مأساة فلسطينيي سوريا في لبنان: عينهم على الهجرة

الأربعاء، 24 شباط، 2016
ما بين الخدمة المنزلية والبحث في حاويات النفايات،
تقسّم أم كريم يوميات خروجها إلى العمل، منذ أن نزحت من مخيم اليرموك في سوريا إلى
احد مخيمات لبنان. تمضي المرأة الأربعينية يومها متنقلة بين بيتين تعمل في كل منهما
لمدة ثلاث ساعات، قبل أن تمر ببعض الحاويات في أحد الأحياء التي تسميها «غنية». هناك
تبحث عن فضلات قد تعينها في تأمين احتياجات أطفالها. «أحياناً أعثر على ألبسة، وأحياناً
على أحذية، وبعض الأواني المنزلية، لكنني أبداً لا ألملم فضلات الأطعمة»، تقول السيدة
التي كسرها فقدان شريك حياتها، ومنزلها والبلد الذي لجأت إليه عائلتها عندما هُجرت
من فلسطين. «الآن أفهم تهجيرهم أكثر، الآن صار لنا تهجير فوق نكبتنا الأساس».
تعتبر أم كريم التي تعيل ستة أبناء كبيرهم في
العاشرة من عمره، بعد فقدان زوجها في الحرب السورية، ضمن حالات مصنفة بـ «العسر الشديد»،
وتشمل الأفراد والعائلات الذين واللواتي يعيشون على خط الفقر أو تحته في معظم الأحيان.
هذه الفئة من اللاجئين تأثرت أكثر من غيرها بقرارات منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين
«الأونروا» بتقليص المساعدات. لم يأخذ قرار تخفيض التقديمات بعين الاعتبار خصوصية هذه
الفئة التي تضم أيضاً ذوي الاحتياجات الخاصة أو كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة
أو العائلات التي تقوم على إعالتها امرأة لعدم وجود الزوج أو المعيل لتلك الأسر.
إهمال اللاجئين الذين يعيشون في عسر شديد وثّقته
حركة «حماس» في تقريرها السنوي الثالث حول «اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان
للعام 2015» الذي تحدث عن نحو 45 الف لاجئ فلسطيني من سوريا. وأدت الهجرة، غير الشرعية
منها والتي يرمي بها اللاجئون أنفسهم في عرض البحر، بحثاً عن حياة أرحم وأأمن وأكثر
عدالة، وكذلك العودة غير الآمنة إلى سوريا ومنها العبور براً عبر تركيا إلى أوروبا،
إلى تقليص هذا الرقم خلال العام بنحو أربعة إلى خمسة آلاف لاجئ. ولكن لا أرقام توثيقية
لانخفاض الرقم أو أعداد العام 2015، قد صدرت عن «الأونروا» حتى الآن، وفق مُعَدِّي
التقرير.
وزاد تدهور وضع ذوي العسر الشديد، وفق تقرير
حماس، من «ظواهر لم يكن يألفها المجتمع الفلسطيني السوري من أمراض اجتماعية كالتسول
أو البحث في حاويات القمامة أو العمل في خدمة البيوت». وتم رصد عشرات النساء اللواتي
يعملن في المنازل أو في مجمع النفايات في مدينة صيدا بين النساء الفلسطينيات اللاجئات
من سورية ممن يعشن في مخيم عين الحلوة، وكذلك مجموعة لا بأس بها من الفتيات «اللواتي
يعملن في الأسواق التجارية بأجور متدنية لا تتجاوز ستة دولارات في اليوم في مقابل ساعات
عمل طويلة تتجاوز أحيانا عشر ساعات».
يُقدِّر التقرير عدد اللاجئين الفلسطينيين من
سورية إلى لبنان حسب إحصاءات «الأونروا» نهاية 2014 بنحو 12720 عائلة (حوالي 44.5 الف
نسمة) يتوزعون على خمس مدن لبنانية داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها. يقيم نحو
50.17% من بين هذه العائلات داخل المخيم، فيما تقطن البقية خارج المخيمات.
وتستأجر غالبية اللاجئين الفلسطينيين من سوريا
منازل تراوح كلفتها ما بين 200 - 400 دولار داخل المخيمات و300 - 600 دولار خارجها.
في حين تقيم بعض العائلات في مراكز للإيواء تابعة للمؤسسات الخيرية والأهلية. وأدى
وقف بدل الإيواء من «الأونروا» باللاجئين إلى طرق أبواب مراكز الإيواء من جديد أو للتجمع
معاً في منزل واحد لتقاسم الأجرة، ما فاقم من معاناتهم، وأدى إلى ظهور خلافات حادة
ضمن الأسرة الواحدة. ويعيش بعضهم من عائلتين إلى ثلاث عائلات في منزل واحد. كما عادت
عشرات العائلات إلى سورية رغم الخطورة العالية المنطوية على هذه الخطوة.
وتفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في اسواق الخضار
ومحلات الألبسة أو لدى أصحاب الحرف والمهن داخل المخيم. وأدى انعدام فرص العمل والبطالة
في الوسط الفلسطيني اللبناني والسوري إلى توجه جزء كبير من الشباب للفصائل الفلسطينية
واللبنانية بمختلف ألوانها وتوجهاتها، نظراً لما تقدمه من رواتب شهرية تسهم إلى حدّ
ما في ترميم النقص.
أعمار اللاجئين
يبلغ عدد الأطفال من صفر إلى خمس سنوات ما نسبته
13.88 في المئة من مجمل اللاجئين (6175 طفلاً). وهذا يعني حاجة هذه الشريحة العمرية
إلى دعم ورعاية خاصة، وخصوصاً الأطفال الذين يعتمدون على التغذية الاصطناعية، ويحتاجون
إلى حليب أطفال وحفاضات وتغذية.
أما الجيل الفتي من 6 إلى 17 سنة فتصل نسبته
إلى 25.88%، أي ما يعادل 11516 طفلاً. وهم شريحة في سنّ التعليم الأساسي، وبحاجة إلى
نفقات خاصة تتعلق بالتعليم والنقل والدعم بأشكاله كافة.
وتبلغ نسبة من تخطت أعمارهم الـ 18 سنة
60.23%، أي ما يعادل 26771 شخصاً. وهم جاهزون للعمل، لكن ارتفاع نسبة البطالة والأوضاع
القانونية التي تحيط باللاجئين من كل جانب، يحولان دون ذلك.
معيلو العائلات اللاجئة
تقوم إمرأة لاجئة بإعالة 26.40% من العائلات،
أي ما يعادل 3360 عائلة، بحكم وفاة الزوج أو فقدانه أو الانفصال الأسري، في حين أن
73.6% من العائلات يعيلها رجل.
وتعتبر الهشاشة الواضحة سمة أساسية يعاني منها
اللاجئون الفلسطينيون من سوريا إلى لبنان، سواء خلال الأزمة أو الأزمات الطبيعية المناخية
وضعف الاستجابة لها أو المفتعلة، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية في عدد من المخيمات،
ومعها التقليص المستمر لتقديمات «الأونروا». ويشمل تراجع العمل الإغاثي تجاه اللاجئين
الفلسطينيين من سوريا بعض التقديمات الموسمية، إذ توقفت مساعدات «الأونروا» لبدل الإيواء،
بذريعة ضعف الموارد والتبرعات. وعليه رفعت بعض المؤسسات الخيرية الصوت مشيرة إلى زيادة
الأعباء بسبب تقليص هذه الخدمات من وكالة الغوث.
الوضع القانوني
لا تزال الحكومة اللبنانية ترفض السماح للفلسطينيين
بدخول البلاد إلا في حدود ضيقة جداً، معتبرة اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان
سائحين أو نازحين، ما يعفيها من مسؤوليتها تجاههم ويسقط الحقوق الواجبة لهم في القوانين
الدولية، كذلك لم تضع الحكومة اللبنانية آلية ومعايير قانونية واضحة للتعامل مع فلسطينيي
سورية.
دعوة لتجديد الإقامات
ودعت المديرية العامة للأمن العام اللبناني يوم
5 آب 2015 كل اللاجئين من سوريا، سواء الفلسطينيون أو السوريون، إلى تسوية أوضاعهم
القانونية على المنافذ الحدودية وتسديد الرسوم المترتبة عليهم.
علماً بأن الأمن العام اللبناني كان يطلب من
المغادرين تسوية أوضاعهم لدى المديرية العامة للأمن العام في بيروت والحصول على مغادرة
قبل 48 ساعة من يوم السفر.
كما مدد الأمن العام العمل بتجديد إقامات الفلسطينيين
اللاجئين في سورية لغاية 30/11/2015 مجاناً دون استدراك الرسوم حتى لو تعدت مدة إقامتهم
السنة. وأكد القرار أنه «على كل لاجئ فلسطيني سوري دخل إلى لبنان قبل تاريخ
05/01/2015 وتخطت فترة إقامته المدة القانونية الممنوحة له لغاية أربع سنوات من تاريخ
دخوله الأراضي اللبنانية والراغب بالمغادرة، التقدم حصراً من الدوائر والمراكز الحدودية
لتسوية أوضاعه وتسديد الرسوم المتوجبة، وأضاف القرار نقاطا عدة تخص الرعايا السوريين.
ولاحظ التقرير «تضارب آليات تطبيق هذا القرار
بين منطقة وأخرى من لبنان، فأحياناً يصدر قرار بتجديد الإقامات لمدة شهرين أو ثلاثة
أشهر، ويتقدم اللاجئ الفلسطيني للحصول على الإقامة فتستمر الإجراءات أحياناً شهراً
أو شهرين، وعندما يستلمها يجد أن المدة الممنوحة له قد شارفت على الانتهاء».
انتهاكات
ورصد التقرير «العديد من الانتهاكات بحق اللاجئين
الفلسطينيين من سورية إلى لبنان، سواء على الحدود أثناء محاولتهم الدخول، أو من هم
في صدد استكمال بعض الإجراءات الخاصة بلمّ شمل المهاجرين في أوروبا عبر السفارات الموجودة
في لبنان»، وكذلك حصول توقيفات بسبب انتهاء الاقامة. وتحدث التقرير عن تعرض بعض اللاجئين
الفلسطينيين من سوريا لعمليات سلب ونهب والتوقيف بسبب الهجرة غير النظامية.
ويعاني تلامذة المدارس الفلسطينيون اللاجئون
من سوريا من جملة معيقات في التعليم وتقديم امتحانات الشهادة الرسمية وإيجاد مقاعد
دراسية وكذلك من التسرب المدرسي.
ويطالب التقرير بمعالجة ملف اللجوء انطلاقا من
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية والاتفاقيات الإقليمية، وسعي لبنان
إلى تقنين وجود فلسطينيي سوريا.
المصدر: السفير