البحوث العلميّة أداة للفلسطينيين كي يخبروا قصتّهم: زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة عند اللاجئات
الثلاثاء، 06 آذار، 2012
في بيروت، أظهر الباحثون الوافدون من الضفّة الغربيّة وغزّة «عوارض الإثارة والحماسة ما بعد السجن»، إذ لم تسمح الظروف في فلسطين التلاقي على أرض الوطن. هكذا وصفت البروفسورة في جامعة «بيرزيت» ريتا جقمان، شعور التلاقي بين الباحثين الوافدين من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة للمشاركة في المؤتمر الثالث لـ«ائتلاف ذا لانست لصحّة الفلسطينيين» في شأن «صحّة الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينيّة وخارجها»، الذي افتتحت أعماله أمس وتستمرّ اليوم، وينظّمه «معهد الصحّة العامة والمجتمعيّة» في «جامعة بيرزيت» وكلية العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت».
تشكّل البحوث العلميّة والطبيّة، وفق جقمان، «أداة للدفاع وللمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق العدالة، خصوصاً في وجه اللوبي الصهيوني الذي يعمل للحدّ من نشر الأعمال البحثيّة الفلسطينيّة في المجلات العالميّة. وتسمح تلك الأداة للفلسطينيين أن يخبروا قصتّهم الخاصة بدلاً من أن يخبرها الآخرون فيصنفونهم ضحايا أو إرهابيين وهم ليسوا ضحايا وليسوا إرهابيين». وذكّرت جقمان بما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو أن المعارف يجب أن تشمل صوت المضطهدين والمهمّشين».
واعتبر عميد كليّة العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت» إيمان نويهض أن «البحث العلمي لا يقتصر على الأرقام والبيانات فحسب، بل يشكّل سلاحاً مقاوماً وأداة للتواصل بين الأفراد، والتعبير عن أنفسهم خارج حدود بلدانهم». ونقل نويهض عن رسالة نشرتها مجموعة من طلاب الماجستير في «جامعة بيرزيت» في المجلة الطبيّة «ذا لانست» في تموز 2010، أنّ «المعرفة والتعليم وبناء المؤسّسات التعليميّة هي سبيل لنيل الحريّة والاستقلال»، وأنّه «على الرغم من أنه من الممكن أن يتحدّث المرء عن الواقع الصحّي للفلسطينييّن، لكنه من غير الممكن نقل معاناتهم في العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي».
وخلال جلسات المؤتمر، حاول باحثون من مختلف الميادين الطبيّة نقل الواقع الصحّي للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلّة وخارجها مستندين إلى دراسات وأرقام ومقارنات. فالصحّة، وفق جقمان، هي «بناء اجتماعي يتأثّر بالعوامل البيئيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة».
استناداً إلى تحليلات علميّة، قدّرت الدكتورة نيفين أبورميلة من «معهد الصحة العامة والمجتمعيّة» في «جامعة بيرزيت»، زيادة انتشار معدّل السكّري بين الأفراد في الضفّة الغربيّة، وتوقّعت أن يسجّل نسبة واحد وعشرين في المئة عام 2020 ونسبة ثلاثة وعشرين في المئة في 2030. مع الإشارة إلى أن المعدّل بلغ عام 2010 نسبة 16 في المئة وسجّل معدّل السمنة 29 في المئة عند الرجال وأربعين في المئة عند النساء. وبلغت نسبة المدخنين تسعاً وأربعين في المئة عند الرجال وثلاثة في المئة عند النساء.
وشدّدت أبورميلة على أن تخفيف السمنة بنسبة خمسة في المئة يؤدّي إلى انخفاض معدّل انتشار السكّري عام 2030 في الضفّة الغربيّة بنسبة 13 في المئة.
وأجرت الباحثة في «وكالة الأونروا» الدكتورة سلوى مسعد، عام 2009، دراسة في انتشار سوء التغذيّة والسمنة عند تلاميذ المدارس، وشملت عينة البحث ألفاً وأربعمئة وخمسة وثمانين تلميذاً. وأظهرت النتائج أن نسبة 54.5 في المئة من الأسر تفتقر إلى الأموال لشراء الطعام، وأن نسبة 23 في المئة يعانون الجوع، ونسبة 17 في المئة من الأولاد يأوون إلى الفراش جوعانين. وسجّل معدّل سوء التغذيّة 3.3 في المئة، وزيادة الوزن 12.4 في المئة، والسمنة 5.9 في المئة. مع الإشارة إلى أن أرقام المسح الوطني عام 2010، أظهرت أن نسبة 38 في المئة من سكان الضفة الغربيّة وقطاع غزّة يفتقدون إلى الأمن الغذائي، ونسبة 19 في المئة من الأطفال (من ثمانية أشهر إلى تسعة وخمسين شهراً) يعانون من فقر الدم، ونسبة التقزّم (أي قصر القامة بسبب سوء التغذيّة) عند الأطفال دون الخامسة من العمر ارتفعت بنسبة واحد وأربعين في المئة في عشرة أعوام.
وتبيّن للدكتور عماد إسماعيل العاوور أثناء دراسة أعدّها عام 2008 في غزة، في شأن العوامل المؤثّرة بوفيات الأطفال الحديثي الولادة والذي شمل مئتين وعشرين حالة وفاة وأربعمئة وخمسة وتسعين طفلاً حديثي الولادة، تبيّن ارتباط نسبة وفيات حديثي الولادة بعوامل عدّة، مثل زواج الأقارب، الوضع المعيشي للأسرة، عدد مرّات الحمل، مدّة الحمل، التباعد بين الحمل والآخر، وزن الطفل، والتشوّهات الخلقيّة عند الجنين.
وعرض الباحث في «الجامعة الإسلاميّة» في غزّة الدكتور أكرم محمد أبو صلاح نتائج بحثه في شأن العوامل المؤثّرة في انخفاض وزن المولود، دون الكيلوغرامين ونصف. أجرى أبو صلاح البحث عام 2007 وشمل أربعمئة وستّة وأربعين طفلاً، وأظهرت النتائج وجود سبعة عوامل تزيد من احتمال إنجاب طفل ذي وزن خفيف. ترتكز تلك العوامل على ظروف الحياة غير الآمنة، التعرّض للضغط النفسي والصدمات النفسيّة، مدخول الأسرة، الوضع الاقتصادي للزوج، الدخل الشهري، والنقص في الطعام. واستنتج أبو صلاح أن الضغط النفسي يزيد من إفراز مادة الأدرينالين التي تؤثّر في رحم المرأة، وأن قلّة المواد الغذائيّة تؤثّر في صحّة الحامل والجنين.
واستناداً إلى نتائج ثلاث دراسات أجريت في الأعوام 1995، 2000، 2005، وشملت 10890 أماً فلسطينيّة في سوريا، لبنان، الأردن، قطاع غزّة، الضفّة الغربيّة، لفتت مديرة برامج حماية الصحة وتعزيزها في «منظمة الصحة العالميّة» في القاهرة الدكتورة هيفاء ماضي إلى زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة عند اللاجئات الفلسطينيات. وتشير النتائج إلى أن معدّل استخدام وسائل تنظيم الأسرة بلغ 32.1 في المئة في عام 1995، و49.9 عام 2000 ليصل إلى 55.4 عام 2005. وتترافق تلك الزيادة مع انخفاض معدّل الخصوبة، أي مجموع المواليد للمرأة الواحدة، إذ بلغ معدّل الخصوبة عام 2005، 3.2 مقارنة مع 3.5 عام 2000 و4.7 عام 1995. وتقرأ ماضي في تلك الأرقام قبول الأمهات الفلسطينيات وسائل تنظيم الأسرة وإدراكهن أهميّة التباعد بين الحمل والآخر، في حماية صحّة الأم والطفل.
المصدر: ملاك مكي - السفير