الفلســطينيون: ملكيتنــا لا تلغــي عودتنــا
تحضير لرفع دعاوى قضائية ضدّ «الذريعة اللبنانية للتمييز السلبي تجاه اللاجئين»
الخميس، 03 كانون الثاني، 2013
تشهد الساحة الفلسطينية هذه الأيام محاولة منظمة تقودها 12 جمعية فلسطينية لاسترجاع حق الفلسطينيين بالتملك العقاري في لبنان، وتصحيح الأوضاع الناجمة عن حرمانهم منه إثر صدور القانون 296/2001 عن مجلس النواب.
وأعلنت الجمعيات عن مساعيها خلال مؤتمر صحافي عقدته في نقابة الصحافة في 18 كانون الأول الماضي، أطلقت خلاله «حملة حقوق الملكية العقارية للاجئين الفلسطينيين في لبنان» تحت شعار «ملكيتي لا تلغي عودتي».
وتحاول الجمعيات عبر هذا الشعار الرد مباشرة على الذريعة اللبنانية للتمييز السلبي تجاه الفلسطينيين القائمة على منع التوطين، بحيث نص تعديل العام 2001 على «عدم جواز تملك أي حق عقاري من أي نوع كان، لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص إذا كان التملّك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين».
واللافت في القانون الذي حرم الفلسطينيين من التملك بحجة رفض التوطين أنه رفع نسبة تملك الأجانب في بيروت إلى 10 في المئة رغم صغر مساحة العاصمة التي لا تتجاوز الـ18 كيلومتراً مربعاً. وفي الوقت نفسه، باتت مساحة العقار المسموح بتملكه للأجنبي سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وكذلك المغترب من أصل لبناني ثلاثة آلاف متر مربع على أن لا يتعدى مجموع تملّك الأجانب 3 في المئة من مساحة كل قضاء.
وتكمن أهمية الحملة الحالية في خوض الفلسطينيين أنفسهم غمار استعادة حقهم بالتملك العقاري من جهة، بعدما اقتصر الأمر بداية على طعن بدستورية القانون قدمه عشرة نواب لبنانيين أمام المجلس الدستوري، وعلى عدد من اقتراحات القوانين التي تلغي المنع قدمها نواب لبنانيون أيضاً، ينتمون إلى جهات سياسية تناصر حقوق الفلسطينيين في لبنان، وتفصلها عن التوطين.
ويدعم منظمو الحملة مساعيهم الحالية بمعطيات قانونية وميدانية توثق لتأثير القانون المذكور على حياة الفلسطينيين في لبنان، وحقوقهم بعد 11 عاماً على بدء تطبيقه، عبر دراسة قانونية ترصد التغييرات القانونية في لبنان بما يخص الملكية العقارية للأجانب عامة، وللفلسطينيين خاصة.
الاعتراف بالدولة.. والواقع
ويشير المدير العام لـ«مركز التنمية الإنسانية»، ومعد الدراسة القانونية، سهيل الناطور، إلى التحضير لرفع الحملة دعاوى قضائية على الدولة اللبنانية، ممثلة بالدائرة العقارية، لحفظ حق الفلسطينيين الذين تملكوا قبل صدور قانون الـ2001، ولم يسجلوا ممتلكاتهم العقارية في السجل العقاري. ويشكل هؤلاء ما نسبته 80 في المئة من مجمل المالكين الفلسطينيين في لبنان. ويشير الناطور إلى أن هناك نحو عشرة محامين لبنانيين قد تطوعوا لرفع الدعاوى ومتابعتها على أن تتولى الجهات الفلسطينية دفع المصاريف فحسب، لافتاً إلى أن الخطوة الأولى ستتركز على إحصاء المالكين بموجب سندات رسمية كعقد بيع أو وكالة أو إقرار لدى كاتب عدل، أو أي عقد يشمل بيعاً وشراء حرر لدى محام ووقع عليه شهود، ولم يكن ينقصه سوى التسجيل في السجل العقاري.
ويأمل مطلقو الحملة أن يؤدي اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بينها لبنان، بفلسطين دولة بصفة عضو مراقب، إلى إخراج اللاجئين الفلسطينيين من دائرة الأشخاص الذين لا يحملون جنسية دولة معترف بها (وهي العبارة المستخدمة في قانون تملك الأجانب) وتالياً إلى تعطيل أحد موانع تملكهم لعقارات في لبنان.
وتعليقاً على هذه النقطة، يرى المحامي والأستاذ في «جامعة القديس يوسف» رزق زغيب أن اعتراف لبنان بدولة فلسطين ليس جديداً ولا يقتصر على ما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً، بل يعود إلى العام 1988 عندما أعلنت «منظمة التحرير الفلسطينية» دولة فلسطين في مؤتمر الجزائر. ويقول رزق إن لبنان اعترف يومها بالدولة الفلسطينية مع 21 دولة عربية أخرى، وبالتالي كان الفلسطينيون مشمولين بالبند المتعلق بمنع التملك العقاري على أساس «تعارضه مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين». وعليه، ليس هناك من جديد يمكن البناء عليه في هذه الناحية، وفق رزق نفسه.
في المقابل، يرى مدير «العيادة القانونية لحقوق الإنسان» والأستاذ في جامعة الحكمة كريم المفتي أن «القانون الذي حرم الفلسطينيين من التملك العقاري غير دستوري وهو مركب تركيبا سياسيا وعنصريا»، مشيراً إلى أن «المجلس الدستوري رد الطعن النيابي بدستوريته لأسباب سياسية لا دستورية».
ويؤكد المفتي أن «واضعي القانون اختبأوا وراء التوطين برغم أن لا علاقة له بحق التملك، إذ بإمكان اللاجئ أن يتملك في أي دولة في العالم (وفق ما هو هو حاصل حالياً) مع الاحتفاظ بحقه في العودة إلى بلاده، فحق العودة ليس له علاقة بطريقة العيش في بلد اللجوء».
ويفرق المفتي بين اعتراف الدولة اللبنانية بفلسطين في العام 1988 «إذ كان الاعتراف سياسياً، واعترافها اليوم في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة». ويصف الاعتراف الأخير في الأمم المتحدة بـ«القانوني والمسند إلى القانون الدولي والرأي العام العالمي، ويمكن أن يشكل نافذة لإحراج الحكومة اللبنانية».
ويرى المفتي أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يمكنهم أن يستحصلوا بعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على جوازات سفر فلسطينية، ويصبح لديهم جنسية بالمعنى القانوني، وعليه تنتفي عنهم صفة «أي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها».. ويختم المفتي بالسؤال «ولكن هل هذا يعني أنهم سيحصلون على حق التملك العقاري في لبنان؟»، ليجيب «طبعاً لا.. لأن القانوني سياسي وعنصري، ولكنهم سيتمكنون من إحراج لبنان وسينوّعون في وسائل النضال التي يتبعونها لتحصيل حقوقهم».
وتتزامن حملة حقوق الملكية العقارية للاجئين الفلسطينيين في لبنان مع ما يحصل في مجلس النواب، وبالتحديد في لجنة الإدارة والعدل لناحية دراسة تعديل القانون الخاص بتملك الأجانب في لبنان.
ويؤكد مصدر نيابي مطلع أن «النواب استثنوا الفلسطينيين من مجمل مناقشاتهم حول قانون تملك الأجانب، لتبقى المادة الأولى من القانون، بما فيها من استثناء، على حالها». ويشير المصدر نفسه إلى أن «اللجنة تبحث مشروع القانون المقدم من عضو كتلة التيار الوطني الحر النائب نعمت الله أبي نصر، الذي استثنى الفلسطينيين بدوره من مشروعه المقترح، انسجاماً مع توجهه كشخص معروف بتوجهه المعارض لتملك الفلسطينيين من جهة، ومع موقف التيار الذي يمثل، والذي يعتبر من أشد المعارضين للتملك الفلسطيني العقاري في لبنان من جهة ثانية، بالإضافة إلى حزبي الكتائب والقوات اللبنانية».
الأثر الاجتماعي وذيول المنع
وتبين الدراسة التي أعدها الناطور وفريق من الباحثين والباحثات الميدانيين، الذيول الاجتماعية لمنع الفلسطينيين من التملك العقاري بعد 11 عاماً على صدور القانون، والمشاكل الجمة التي تصادفهم وتصادر ملكيتهم وحقوقهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وأبرزت إجابات نحو مئتي شخص شملتهم عينة الدراسة «أن همّ الحفاظ على الحق طغى لدى أصحاب العقارات، وأشار كثيرون إلى اعتمادهم أساليب معالجات اقترحها عليهم الاصدقاء ونادراً ما كانت من مختصين حقوقيين أو محامين»، وبالتالي كثرت المشاكل التي أنتجتها هذه المعالجات.
وتعتبر قصة الفلسطيني أبو كمال (اسم مستعار) نموذجاً لما حصل مع بعض الفلسطينيين نتيجة القانون. لم يرغب أبو كمال في الاستمرار بدفع إيجار شقته البالغ 500 دولار في الشهر. جمع الرجل جنى العمر واشترى شقة يسكنها مع عائلته في محيط مدينة بيروت. وبما أن القانون اللبناني يمنع على الفلسطيني التملك العقاري في لبنان منذ العام 2001، عمد أبو كمال إلى تسجيل شقته باسم جاره وصديق عمره، الذي يحمل جنسية يسمح لها لبنان بالتملك العقاري على أراضيه. أشهر قليلة وانقلب الجار على صديقه، وتفاجأ أبو كمال بمن يدق بابه مطالباً باستلام شقته بعدما اشتراها من مالكها الرسمي. باع جار أبو كمال شقته وغادر البلاد ووجد الرجل نفسه مع عائلته على قارعة الطريق. قالوا له إنّ «القانون لا يحمي المغفلين»، برغم أن القانون نفسه، وبالتحديد ذاك الذي منعه من التملك العقاري، هو الذي دفعه إلى ما قام به.
قصة أبو كمال تكررت مع أقرانه من الفلسطينيين وإن بصيغ متشابهة أو مختلفة. هناك حادثة شهيرة في مخيم شاتيلا تحكي عن زوجة طلقت زوجها الفلسطيني وطردته من المنزل بعدما كتبه باسمها. وفي منطقة طريق الجديدة أعاد رجل بيع شقة كان قد باعها لفلسطيني قبل عشرة أعوام، عندما علم أنه لم يسجلها في السجل العقاري كونه لم ينه تقسيطها قبل صدور القانون في 2001.
أما أعداد الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من وراثة أهلهم بعد وفاتهم فلم يتم إحصاؤها.
وتوثق الدراسة لمشكلة منع التملك العقاري للفلسطينيين وتأثيرها الكبير على مخيم نهر البارد، ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، والذي تبلغ مساحته 198290 مترا مربّعا، ويضم 1700 بناية سكنية، تؤوي نحو 36 ألف لاجئ فلسطيني. شهد نهر البارد في العام2007 دماراً شبه كامل إثر المعارك بين الجيش و«فتح الإسلام». ويعيق القانون إعادة إعمار المخيم الجديد أو ما تسميه الدولة اللبنانية بالمنطقة المتاخمة للمخيم، نتيجة عدم حسم ملكية العقارات التي كان الفلسطينــيون قد اشتروها قبل القانون.
وكانت مشاكل المالكين الفلسطينيين قبل صدور القانون، والخسائر الفادحة التي منوا بها، نتيجة ما تسميه الدراسة «التعامل على شراء العقار بموجب عقد بيع ممسوح لدى كاتب العدل، وهذا ما كان قد مارسه بعض اللاجئين لأسباب مختلفة». ويشير الناطور إلى أنه «ولما كان القانون ينص على تطبيقه الفوري، ومن دون إعطاء مهلة زمنية لترتيب أوضاعهم، فقد خسر أصحاب الأملاك حقوقهم في التسجيل بالسجل العقاري، على الرغم من أن القانون لم يُصادر أملاك الفلسطينيين، لكنه بتمييزهم عن غيرهم من الأجانب اتسم بالعنصرية من جهة، وحوّل الملكية إلى قيمة غير ذات جدوى، من جهة ثانية». ويتوقف الناطور عند التعليمات التي صدرت يومها و«منعت كُتّاب العدل ومسؤولي السجل العقاري من إتمام إجراءات التسجيل القانوني لحفظ قيمة الملكية العقارية للفلسطينيين، في حين لم يتضمن القانون بنداً تعويضياً لمن يلحقه الضرر، لا بل إنه تمسك في نصه بالمادة 16 التي بقيت من دون تعديل». وتفيد المادة 16 «بأن مخالفة أحكام هذا القانون تؤدي إلى اعتباره باطلاً كل عقد أو عمل يجري خلافاً لتلك الأحكام، ومعاقبة كل من يشترك، أو يقوم بتسجيله مع علمه بالأمر، ومصادرة هذا الحق وتسجيله على اسم الدولة، عندما يصبح الحكم مُبرماً». وشملت الخسائر أصحاب العقارات الفردية، إضافة إلى رجال الأعمال الفلسطينيين والمستثمرين في السوق العقارية بملايين الدولارات.
إرباكات سلبية إضافية
ويتوقف الناطور في دراسته أيضاً عند بعض الآثار غير المباشرة التي تتعلق بالأجانب المخولين قانوناً التملّك العقاري في لبنان بالحدود المنصــوص عليها. فقد وجد هؤلاء الأجانب أنفسهم أمام تطبيــقات وتفســيرات للقانون تربطهم بالمنـع للفلسطــينيين، وذلك وفق صيغتين:
الأولى: إن أي أجنبي يحمل وثيقة من دولة معترف بها، وكان أصله فلسطينيا، مُنع عملياً من التسجيل لأي حق عقاري مثل الفلسطينيين المقيمين في لبنان، «لكن بعد مراجعة سفارات الدول الأجنبية للحكومة اللبنانية وانتقاد التمييز الذي يتعرض له مواطنوها، عادت حكومة فؤاد السنيورة في 2005 لتسمح لهؤلاء بتسجيل البيوت بأسمائهم».
الثانية: الأجنبي المتزوّج من فلسطينية أيضاً منع من التملّك العقاري بحجة أنها ستكون من ورثته ولا يحق لها التملّك العقاري في لبنان، وقد تضاربت الآراء حول هذه الممارسة الإدارية بمنع التسجيل، التي وصفها الخبراء القانونيون في لبنان بأنها تدبير تعسفي وغير قانوني، لأن العبرة هي في شخصية الذي يتملك، بصرف النظر عن زوجته.
كذلك، فإن التوسع الذاتي في التفسير لدى بعض كُتّاب العدل وموظفي مديرية الشؤون العقارية أدى إلى الامتناع عن إبرام عقود تحتمل حقوقاً عينية تبعية، لا تؤدي بأي حال من الأحوال إلى نقل، أو إنشاء الملكية العقارية مثل الرهن المالي الذي يتطلّب الوفاء بالدين، ولو كان المرهون عقاراً، لأن صاحبه الفلسطيني لا يحق له تسجيل الرهن للعقار الذي يتوجب بيعه، في حال عجز المدين عن سداد الرهن.
اليوم يحسم الفلسطينيون أمرهم ويتجهون نحو القضاء اللبناني ليضعوه أمام مسؤولياته، مطالبين إياه بلعب دوره الرئيسي والطبيعي في أن يكون الحكم بينهم وبين الدولة اللبنانية التي ظلمتهم، ليس بالتمييز السلبي ضدهم خلافاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من مقدمة الدستور اللبناني، بل ايضاً بعدم وضع آلية تحفظ حق المتملكين قبل القانون. وتشمل الآلية سواء الذين سجلوا أملاكهم في السجل العقاري، وبالتالي حفظ حقهم بنقل الإرث إلى وارثيهم، أو الذين اشتروا ملكاً عقارياً ولم يسجلوه لأسبــاب مخــتلفة، ووجدوا أنفسهم بعد القانون يخسرون أملاكــهم أو مهددين بخسارتها. فهل ينــصف القضاء اللاجئين إليــه؟
(ينشر بالاتفاق مع «المفكرة القانونية»- http://legal-agenda.com/)
المصدر: سعدى علوه - السفير