«أم أيمـن» تعـدّ
أيـام النـزوح المتكـرر: لـن أعـود بأحفـادي إلـى سوريـا.. كفانـا موتـاً

الجمعة، 14 أيلول، 2012
احتضنت الفلسطينية «أم أيمن» حفيدتها الصغيرة غنى
بين ذراعيها، وراحت تجمع باقي أحفادها حولها، وسط مجموعة من الفرش والأغطية، وقليل
من الحصص التموينية. انتهت رحلة التشرد بأم أيمن من حي التضامن والحجر الأسود في سوريا،
إلى مبنى «مدرسة عين عطا الرسمية» المهجورة من طلابها.
تعثر لسانها بالنطق، وسط الشذرات الحارقة من دموعها
المنهمرة من عينيها المتعبتين من الأرق والخوف. أصرّت على إبلاغ فريق موظفي «المفوضية
العليا لشؤون اللاجئين» التابع للأمم المتحدة، الذي رافقهم في رحلتهم من مكان إقامتهم
خلال الشهور التي خلت، في إحدى مدارس مجدل عنجر، بأنها لن تغامر وعائلتها بالعودة إلى
سوريا مجدداً، حيث «يكفينا ما عانينا من الموت العشوائي»، لا سيما أن أحد أقاربها
«استشهد مع زوجته إلى جانب أطفاله الثلاثة في كومة واحدة، بعدما تحولت أجسادهم إلى
أشلاء متناثرة بين جوانب منزلهم المتواضع، الذي تعرض لغارة مفاجئة. ولن أرتكب المعصية
بحق أحفادي ولن أحشرهم بين مواكب الموت المتفشي داخل المنازل وعلى جنبات الطرق، ووسط
الأزقة وفي كل زاوية.. حتى لو أصرّ ذووهم على العودة». وتابعت: «شبعنا من عذابات التشرد،
ومن لجج السلاح القاهر والقاتل، المتمرد على أهله ومواطنيه، المتفلت من الضوابط، لا
يميز بين طفل وامرأة ومسن ومسلح، فالكل بنظره أهداف قابلة للتصفية والإعدام، والخروج
من هذه الحياة إلى الدار الآخرة».
«أم أيمن» السبعينية
التي أنهكتها سنوات التشرد والنزوح من فلسطين السليبة، حيث الأرض التي حبت ودرجت بين
حناياها، إلى بيروت وسنوات القهر في مخيماتها، إلى اليرموك وحجره الأسود في سوريا،
شارفت رحلة عمرها على النهاية، كما تقول. ولكن رحلة تشردها لم تنته بعد، حيث محطتها
هذه المرة في أقصى الجنوب من البقاع في بلدة عين عطا. وهي أي أم أيمن التي تأمل أن
تكون نهايتها في جنوب الجنوب، كي تعانق الحجارة الثائرة في فلسطينها. وتشبع نظرها من
مهد الناصري في ناصرتها. وتلتمس حرارة الإيمان من قبة الأقصى في قدسها المقصي عن أهله
وناسه ومحبيه.
«أم أيمن» المرأة
الفلسطينة التي أفنت سني عمرها في الكفاح بحثاً عن انتماء وعن هوية ووطن، عبّرت عن
الألم الذي يعتصر قلبها حزناً على أبنائها وأحفادها، الذين تلاحقهم هموم التشرد إلى
زوايا الشتات المحشورة بالكتل اللحمية، وبالأرقام البشرية المرمزة بعناوين ضائعة يتآكلها
البؤس، ويخنقها القهر، ويضنيها العذاب. وكأن التاريخ كما قالت: «يتناسل أجيالاً، ويستولد
شعباً طبعت على جبينه أحكام مبرمة قضت بتشريده من أرضه، وتركه قلقاً يبحث عن مصيره
ومستقبله في مقالب الشتات». تشير إلى أحفادها الذين التفوا حولها، «أليس ضياع مستقبل
هؤلاء الأطفال جريمة موصوفة في القانون الدولي؟.
المصدر: شوقي الحاج - السفير