من مقومات الحياة».
كما سلم المعتصمون مذكرة صادرة عن «اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان» إلى مدير منطقة صور في الوكالة فوزي كساب، تلاها مسؤول الملف الاجتماعي في اللجان أبو العبد الراشدي. وأشارات المذكرة إلى «اكتفاء الأونروا على تشكيل لجان لحصر أعداد العائلات وتسجيلها فقط، واتباع سياسة إدارة الظهر والتهرب من جانب وكالة أنشئت من أجل إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين». وقال: «إن الأونروا مطالبة اليوم ألا تقف موقف المتفرج والمصفق للهيئات والجمعيات الدولية التي تقدم بعض الإعانات لأهلنا اللاجئين في مخيمات لبنان والتي لا تفي بالغرض المطلوب». كما دعا الدولة اللبنانية المضيفة إلى «تحمل مسؤولياتها تجاه العائلات الفلسطينية اللاجئة من سوريا إلى مخيمات لبنان أسوة باللاجئين السوريين وحسب الأعراف والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الانسان».
من جهة أخرى، زار صباح أمس وفد من مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين منطقة الهرمل («السفير»). ضم الوفد خبير الإسكان السويسري رنيه أدوار كنبفر، يرافقه منسق الإيواء في المفوضيه أحمد قاسم، ومسؤول إعداد المعلومات إسماعيل شاهين. وقد عقد الوفد اجتماعاً مع رؤساء بلديات المنطقة في بلدية الهرمل، خصص للبحث في كيفية وضع خطة مستقبلية لاستيعاب النازحين السوريين في الحالات الطارئة وتقديم المساعدات لهم عبر استئجار منازل، أو ترميم بعض الاماكن التي لا تصلح للسكن، أو إقامة بيوت جاهزه عند الضرورة.
وأكد كنبفر خلال اللقاء أن كل المنظمات الدولية هدفها احتواء أزمة اللاجئين السوريين ضمن إستراتيجية واضحة، بالتعاون مع البلديات والمجتمع المحلي في جميع المناطق اللبنانية، بعد تفاقم المشكله في فصل الشتاء، وخاصة المناطق الحدودية. ولفت إلى أن الزيارة تأتي في إطار دراسة واقع المنطقة والاطلاع على احتياجاتها الفعلية لمواجهة أزمة تدفق النازحين بأعداد كبيرة في المستقبل، وتأمين الاماكن الصالحة لسكنهم، وأن المفوضية تأخذ على عاتقها التكاليف المادية لذلك. وأشار إلى أن المفوضية تهدف في حال تفاقم المشكلة، وزيادة عدد النازحين بشكل كبير في المستقبل، إلى عدم إقامة مخيمات للنازحين التي ترفضها الحكومة اللبنانية، بل تحاول تأمين ما يلزم عبر أماكن مستأجرة في المناطق، وفق عدة مقاربات وأهمها ما يسمى «منازل الإيواء» المشتركة. وتقع ضمن مسؤولية لجنة محلية من المجتمع المحلي تشرف عليها وتؤمن تنظيمها.
المصدر: السفير- سامر الحسيني