القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الأزمة الاقتصاديّة في لبنان تُرخي بظلالها على اللاجئين


السبت، 13 حزيران، 2020

يعاني لبنان حاليّاً أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخه، أزمة بدأت تتفاقم في الباطن خلال السنوات القليلة الماضية، وكان اللاجئون الأكثر تضرراً من هذه الأزمة.

يستورد لبنان نحو 80 في المئة من حاجته الغذائية، فكيف إذا تعطّلت قدرته على الاستيراد، ففي لبنان شبه إجماع على أن الانهيار قد بدأ، لكنهم يختلفون في حجم الضربة الآتية.

وتعاني البلاد حاليّاً أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخه، أزمة بدأت تتفاقم في الباطن خلال السنوات القليلة الماضية، لكنها لم تظهر كارثية بداية بسبب الأموال الهائلة التي كان يحوّلها اللبنانيون في الخارج إلى عائلاتهم.

وتُمثل الديون بالليرة اللبنانية مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والديون بالعملات الأجنبية نحو 60 في المئة، علماً أن البنوك المحلية ومصرف لبنان يحملون معاً نحو 75 في المئة من هذا الدين، وبدلاً من أن تلعب البنوك اللبنانية دورها التقليدي بتمويل الاقتصاد، لجأت لتوظيف نحو 70 في المئة من أصولها، إما في سندات دين سيادية أو لدى مصرف لبنان.

أوردت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشرته الإثنين الماضي أنّ الأزمة الاقتصادية الراهنة "غير مسبوقة في تاريخ البلاد"، منبّهة إلى أنّ "لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية ملحّة لتفادي أسوأ العواقب الاجتماعيّة".

انعكاس الأزمة على اللّاجئ

يراقب اللاجئون الفلسطينيون والسوريون على حد سواء باهتمام وحذر شديدين، انعكاس الأزمة السياسية والاقتصادية اللبنانية على واقعهم وأوضاعهم المعيشية الصعبة أصلاً، والتي تضاعفت كثيراً بعد عودة الحراك الاحتجاجي إلى الشارع، وارتفاع الدولار مقابل الليرة وغلاء الأسعار.

الصحفية المختصة بالشأن الفلسطيني وفاء بهاني قالت لوكالتنا: "إنّ للأزمة الاقتصادية اللبنانية تأثيراتها وانعكاساتها المباشرة على المجتمع الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها في هذا البلد الذي يفتقد فيه الفلسطيني أبسط مقومات العيش بكرامة، لأنّ قوانينه تمنع العمل للفلسطيني في أكثر من ٣٧ مهنة معظمها نقابية، وفضلاً عن ذلك، أتت أزمة المصارف وارتفاع الأسعار وتأرجح الدولار، ما أدى إلى ازدياد الفقر والعوز، والكفاح من أجل لقمة العيش، وينطبق على الفلسطينيين في لبنان المثل القائل "العين بصيرة واليد قصيرة"، لأنّهم افتقدوا أبسط مقومات العيش بكرامة وكأنّ هذا الشعب الصامد لا ينقصه سوى جائحة كورونا لتزيد وترفع مِن حجم المعاناة الكمّي والنوعي".

دور "الأونروا" في إغاثة اللّاجئين

وبخصوص دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في تحمل مسؤوليّاتها، كونها المعنية برعاية وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تؤكّد الصحفية بهاني أنّ "للأونروا دوراً في تفاقم هذه الأزمة، حيث لم تتحرّك أبداً في مساعدة اللاجئين بحجة تقليص دعم الدول المانحة، وطبعاً هذا ليس إلا قراراً سياسياً يرمي للضغط على اللاجئين وإجبارهم على الهجرة ونسيان قضية فلسطين، متخوفين من التبعات السلبية على أوضاعهم".

كيف يرى اللّاجئون مستقبلهم في لبنان؟

ما بين مطرقة طلب العيش بكرامة وسندان الضائقة الاقتصادية، ما خيارات اللاجئين في لبنان؟ تقول بهاني: "لقد خيمت على الشباب الفلسطيني في لبنان فكرة الهجرة بأي طريقة وإن كانت غير شرعية، وآثروا الموت على العيش دون كرامة في هذا البلد؛ ما أدّى إلى انتعاش حركة تدعو إلى اللجوء إلى البلدان الأوروبية، وصلت إلى حد وضع ملصقات في المخيمات - ومنها مخيم شاتيلا في بيروت - تدعو إلى الهجرة بعيداً عن الظلم والتهميش، كما أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تشهد، من حينٍ إلى آخر، حراكاً شبابيّاً يدعو إلى الهجرة، وبدأ هذا الحراك مِنْ أكثر المُخيّمات بؤساً وحرماناً؛ مُخيم نهر البارد شمالاً، مُروراً بأكبرها في لبنان؛ مخيم عين الحلوة جنوباً، وصولاً إلى المُخيمات في العاصمة بيروت".

"اللّاجئون هم أصل المشكلة!"

على مدى السنوات القليلة الماضية، برز في لبنان خطاب معاد للاجئين إجمالاً، يتهمهم بالمسؤولية عن انهيار البنى التحتية للبلد الصغير، فضلاً عن المسؤولية عن مشكلة الكهرباء والبطالة، تلك الخطابات استمرّت بعد انطلاق التظاهرات في لبنان، حيث اتّهمت بعض الشخصيات السياسية اللاجئين السوريين بإخراج الدولار من لبنان إلى سورية بكميات ضخمة، الأمر الذي أثّر في سعر صرفه مقابل الليرة اللبنانية، وبالتالي أدى إلى الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد.

الاحتقان الحاصل في الشارع يمكن لأي جهة الآن أن تستثمره لصالحها، خاصة إن كانت تدّعي أن لديها إجابات عن أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية، وهنا يأتي خطاب تلك الشخصيات المعادية للاجئين والنازحين، حيث تعمّدت إلصاق تهمة إفراغ المصارف من عملة الدولار بظهر اللاجئين السوريين، تماماً كما ألصقوا كافة مشاكل البلد منذ 60 عاماً وحتى اليوم باللاجئين الفلسطينيين.

مصاعب معيشيّة

نعمة علواني، صحفية سورية في لبنان، وبسبب طبيعة عملها فهي على احتكاك تام مع عائلات سورية كثيرة، تقول لوكالتنا: "إنّ الفئات كافة تأثرت بالوضع الاقتصادي الذي خيم على لبنان، وكثير منهم فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق عدد كبير من الشركات بفعل التباطؤ الاقتصادي وشح العملة الأجنبية لاستيراد المنتجات والمواد الأولية، ما اضطر البعض إلى جعل أبنائهم معيناً لهم من خلال أي عمل يسدّوا به رمقهم".

وتؤكّد علواني أنّ الأزمة قديمة منذ بداية لجوئهم، إلّا أنّ التطورات الأخيرة في البلاد بدءاً من الاحتجاجات في الشارع في 17 تشرين، وصولاً إلى الوضع الاقتصادي المتردي، لتأتي جائحة كورونا وتزيد في الطين بلة، وتكون الضربة القاضية، حيث ازداد طلب المساعدات من الجمعيات الإغاثية ومفوضية الأمم المتحدة، ما أوصل البعض إلى درجة التسوّل في الشارع - مع الأسف الشديد - وهو ما أدى إلى إصابتهم بحالات اكتئاب وأمراض نفسية بسبب تردي وضعهم المعيشي.

العودة لسورية الخيار الأسلم

أزمة اقتصادية ومالية في لبنان شجّعت أعداداً متزايدة من اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم، وتسعى نعمة، كالكثيرين غيرها من اللاجئين في لبنان، إلى الخروج من هنا نحو بلد آخر، لكن وبما أنّ "هذا الخيار ما زال غير ممكن الآن، قد تكون العودة إلى سورية هي الخيار الأفضل... الوضع هنا لم يعد مريحاً بالنسبة لنا، الحياة باتت مليئة بالتحديات والأسعار ارتفعت بشكل جنوني، أعتقد أن العودة إلى سورية على الرغم من كل التحديات هو الخيار الأسلم...".

منذ العام 2017 وحتى /أيار مايو من العام 2019، غادر أكثر من 200 ألف لاجئ سوري من مناطق مختلفة في لبنان إلى سورية، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، نقلاً عن مديرية الأمن العام في لبنان، وفي شهر كانون الأول / ديسمبر فقط، غادر 2627 سوريّاً إلى بلادهم بتسهيلات من مديرية الأمن العام اللبنانيّة.

مفوضيّة الأمم ودورها في إدارة الأزمات

نتيجة للأوضاع الحالية، تزايد عدد السوريين المعتمدين على مساعدات المنظمات الإغاثية في لبنان، وهو ما أدى إلى تلقي المفوضية المزيد من طلبات المساعدة من أسر اللاجئين التي كانت تعتمد لحد كبير على إمكانياتها الذاتية، في المقابل فإنّ تراكم الديون على بعض السوريين أجبرهم على بيع قسائم الغذاء التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة، وذلك من أجل سداد الإيجار وشراء ضروريات العيش.

يسأل الكثير من اللاجئين السوريين عن المعايير غير الواضحة التي تنتهجها مفوضية الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، فأكثر الحالات السيئة والمعدومة، والأخرى التي لديها أمراض مزمنة، قد تم فصلها من مساعدات الأمم ولا تأخذ معونات، وعلى المقلب الآخر، تجد أشخاصاً ليسوا بحاجة ما زالوا على قائمة هذه المساعدات!

المسؤولة الإعلامية بمفوضية الأمم المتحدة ليزا أبو خالد، أوضحت في بيان أن المنظّمات الإنسانية في لبنان لم تتلقَّ إلا 50 في المئة من الأموال التي تحتاج إليها، من أجل تنفيذ أنشطتها وبرامجها في لبنان العام الماضي.

وقالت: "بوجود موارد محدودة، يتعين علينا بشكل جماعي تحديد أولويات تدخلاتنا للاستجابة لاحتياجات أكثر المجتمعات ضعفاً، وتابعت: "إنّ هذا الأمر يترك فجوات بالاستجابة لكل الاحتياجات، ما يؤثر بشكل مباشر على حياة اللاجئين الضعفاء، بمن فيهم الأطفال والنساء".

المصدر: وكالات