هاجس الهجرة يراود الشباب الفلسطيني في مخيمات اللجوء
في لبنان ومخاوف من استغلاله لتصفية حق العودة
.jpg)
الإثنين، 02 تشرينالأول، 2017
لم تعد الحياة تطاق في مخيمات اللجوء الفلسطيني
في لبنان، خاصة بالنسبة للشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر من التعداد السكاني في المخيمات.
فلا حقوق مدنية ولا تعليم ولا كرامة إنسانية. يشعر الشاب هناك أنه يتم استغلاله في
جميع المجالات فهو لا يستطيع العمل وفقا للقانون اللبناني الذي يمنعه من مزاولة المهنة
لأنه فلسطيني ولا التملك ولا الدراسة ولا العلاج وحتى لو الحصول على شهادة جامعية.
وبسبب الاحتياج للعمل يتم استغلال الشاب الفلسطيني ليعمل بأبخس الأجور، فترى الطبيب
يعمل كسائق أجرة والمهندس عامل والصيدلاني صاحب مقهى، هذا إذا توفر العمل أصلا. وتأتي
تقليصات الاونروا لتزيد الطين بلة وتجعل الحياة أكثر صعوبة داخل المخيم فلا العلاج
ولا شراء الدواء سهل وينتهي به الحال إلى الموت على أبواب المستشفيات مستجديا العطف
من التنظيمات والفصائل عسى ولعل يجد استجابة.
الحال بات أشبه بالكارثي خاصة مع التشديدات الأمنية
التي جعلت من مخيمات الجنوب ثكنات عسكرية أو ربما أشبه بسجن كبير لا يستطيع الشاب الدخول
أو الخروج منه إلا بعد تفتيش دقيق وانتظار طويل يشل الحياة على الحواجز العسكرية الموجودة
على مداخل هذه المخيمات.
ورغم تمسك الشاب الفلسطيني بحق العودة إلا أنه أمام
خيارين صعبين، فإما الهجرة ليبحث عن حياة كريمة بعيدا عن الذل والإهانة التي يتعرض
لها يوميا، أو يبقى وفي بعض الأحيان يستغل من قبل مجموعات إرهابية، أو يأخذ طريق المخدرات
وقد ينتحر أو يموت بسبب المرض دون أن يتمكن من دفع مستحقات العلاج.
الشباب داخل مخيمات اللجوء يبحثون عن خيارات بديلة
تجعلهم يشعرون بآدميتهم لكنهم في الوقت نفسه متمسكون بحق العودة ويرون أن خروجهم وهجرتهم
إلى الدول الأوروبية لن تسقط هذا الحق.
"القدس العربي” التقت شبابا من داخل هذه المخيمات لمعرفة حقيقة ما يجري
من معاناة يومية وإجراءات عنصرية تدفعهم إلى التفكير في الهجرة.
ويقول الناشط الحقوقي الفلسطيني محمود داوود من
جنوب لبنان: "الشعب الفلسطيني في لبنان يعاني معاناة كبيرة في الحياة اليومية داخل
مخيمات اللجوء نتيجة مشاكل وظروف اقتصادية صعبة تراكمت عليه منذ سنين طويلة وهذه حصيلة
القوانين والقرارات التي صدرت والتي ما زالت عن الحكومات اللبنانية المتتالية بعد الحرب
الأهلية”.
ويضيف: "الشاب الفلسطيني يطمح إلى الهجرة إلى أوروبا
أو إلى أي دولة يشعر من خلالها انه يحقق كرامته الإنسانية التي يفتقدها في مخيمات اللجوء
في لبنان. لم يعد يفكر أنه إذا هاجر فستفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها وهو حق العودة
لأنه يعتقد ان الذين سبقونا إلى بلاد الغرب يعيشون الآن حياة كريمة وهم ما زالوا يتمسكون
بالقضية وانهم مرتاحون نفسيا وماديا ولا يخضعون لإجراءات أمنية على الحواجز أو داخل
المخيمات”.
أما عن الأسباب التي تدفعهم إلى التفكير في الهجرة
يقول: "الشاب الفلسطيني يفكر في الهجرة بسبب أمور كبيرة وشائكة ومعقدة على المستوى
الصحي وهو الهاجس الأكبر الذي يرافق الشباب لان تكلفة العلاج في لبنان عالية والاونروا
بدأت منذ سنوات قليلة في تخفيض الخدمات التي تقدمها للاجئين وخصوصا الشباب، لدرجة ان
الشاب أصبح يذهب إلى الجمعيات والفصائل ويتوسل لهم حتى يساعدوه في تغطية العلاج ان
كان له أو لأحد أفراد عائلته، يقف على أبواب المستشفيات مترجيا المعنيين من أجل الدخول
عندما يكون وضعه المادي صعبا ولا يستطيع تغطية نفقات العلاج.
البعض منهم يغطي نصف التكلفة والأونروا تغطي النصف
الآخر بعد أن كانت في الماضي تغطي كل التكلفة.
أما الفقير الذي ليس لديه معارف أو أشخاص يوصلون
صوته فهو إما ان ينتظر الموت دون علم أحد وهذا واقع وحاصل أو يذهب إلى المستشفيات ويموت
على أبوابها أو يذهب إلى المساجد ليتصدق عليه الناس”.
معضلة التعليم
ويشير داوود إلى ان وزارة التربية والتعليم اللبنانية
أصدرت مؤخرا قرارا عنصريا وجائرا بتأخير تسجيل اللاجئين في لبنان في المدارس الرسمية.
تواصلنا مع وزير التربية وشرح الأسباب وقال انهم يؤخرون تسجيل اللاجئ الفلسطيني لمدة
زمنية محددة بينما يفتح التسجيل للاجئ اللبناني منذ شهر وهذه عنصرية ولا يراعي هذا
القرار المعايير والمواثيق الدولية والمعاهدات التي وقع عليها لبنان. أما نفقات التعليم
فعالية في لبنان خاصة الجامعي والاونروا في هذا العام خفضت منح دعم المتفوقين في المخيمات،
ففي الماضي كانت تعطي حوالي مئة منحة من أصل ألف وخمسمئة طالب في الثانوية العامة،
وفي العام الماضي أعطت 38 منحة فقط، ووصل عدد المنح العام الحالي إلى 14 فقط.
والسؤال هنا ماذا عن بقية الطلبة الذين لا يملكون
التسهيل المادي الكافي ليستكملوا تعليمهم؟
لا نجد إجابة بل تراجعا في حجم الميزانيات التي
تقدمها الدول المانحة والاتحاد الأوروبي وهو السبب في تراجع تقديم المنح.
قانون العمل
ويعتبرداوود ان قانون العمل الذي صدر عن الحكومة
اللبنانية سابقا جائر حيث يمنع بموجبه على الفلسطيني مزاولة حوالي 72 مهنة أساسية حتى
نجد الآن ان المهندس أو الطبيب الفلسطيني لا يجد له مكانا في غير الأعمال الحرة. وهناك
أطباء وأساتذة يتعرضون للاستغلال في المهنة إذ يعملون دون ضمانات وبمعاشات قليلة.
التشديدات الأمنية
ولا تتعاطى الحكومة اللبنانية مع الملف الفلسطيني
في لبنان من منظور إنساني ويتضح هذا من القوانين المجحفة التي تصدر من الحكومات المتعاقبة
والتضييق والتعاطي الأمني مع المخيمات وخاصة منذ التسعينيات، حيث يتولى الجيش اللبناني
المكلف من مجلس الوزراء اللبناني هذه الإجراءات.
ويعتبر داوود ان الشاب الفلسطيني يقف بين خيارات
سيئة جدا فإما العيش بأبسط الامكانات أو الهجرة كما يحصل اليوم وسط الكثير من الشباب
الذي يفكر في بيع الغالي والنفيس والإستدانة أحيانا من أجل الهجرة عن طريق سماسرة أو
شبكات تهريب ان كان عن طريق البحر أو المطارات عبر تحصيل فيزا "تأشيرات دخول” بطريقة
ما من أجل العيش بعيدا عن واقع حياتهم.
ويرى أنه على الرغم من المصاعب التي تواجه الشاب
الفلسطيني في لبنان غلا انهم متمسكون بحق العودة وان العمل على موضوع التوطين أمر لا
يقبله الفلسطينيون وعار عن الصحة.
وعن الاشتباكات الأخيرة في مخيم عين الحلوة أكبر
مخيمات اللجوء في لبنان وتأثيرها على حياة الشباب يقول: الأحداث الأمنية في مخيم عين
الحلوة كثيرة وكل فترة يحدث إرباك أمني كبير وخطير يهدد السلم الفلسطيني، هذه الأحداث
تجعل الشاب في مهب الريح وتجعله يريد الخروج من المخيم ليسكن أي نقطة بعيدة عن الأحداث
الأمنية التي تتداخل فيها أجندات دول وأجهزة كبيرة.
منظور إنساني
وعن كيفية تفادي هجرة الشباب خشية استغلال ذلك تصفية
حق العودة قال: كناشط حقوقي أرى ان تنظر الدولة اللبنانية إلى الملف الفلسطيني من منظور
إنساني لا من منظور أمني بحت، سوف تحل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون
وبالتحديد الشباب إذا سمحت بحق العمل وبناء وترميم البيوت حتى لا تقع على ساكنيها،
ما الضرر؟ هل هذا سوف يجعلنا لا نفكر بحق العودة؟ أقول بالعكس هذا سيعطينا دافعا للمضي
قدما من أجل الالتزام بحق العودة.
وحمل ما يجري للمجتمع الدولي الذي لديه مسؤولية
كبيرة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وأكد على ضرورة التزام الاونروا كمؤسسة شاهدة على
المعاناة ونكبة الشعب الفلسطيني والتي هي أصلا انشأت من أجل اغاثة وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين في أماكن تواجدهم.
وأعرب عن خشيته من تراجع خدماتها بشكل مخيف وقال:
نخشى ما نخشاه ان هناك قرارا بتصفية والغاء مؤسسة الاونروا واستبدال خدماتها البسيطة
التي تقدم إلى هيئات أممية أخرى وهذا سوف يحل الكارثة على الفلسطينيين، الدول المعنية
بتمويل الاونروا عليها تفعيل وتقديم المزيد من الأموال لكي تستطيع سد حاجات اللاجئين
الفلسطينيين، كما يجب على الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير ان لا تدخر جهدا في المحافل
الدولية وأي مكان بالمطالبة بتحسين أوضاع اللاجئين في لبنان، وان تطلب من الحكومة اللبنانية
بشكل رسمي التخفيف من هذه المعاناة ومساعدتهم على العيش بحرية وكرامة وأقلها ان تسمح
بالحقوق المدنية فقط فنحن لا نريد حقوقا سياسية.
مخيم عين الحلوة شاهد على التمييز
ويقول محمد ديب ناشط شبابي من مخيم عين الحلوة:
"واقعنا سيئ جدا، فنحن محرومون من حقوقنا المدنية والاجتماعية وتعامل المخيمات على
انها بؤر أمنية ولا يوجد أي منظور اقتصادي واجتماعي للنهوض بحالها”.
ويضيف: "غياب الاونروا وتقليص الخدمات الصحية والتعليم
وغياب الحقوق المدنية، أمور جعلتنا كشباب نفكر بالرحيل. نحن نعيش في سجن كبير فاقـــدين
للأمن ونعـــامل معـــامـلــة أمنــية بحتة بغض النظر عن قدسية قضيتنا وأحقيتنا في
العودة، نعاني من حرية الحركة والتنقل بسبب التشديدات الأمنية وقد ننتظر لساعات حتى
ندخل المخيم أو نخرج منه”.
ويتابع: "نعاني من جمود اقتصادي كبير، فنحن أكثر
من مئة ألف نسمة تعيش في كيلو متر مربع فوضى على مستوى الأسلاك الكهربائية ومياه الصرف
الصحي لدرجة ان أمطارا بسيطة قد تؤدي إلى فياضات داخل المخيم، هذا الواقع جعل الشاب
يفكر في الهجرة”.
ويرى "إذا كانت الاونروا تدعي أنها انشئت لخدمة
اللاجئين الفلسطينيين عليها ان تزيل السبب الذي انشأت من أجله ألا وهو احتلال فلسطين.
أن الشاب الذي يطالب بالهجرة لا يسعى لإسقاط حق العودة ولكن الظروف الصعبة التي يعيشها
هي التي تسعى لإسقاط حق العودة، وبالتالي دفعت الشباب لركوب الأمواج والغرق بقوارب
الموت من أجل الهروب من واقعنا الكارثي”.
ويضيف: "ان الشاب الفلسطيني أصبح يعي حجم المؤامرة
على القضية الفلسطينية التي تعيش اليوم مراحل صعبة وهناك محاولات حقيقية لإفراغ دول
الطوق من الشعب الفلسطيني ومحاولات تهجيره أو توطينه تمهيدا لتنازله عن حقه في العودة
إلى فلسطين. والفصائل الفلسطينية عاجزة ولا تستطيع أن تقدم شيئا وهم مطالبون باحتضان
الشباب وإيجاد فرص عمل لهم، للأسف هناك فقدان للأمل وتسرب من المدرسة فالشباب يقولون
لماذا ندرس وبعدها لا نجد عملا؟”.
ويروي محمد ديب روى قصة معاناته ويقول: "درست هندسة
مدنية وأعمل تصاميم في اختصاصي وممنوع أضع اسمي عليها، لذلك يتم استغلالي واستغلال
اسمي. انا أعمل وغيري يأخذ تصاميمي والأجر يذهب للشخص اللبناني الذي يستطيع تسجيل الترخيص
باسمه. لست وحدي من يعاني وانما هناك عدد كبير من الشباب يتم استغلالهم بسبب القوانين
الجائرة التي تمنع الفلسطيني من العمل لذلك نتقاضى أجورا أقل من غيرنا ومحرومين من
الضمان الصحي ومن كل الامتيازات والبدلات”.
الهجرة لا تعيق تمسكنا بحق العودة
ويرى الشاب حسن السيد من عين الحلوة ان السفر لا
يمـنع المضي قدما في التمسك بحق العودة. وان هناك ظروفا قاهرة وحرمانا من أبسط الحقوق
الآدمية.
وأشار إلى ان البطالة تسببت بأزمة عند الشباب ما
جعل بعضهم يتجه نحو المخدرات ويكون عرضة للاستغلال.
ويقول: "عندما تسألي أي شاب عن حلمه يقول لك ان
يهاجر من هذه البلد لان الاحساس بالقهر والحرمان والاذلال السبب في ذلك، كيف يمكن ان
نعيش في مخيم لا أمن فيه ولا أمان وكل ما تحركنا خارجه أو عدنا له يتم تفتيشنا وطلب
هوياتنا؟ معظم الشباب في المقاهي وهناك الكثير من الاستغلال لهذه الفئة وفي النهاية
يرضخ لأنه يريد أن يعيش”.
الشاب حسن السيد تراوده فكرة الهجرة ويعتقد انها
المتنفس عند الشباب تحديدا حتى يشعروا بالكرامة.
ويضيف: "صحيح للمخيمات رمزيتها لكن لو بقينا فيها
وكنا بحاجة لعلاج أو عملية للأسف سنتسول على أبواب التنظيمات والفصائل. نتمنى العودة
إلى فلسطين اليوم قبل الغد لكن ما يحدث لنا فوق الاحتمال ولا يمكن تصوره”.
وتشير مصادر صحافية أن التشديدات الأمنية غير المسبوقة
التي تشهدها مخيمات اللجوء في الجنوب اللبناني تزيد من معاناة الشباب في التنقل والحركة،
حيث يتم التفتيش الكلي للسيارات والملابس وطلب إظهار البطاقات الشخصية وهذا في حد ذاته
يعيق العمال وطلاب المدارس عن الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم، حيث يشعر الفلسطيني بمزيد
من الاضطهاد والذل فهو متهم لأنه فلسطيني ومطلوب لأسباب أمنية.
وقد نشر نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي العديد
من النداءات التضامنية والتي تطلب من الجيش اللبناني أن يخفف من التشديدات الأمنية
الخانقة على مداخل عين الحلوة رافعين شعار "التعامل الإنساني مع المدنيين سلوك حضاري”
وذلك خلال الاشتباكات الأخيرة التي شهدها المخيم.
ويرى متابعون أن الشاب في عين الحلوة يقع بين كماشتين،
الأولى من جهات داخل المخيمات التي تتصارع وتتناحر والأخرى هي الإجراءات الأمنية التي
تعقب كل اشتباك. هو بين نارين وقد يتعرض للقتل أو الإصابة أو يتعرض للمضايقة على الحواجز
التي هي موجودة نتيجة للبحث عن مطلوبين.
المصدر: وجدان الربيعي – القدس العربي