إسـلاميّون يجتمعـون فـي بيـروت.. والعنـوان فلسطيـن
الخميس، 29 تشرين الثاني، 2012
يتنكب مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات مسؤولية كبيرة جداً منذ مدة غير قليلة من الزمن، فهو يجهد دائماً لجعل مؤتمراته ذات طابع علمي وفكري بالدرجة الأولى. وفي هذا الميدان لا بد من إرجاع الفضل إلى أصحابه، فالدكتور محسن صالح، مدير المركز، بحكم تكوينه العلمي وتجربته في البحث والكتابة، يسعى باستمرار إلى عقد مؤتمرات أكاديمية وإن شارك فيها سياسيون، غايتها التصدي للمشكلات التي تواجه القضية الفلسطينية، وهي مشكلات متشابكة ومعقدة، وتتطلب معالجتها خبرة ودراية ودأباً محموداً. والمؤتمر الذي نظمه المركز في فندق «كراون بلازا» ـ الحمراء بعنوان «الإسلاميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء الثورات العربية» جمع نحو سبعة عشر باحثاً قدموا أوراقاً في هذا الشأن، علاوة على أكثر من خمسين مشاركاً تباروا في المساجلة والنقاش والتعقيب. وتوزع المشاركون بين عرب وإيرانيين، وبين قوميين عرب ويساريين وليبراليين وإسلاميين من شتى الاتجاهات كالإخوان والسلفيين والتحريريين والمستقلين. وهذا ما أضفى على المؤتمر طابع التنوع والتعدد مع أن غلبة الإسلاميين عددياً كانت ظاهرة تماماً. لذلك لم يكن مستغرباً أن يفشل بعض المشاركين في التخلص من الخطابة والوعظ، وهذا أمر بدهي في مثل هذه المؤتمرات.
الإسلاميون اليوم أمام تحديات خطيرة جداً في قضايا الحكم والمشاركة السياسية والاقتصاد والعلاقة بإسرائيل وبناء الديموقراطية وإعادة تأسيس الجيوش على عقيدة قتالية جديدة... الخ. وهذا المؤتمر، بالفعل، شوط بسيط في مسار طويل نحو بلورة موقف إسلامي متماسك من القضية الفلسطينية؛ موقف يتخطى خطب الجوامع والكلام على الثوابت والمقدسات، للوصول إلى صوغ رؤية مستقبلية للصراع العربي - الإسرائيلي. غير أن الأحداث المصرية أرغمت المرشد العام لـ«الاخوان المسلمين» في مصر محمد بديع على عدم الحضور في الوقت الذي كانت الحشود تهتف في ميدان التحرير «يسقط يسقط حكم المرشد». أما خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ«حركة حماس» فتحدث إلى المؤتمرين عبر الفضاء، واعتذر عن عدم الحضور كل من محمد البلتاجي وطلعت مرزوق (حزب النور السلفي) وسيف الدين عبد الفتاح (مستشار الرئيس المصري) وعبد الرزاق المقري (نائب رئيس «حركة مجتمع السلم في الجزائر»). لكن حضور الدكتور رمضان عبدالله شلّح أضفى على جلسة الافتتاح نكهة النصر المبجل في غزة، ولا سيما أن حركة الجهاد الإسلامي كانت المبادرة إلى إطلاق صواريخ «فجر ـ 5» على المستوطنات الإسرائيلية، كما أشاع وجود الإخوة زياد نخالة وأبو عماد الرفاعي وعلي بركة حبوراً في المؤتمر كأنهم آتون مباشرة من غزة.
ملاحظات أولى
معظم الذين تكلموا في اليوم الأول من أيام المؤتمر (ثلاث جلسات) تحدثوا عن المواقف الثابتة وطرزوا كلامهم بآية من هنا وبحديث من هناك. قليلون تكلموا على الحاضر والمستقبل، وعلى المشكلات الصعبة التي تواجهها القضية الفلسطينية في معمعان «الثورات» العربية. ويبدو أن كثيرين من المحاضرين لا يمتلكون أي رؤية في هذا الحقل السياسي والمعرفي، مع أن لهم باعاً في النضال مثل الشيخ السلفي نشأت أحمد الذي سُجن في مصر بتهمة دعم الانتفاضة. وفي هذا السياق غابت الأفكار الإستراتيجية، وأخلت مكانها للكلام على قدسية فلسطين وأهميتها للأمن القومي العربي، أو مركزيتها لدى المسلمين.
الوقائع
افتتح وائل سعد أعمال المؤتمر، ثم ألقى الدكتور محسن صالح الكلمة الأولى التي رأى فيها ان التيارات الإسلامية كانت في طليعة القوى السياسية العربية المناصرة لفلسطين، وها هي القوى التي صعدت إلى السلطة تواجه تحديات في شأن مكانة فلسطين في برامجها السياسية. وأشار إلى أن الإسلاميين يتعرضون لحملات إعلامية تشوّه مواقفهم وتتربص بهم. ثم قرأ حسام الميرغني كلمة المرشد العام محمد بديع الذي وصف فيها المؤتمر بأنه جهاد بالكلمة. واكتست كلمته حلة وعظية تستعيد المواقف الإسلامية التقليدية من اليهود. وعقب ذلك تحدث خالد مشعل إلى المؤتمر عبر الستالايت عن رؤية حركة حماس إلى فلسطين، فسرد سبع عشرة نقطة تشكل معاً الأساس الذي تبني عليه حماس مواقفها. والمفاجأة أنه شدد على وحدة النظام السياسي الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وقال: التحرير أولاً ثم الدولة الفلسطينية. أما غير المفاجئ فهو أن النقاط السبع عشرة تكاد تتطابق مع مبادئ حركة فتح، ولا سيما القرار الوطني المستقل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والكفاح المسلح. ووصف مشعل حركة حماس في غزة بأنها سلطة ومقاومة معاً، وأكد أن المقاومة ستعود إلى الضفة الغربية من دون أن يوضح كيف ومتى. وقال إن سوريا كانت دائماً منحازة إلى المقاومة، لكنه تجنب الحديث عن خطة الذهاب إلى الأمم المتحدة وعما يجري في مصر اليوم.
رمضان عبد الله شلّح قال إن فلسطين آية من الكتاب (مَن ضيعها فقد ضيع الكتاب)، أي أن فلسطين مقدسة، وفلسطين كلها هي وطن الفلسطينيين، وهي الحبل الواصل بين مصر والشام لا يمكن قطعه أبداً. وأكد ان السماء لم تمطر صواريخ وكورنيت وقذائف آر بي جي، بل إن ذلك جاء إلى غزة جراء جهد دؤوب من فلسطينيين وغير فلسطينيين، في إشارة إلى إيران وربما حزب الله وسوريا. وقال: لا مشروع نهضوياً يمكن ان ينتصر في العالم العربي ما دامت إسرائيل موجودة، وطالب القيادة المصرية بتخفيف الكلام على احترام المعاهدات مع إسرائيل، وهاجم من يريد أن يجعل إيران عدواً جديداً، لأن من قصّر في واجبه نحو فلسطين لا يجوز له ان ينتقد مَن قام بالواجب. وأضاف: إذا كانت الأمة قد استعانت بالحلف الأطلسي للتخلص من الاستبداد، أفلا يجوز الاستعانة بإيران للتخلص من الاحتلال؟ أدار محمد أكرم العدلوني الجلسة الثانية التي تكلم فيها حازم فاروق (من الاخوان المسلمين في مصر) ونشأت أحمد (من التيار السلفي المصري). أما الجلسة الثالثة فقد أدارها طلال عتريسي وتحدث فيها أمين علي أمين عن الإسلاميين في اليمن، وعبد الرحمن فرحانة عن انعكاسات صعود الإسلاميين إلى السلطة على الوضع الداخلي الفلسطيني. وسيتابع المؤتمر أعماله اليوم الخميس فيتكلم كل من: حمزة منصور (الأردن) وعزام الأيوبي (لبنان) وعلي فياض (نائب لبناني) وعباس خاميار (إيران) ومحمد زاهد جول (تركيا) وعدنان أبو عامر (فلسطين) وإبراهيم شرقية (معهد بروكينغر ـ الدوحة) وأسامة الأشقر (مدير مؤسسة فلسطين للثقافة) وعاطف الجولاني (رئيس تحرير جريدة «السبيل» الإسلامية الأردنية) وأحمد القصص (حزب التحرير ـ لبنان).
المصدر: صقر ابو فخر - السفير