القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

أهالي البارد يطوون سنوات المعاناة تحت شعار «النزوح مؤقت والعودة حتمية»

الحوادث الأخيرة تسلط الضوء على ملفي إعادة الإعمار وعودة النازحين
أهالي البارد يطوون سنوات المعاناة تحت شعار «النزوح مؤقت والعودة حتمية»
 

 الثلاثاء، 26 حزيران، 2012

أعاد الإشكال الأمني الذي شهده مخيم نهر البارد قبل أسبوعين تسليط الضوء مجدداً على ملف إعادة الاعمار وعودة النازحين، وما بينهما من ملفات معيشية واجتماعية وأمنية يعاني منها المخيم منذ نحو أربع سنوات، وما زال ينتظر تنفيذ الوعود التي أطلقتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تحت شعار «النزوح مؤقت والعودة حتمية». ولم يحظ ملف البارد يوما على اجماع القيادات السياسية والأمنية اللبنانية كما هو حاصل اليوم، وربما يكون تسارع الأحداث الميدانية في المخيم سببا في دفع المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي ورث الملف، للبحث عن الحلول التي تخفف من تداعيات الأزمة، من دون أن تضع حداً نهائياً لأصل المشكلة المتمثلة بعملية الإعمار، والتي تبقى معالجتها رهن بتسديد الدول المانحة للمستحقات المالية التي تعهدت بدفعها، والتي لم تتجاوز نسبتها الـ50 في المئة، حيث وصل من الاموال 173,3 مليون دولار من أصل 347,8 مليونا.

وبعيدا عن التجاذبات السياسية والعراقيل اللوجستية التي أخرت بداية عملية الإعمار في المخيم القديم، فإن كل مراحل ملف البارد بدءا بالحالة العسكرية المفروضة عليه، وصولاً إلى استكمال عودة النازحين وتسليم كل «البرايمات» وما بينهما من مسائل حياتية، كانت موضع تجاذبات ومصدر توترات كانت بلغت في الأسابيع الماضية مرحلة عالية من التسخين وصولاً إلى بلوغ حافة الانفجار، الذي يتم اليوم العمل على المستويين السياسي والأمني لسحب فتيله، وحصر الأمور تحت سقف الاعتراضات السلمية لإيجاد الحلول التي تخفف من حدة الاحتقان وتعالج ما أمكن من القضايا الملحة.

في الثاني عشر من شهر آذار 2008 أغلق آخر مركز إيواء لنازحي البارد في مخيم البداوي، استكمالاً لعملية العودة التي كانت بدأت في أواخر العام 2007، لكنه لم يقفل باب النزوح الذي ما زال مفتوحا على مصراعيه مع وجود نحو تسعة آلاف شخصاً خارج منازلهم ضمن مخازن وشقق مستأجرة على مساحة الشمال، وصولاً إلى مخيمات بيروت والجنوب. ومنذ اليوم الأول لعودة القسم الأكبر من النازحين إلى مخيم البارد، الذي يقدر إجمالي عدد سكانه بنحو ثلاثين ألفا، بدأت تطفو على السطح مشاكل تأمين إقامة العائدين وكيفية توفير مقومات الحياة لهم في المنطقة المتاخمة للمخيم القديم التي لم يكن وضعها احسن حالا من المخيم القديم الذي دمر بشكل كامل.

وفي إجراء مؤقت في حينه، جرى وضع نحو 3500 عائلة داخل مخازن وفي شقق مستأجرة، في حين تم بناء عدد من مراكز الإيواء المؤقت (البراكسات) لإيواء نحو ألف عائلة، وسط ظروف معيشية صعبة، زاد من وطأتها طول فترة الاقامة التي تجاوزت أربعة أعوام. هذا المؤقت تحول إلى دائم بالنسبة لغالبية تلك العائلات، التي لا تزال تنتظر استكمال عملية إعمار المخيم القديم للعودة إلى منازلها، في ظل انعدام الرؤية حيال هذه المسألة التي يضعها المعنيون في خانة الدول المانحة وفي عهدة الدولة اللبنانية.

وبعد سلسلة مطالبات وضغوطات، وضع الحجر الأساس لإعادة إعمار المخيم القديم في العام 2010، وانطلقت الورش على بناء ثمانية رزم جرى تقسيم المخيم على أساسها. وكانت تقطنه نحو خمسة آلاف عائلة، لم يكتب سوى لنحو 320 عائلة منهم العودة الى منازلها في هذا المخيم الذي لم ينفذ من إعماره سوى الرزمة الأولى، وقسم من الرزمة الثانية. والمتوقع أن تعود إليه نهاية الشهر الحالي 140 عائلة.

هذا التأخير في عملية إعادة الإعمار ضاعف من المشاكل داخل المخيم الذي يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب الحالة العسكرية المفروضة عليه والإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها الجيش عند مداخله لجهة التصاريح التي تم الاتفاق على إلغائها منتصف شهر تموز، وهي أمور ساهمت في عزل المخيم عن محيطه اللبناني الذي كان أبناؤه يعتمدون على أهالي قرى محافظة عكار في تحريك تجارتهم التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد إليهم بالإضافة إلى صيد الأسماك، والتي أيضا حرم منها قسم كبير من صيادي البارد بسبب الإجراءات الأمنية والإدارية المعقدة التي يتم اعتمادها معهم. بالإضافة إلى هذا الوضع، فإن ابناء البارد بقوا يواجهون تداعيات هذا التأخير في معالجة ملفاتهم على الصعيد التربوي، حيث أمضى آلاف الطلاب نحو ثلاثة أعوام داخل مدارس مؤقتة قبل أن يتم بناء العام الماضي ثلاثة مجمعات لـ «الأونروا»، تضم أربع مدارس ومعهد مهني، في حين ما زال الوضع الصحي قيد المعالجة حيث لم يتم بناء مستشفى حتى اليوم، بديلة عن المستشفى الذي كان قائما في السابق. ودمرت خلال المواجهات العسكرية، وجرت الاستعاضة عنها ببناء بعض المستوصفات من قبل «الأونروا» وجمعيات فلسطينية مستقلة وأخرى تتبع للفصائل.

ويواجه أبناء البارد صعوبات عديدة، تتعلق بالبطالة التي وصلت نسبتها بحسب تقارير غير رسمية إلى 20 في المئة في صفوف الشباب، فضلاً عن التسرب المدرسي بين طلاب المراحل المتوسطة. ويقول مسؤول ملف إعمار البارد مروان عبد العال: «هناك معوقات كبيرة في مسألة إعمار نهر البارد ولكننا تغلبنا عليها فكان هناك أمل وتفاؤل بعد وضع ملف الإعمار على السكة الصحيحة، وأيضاً لا نستطيع أن ننسى صبر الناس علينا وقدرتهم على التضحية وأيضاً المتابعة على المستويات الديبلوماسية والسياسية والتقنية والجماهيرية، وعلى مستوى الرقابة الشعبية واللجان، ولكن للأسف لا نستطيع أن ننكر أن العمل بطيء. وتتخلله بعض المعوقات ووضع عثرات في وجه إعادة الإعمار وأحياناً عجز عن تأمين متطلبات الناس وهي كثيرة في بعض الأحيان». واضاف:« الأمور أفضل من السابق، الآن المخيم ببنى تحتية جديدة وبمواصفات جديدة وبطبيعة قانونية أفضل، ولكن نجد أن بعض الناس لم تتقبل الوضع الحالي وهذا يرجع إلى «السيكولوجيا» بمعنى أنه لو كان عند الناس سجادة قديمة يمكن أن تساوي عندهم قيمة كبيرة، ونحن الآن نحاول إعادة بناء النسيج الاجتماعي، وإعادة بناء الروح الفلسطينية والفضاء السياسي الفلسطيني، ودونهما لا قيمة لإعمار الحجر دون البشر». ويذكر أن من المطالب المزمنة لأبناء البارد والتي أعيد طرحها اليوم هي: رفع الحالة العسكرية، تسليم البرايمات وأرض المقبرة، وفتح المخيم على جواره اللبناني.

المصدر: عمر إبراهيم - السفير