القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

هل تقوم انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

هل تقوم انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

د. أسعد عبد الرحمن

فشلت الاستراتيجية الفلسطينية القائمة على التفاوض لإقامة دولة فلسطينية، مع شعور إسرائيل بعدم حاجتها إلى «السلام» بسبب حالة الأمن التي تعيشها عربياً وإقليمياً، وبسبب انسداد أفق المقاومة الفلسطينية، خاصة مع استمرار شلل المجتمع الدولي، وتوهان العالم العربي، ومعارضة منظمة التحرير الفلسطينية أي شكل من أشكال «العنف»، فيما حكومة «حماس» في قطاع غزة تعاني من حصار شديد مع استمرارها بمحاولة منع إطلاق صواريخ على إسرائيل تثبيتاً لهدنة «الأمر الواقع» في القطاع.

ومع أننا من الداعين إلى «انتفاضة» جماهيرية سلمية وحضارية على قاعدة المصالحة الوطنية ووحدة الموقف الفلسطيني، تقف في ثبات في مواجهة الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الفلسطينيون، فضلا عن المحافظة على الدعم الدولي المتزايد الذي يؤمن بشرعية المطالب الفلسطينية وسلميتها.. فإن هناك عوامل تمنع الفلسطينيين من البدء في انتفاضة ثالثة مع أن اللحظة التاريخية التي نعيشها تشكل مفصلا تاريخياً في مسيرة القضية الفلسطينية!

يأتي على رأس تلك العوامل، انقسام وضعف وتشرذم «القيادة الفلسطينية» (سواء تلك التي «نبذت» العنف أو تلك التي «تدعو» للمقاومة)، وبسبب جلوس الاحتلال الإسرائيلي على صدر الشعب والأراضي الفلسطينية، و«ازدهار» الاقتصاد الاستهلاكي الفلسطيني الناشئ الذي ترك آثاره على قطاعات فاعلة وواسعة من مجتمع الضفة الغربية بحيث توصلوا إلى قناعة قوامها أن ثمن الانتفاضة‏ الثالثة ربما يكون باهظاً، فضلاً عن تدهور المعنويات بسبب وضع الفصائل وصراعاتها، وبالتالي غياب القيادة الموحدة التي تتولى الانتفاضة، ونجاح إسرائيل في إضعاف المقاومة الفلسطينية عبر لجوئها إلى أسلوب العصا والجزرة، حيث خففت من الضغط على نقاط التفتيش وسمحت «بنمو اقتصادي» يخدم الاحتلال، مع احتفاظها بالوجود العسكري على الأرض، والاستمرار في ملاحقة النشطاء.

كما يتعين أن لا ننسى أن حصيلة الانتفاضتين السابقتين لم تكن مشجعة؛ فالأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو الذي لم يحقق الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، والثانية كانت مكلفة جداً وانتهت إلى تبني إسرائيل خطة الفصل العنصري «الآبارتايد» التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن القطاع، ويمكن أن تنتهي بإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم، وهو الأمر الذي لا يساعد على التواصل بين القرى والمدن، فما بالك بين الضفة والقطاع، فضلا عن إحكام الاحتلال قبضته على الضفة بالتنسيق الأمني العلني مع السلطة الفلسطينية.

كل ما سبق هي عوامل لا تعمل لصالح قيام انتفاضة جديدة، رغم المبررات الموضوعية الفلسطينية ومقدار ضغطها، سواء من حيث قسوة الواقع أو لجهة تدهور الأوضاع السياسية، فالسلطة تؤمن فقط بإعطاء فرصة تلو الأخرى للمفاوضات بعيداً عما يمكن تسميته «انتفاضة سياسية» عبر التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة أو إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتشجيع على مقاطعة إسرائيل، والقيام باحتجاجات جماهيرية، وغير ذلك من أساليب الضغط. وفي هذا يقول الكاتب الأميركي اليهودي توماس فريدمان في مقال بعنوان: «الانتفاضة الثالثة»، يقول: «تساءلت لوهلة: لماذا لم تحدث انتفاضة ثالثة؟ أي لماذا لم تحدث انتفاضة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية؟ هناك عدة تفسيرات من الجانب الفلسطيني: أنهم فقراء للغاية، منقسمون للغاية، منهكون للغاية. أو أنهم أدركوا في نهاية الأمر أن هذه الانتفاضات تضرهم أكثر مما تنفعهم، لاسيما الانتفاضة الثانية. لكن بحكم وجودي هنا، فمن الواضح أن الانتفاضة الثالثة في الطريق. وهي التي تخشاها إسرائيل دائماً أكثر، ليس انتفاضة بالحجارة و(الانتحاريين) بل انتفاضة تدفعها المقاومة غير العنيفة والمقاطعة الاقتصادية». لكن فريدمان هنا يخالف السلطة الفلسطينية ويعتبر أن هذا الدور ليس منوطاً بها ولا بالشعب الفلسطيني، حيث كتب يقول: «لكن هذه الانتفاضة الثالثة لا يقودها حقاً الفلسطينيون في رام الله، بل الاتحاد الأوروبي في بروكسل وبعض معارضي احتلال إسرائيل للضفة الغربية في مختلف أنحاء العالم. وبغض النظر عن الأصل فقد أصبحت تلك المعارضة قوة للفلسطينيين في مفاوضاتهم مع الإسرائيليين».

في مقابل ذلك، يقول «رونين إسحق»، رئيس دائرة دراسات الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي، في مقال بعنوان «انتفاضة ثالثة على الأبواب»: «لن تندلع انتفاضة أخرى، هكذا وعد أبو مازن في مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة الأخيرة. وانضم هذا التصريح إلى تصريحات أخرى شدد فيها على أنه طالما كان في منصبه فلن تكون انتفاضة أخرى. وشدد زعماء فلسطينيون آخرون على أن الفلسطينيين هجروا طريق الإرهاب وأن المفاوضات هي الطريق الأفضل والأكثر نجاعة لحل الصراع بين الشعبين». ويضيف إسحق: «رغم ذلك، فإنه في نهاية سبتمبر 2000، بعد نحو شهرين من فشل محادثات كامب ديفيد بين إيهود باراك وياسر عرفات، بدأت الانتفاضة الثانية. واعتقدت التقويمات الاستخبارية في البداية أن الانتفاضة اندلعت كحدث مخطط له مسبقاً من قبل عرفات، كي يبقي في يديه خيار (الإرهاب) وأن يدفع بواسطته المسيرة السياسية إلى الأمام، لكن في وقت لاحق تبين بأن الميدانيين من التنظيمات المختلفة، هم الذين بادروا إلى الانتفاضات. أما القيادة الفلسطينية، وإن لم تكن بادرت إليها، فقد انجرت خلفها».

ومن جهته، يركز المعلق السياسي «بن كاسبيت» على دور «المستوطنين الذي يجعل اندلاع الانتفاضة الثالثة مسألة وقت في حال تواصل عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن وقف اعتداءاتهم على الفلسطينيين». وبشأن حادثة القرية الفلسطينية «قصرة» يقول الكاتب: «كيف يمكن أن يعجز الجيش والمخابرات والشرطة الإسرائيلية على مدى أعوام ثلاثة عن اعتقال أي من عناصر (فتية التلال)، بينما يتمكن أهالي قصرة من إلقاء القبض على 16 عنصراً منهم بعد مهاجمتهم القرية». لذا، لم يكن مستبعداً ما بينه استطلاع أجرته جامعة النجاح في نابلس مؤخراً، من أن أكثر من نصف المستطلعين اعتقدوا أنه من المتوقع اندلاع انتفاضة ثالثة مع فشل المفاوضات، وذلك تحت وطأة مقارفات دولة الاحتلال والمستوطنين.

الاتحاد، أوظبي، 4/4/2014