
بيروت، لبنان||
الأربعاء، 16 تموز، 2025
يتصاعد الجدل
حول ملف نزع السلاح الفلسطيني من مخيمات لبنان، في ظل تحركات سياسية وأمنية
متسارعة أعقبت زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت. هذه التطورات
تثير قلقاً واسعاً حول مستقبل المخيمات الفلسطينية وتوازن القوى داخلها، كاشفةً عن
تضارب بين أجندة السلطة الفلسطينية والمخاوف العميقة التي تساور اللاجئين.
تغييرات
مفاجئة وراء الكواليس
قبل زيارة
عباس، وصل وفد أمني رفيع المستوى من السلطة الفلسطينية إلى لبنان، حيث أجرى لقاءات
مكثفة مع مسؤولين لبنانيين. تناولت هذه اللقاءات خططاً وجداول زمنية لسحب السلاح
الفلسطيني من المخيمات، ما يشير إلى تنسيق مبدئي بين بيروت ورام الله بشأن هذه
القضية الحساسة.
لكن المفاجأة
كانت في سلسلة قرارات الإقالة التي صدرت من رام الله، مستهدفة شخصيات فلسطينية
بارزة في لبنان، أبرزها السفير الفلسطيني أشرف دبور، إلى جانب عدد من مسؤولي جهاز
الأمن الوطني التابع لحركة "فتح". هذه التغييرات الجذرية تفتح الباب
واسعاً أمام تساؤلات حول محاولة السلطة الفلسطينية إعادة هيكلة إدارة المشهد
الفلسطيني في لبنان، وربما بسط نفوذها بشكل أكثر مركزية.
هواجس
فلسطينية: الخوف من التفرد بالقرار
يُعرب مراقبون
عن اعتقادهم بأن السلطة الفلسطينية تسعى لإعادة هيكلة إدارة المخيمات بعيداً عن
الإطار التشاركي الذي كان يضم فصائل منظمة التحرير، والتحالف، والقوى الإسلامية.
وحذر الباحث
السياسي الفلسطيني، الدكتور فؤاد بكر، من أن "أي خطوة أحادية من السلطة بشأن
نزع السلاح دون توافق وطني واسع ستكون بمنزلة تحدٍّ سياسي وأمني خطير، وقد تفضي
إلى تآكل الوحدة الوطنية الفلسطينية". كما لفت بكر إلى وجود "فوارق
جوهرية" بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية، مع وجود أصوات معارضة داخل فتح
نفسها لتوجهات السلطة.
وبخصوص مشروع
"شرطة المخيمات" المقترحة لتولي أمن المخيمات بعد نزع السلاح، أوضح بكر
أن المشروع لا يزال قيد النقاش، وهناك "تخوفات مشروعة" بين اللاجئين من
طبيعة دور هذه الشرطة، خاصة إذا كانت خاضعة لرام الله. وشدد على ضرورة
"احترام خصوصية الساحة اللبنانية" وعدم تطبيق نموذج الضفة الغربية
عليها.
واقعية
لبنانية وحذر من التهميش
من جهته، يرى
الباحث السياسي اللبناني، علي إبراهيم، أن الدولة اللبنانية ما زالت تتعامل مع
منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الرسمي للفلسطينيين. لكنها تدرك في الوقت
ذاته "واقع المخيمات وتوازناتها"، مما يدفع الأجهزة اللبنانية إلى تبني
"سياسة الواقعية العملية" عبر إشراك قوى فاعلة مثل حماس والجهاد
الإسلامي في التفاهمات الأمنية، دون منحها صفة الشريك الرسمي. وحذر إبراهيم من أن
حصر الحوار مع طرف واحد قد "يعمق التهميش ويزيد من الاحتقان" داخل المخيمات.
رفض التفرد
ومستقبل مبهم للمخيمات
عبّر الناشط
الفلسطيني محمد أبو القاسم عن رفضه لـ"التسلط السياسي" في إدارة
المخيمات، مؤكداً أن أي إدارة يجب أن تكون "جماعية ومتوافقاً عليها بين مختلف
القوى". وأضاف: "لا يمكن القبول بأن يستفرد طرف واحد بقرار إدارة المخيمات،
فذلك سيُحدث خللاً داخلياً ويفتح الباب أمام مشاريع مشبوهة تستهدف قضية اللاجئين
وحقهم في العودة". ودعا أبو القاسم إلى "موقف وطني موحد يرفض التصفية
ويُحصّن المخيمات من التلاعب".
تضم لبنان 12
مخيماً فلسطينياً رسمياً، يقطنها نحو 248 ألف لاجئ، وتُدار حالياً عبر "هيئة
العمل الفلسطيني المشترك" التي تضم ممثلين عن مختلف الفصائل. لكن التحركات
الأخيرة للسلطة الفلسطينية، وما يرافقها من إشارات إلى فرض نموذج أمني وإداري
جديد، تزيد من الهواجس حول مصير هذه الإدارة المشتركة ومستقبل اللاجئين في لبنان.
فهل يتم التوصل إلى توافق يحمي حقوق اللاجئين ويجنب المخيمات مزيداً من عدم
اليقين؟