القيادي في الجبهة الشعبية رباح مهنا لـ«السفير»: حماس وفتح متقاربتان.. والخوف الأكبر من الكونفدرالية
الإثنين، 14 كانون الثاني، 2013
تطلق حركتا فتح وحماس كل فترة جهوداً جديدة لإعادة تفعيل المصالحة الفلسطينية. يختلف الراعي الرسمي للمحادثات بين قطر والسعودية وغيرهما، لكن تبقى مصر الراعي الأساس في هذا الملف.
جهود المصالحة اليوم تختلف عن سابقاتها، فالرئيس المصري محمد مرسي يريد إبراز حضوره في هذا الملف، وذلك بعد التهدئة التي ساعد في فرضها إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. ويعود ذلك بشكل خاص إلى أن «الإخوان المسلمين» يسعون إلى تليين موقف حركة حماس، إرضاءً لواشنطن، ويبدو أنهم نجحوا في ذلك حتى الآن.
فتح وحماس، الحركتان الأبرز على الساحة الفلسطينية، تقتربان من بعضهما أكثر، والفجوة السياسية بينهما ربما لم تعد مرئية، وبالرغم من ذلك يبقى الطريق إلى المصالحة بعيدا، فكلاهما لا يريد أن يتنازل ولو قليلاً من سلطته على الضفة الغربية أو قطاع غزة. غير أن التخوف من الأزمات الفلسطينية المتواصلة، وآخرها الوضع المالي والسياسي الصعب الذي تمر به السلطة، فهو جر الفلسطيني نحو القبول بمشروع ينهي القضية من أساسها، على غرار كونفدرالية بين الضفة الغربية مع الأردن، أو دولة لحماس في غزة تابعة لمصر. كل هذا يشرحه عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا في حديث إلى «السفير» على هامش زيارة قصيرة قام بها إلى لبنان.
المصالحة المطولة
ثمة مسلمات ثلاث ضرورية يجب عدم التغاضي عنها، يقول مهنا، أولاها أن إنهاء الانقسام ضرورة وطنية ملحة، «فالمقاومة في حاجة إلى وحدة، ومن يريد أن يفاوض بحاجة أيضاً إلى وحدة». وثانيتها، أنه إذا كان صحيحاً أن فتح وحماس هما أصلاً سبب الانقسام، فإن ليس لديهما القدرة على إنهاء الانقسام وحدهما، والدليل على ذلك ما حصل بعد مؤتمري مكة والدوحة، وحتى بعد اتفاق القاهرة في العام 2011، فهما تعودان دائماً إلى نقطة البداية. أما ثالثتها، فهي، بحسب مهنا، ضرورة «الضغط الجماهيري على الطرفين».
ولكن الهوة بين الحركتين تبدو الآن ضيقة جداً. صحيح أن محمود عباس يتبع سياسة خاطئة منذ اتفاق أوسلو، ولكن حماس أيضاً عدلت عدة خطوات في إطار الصراع مع إسرائيل، وهذا ليس جديداً على الحركة الإسلامية، بحسب مهنا، «فمؤسسها الشيخ أحمد ياسين سبق أن أعلن انه يؤيد مشروع هدنة طويلة لثلاثين سنة، ولكن من دون الاعتراف بإٍسرائيل، كما أن حماس وقعت على وثيقة الوفاق الوطني التي تعترف بمشروع الدولة».
يتأكد ذلك أكثر مع مرور الوقت، فاليوم ومع وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في مصر، تقترب حماس أكثر من سياسة عباس، لأن «الإخوان يريدون الاقتراب من الأميركيين»، حسبما يقول مهنا، وإن كان على حساب القضية الفلسطينية.
ويشير مهنا إلى أن «اتفاق وقف إطلاق النار خلال العدوان على غزة، ليس سوى أبرز دليل على ذلك، فهو تم برعاية أميركية، والأهم من ذلك أن الاتفاق نص على وقف الأعمال العدائية من غزة».
«ليس للإخوان المسلمين مشروع وطني لتحرير فلسطين بل مجرد مشروع دولة إسلامية»، يضيف مهنا، وبالنتيجة، فإن مصر ستعمل على تليين حماس أكثر لإرضاء واشنطن، ومن أجل أن يُقبل «الإخوان المسلمون» في النظامين الإقليمي والدولي. وبالرغم من الأدوار التي تقوم بها بعض الدول العربية، إلا أن المصريين يمسكون وبإحكام بالملف الفلسطيني.
ويرى مهنا أن «أحد أهداف المحور الإقليمي المؤلف من قطر وتركيا ومصر يتمثل في إخراج حماس من المحور المقاوم إلى المحور السنّي الأكثر انسجاماً مع الموقف الأميركي»، لافتاً إلى أن «المساعدات القطرية والتركية المرتفعة جداً في غزة ليست محض صدفة، بل مجرد وسيلة تصب في اتجاه هذا الهدف، وحماس تسير فيه».
ورداً على سؤال حول طموحات رئيس المكتب السياسي خالد مشعل تحديداً، والذي يراه البعض الوجه المعتدل في الحركة خلافاً لقيادة حماس في غزة، يجيب مهنا أن «مشعل يكتفي بالسلطة في غزة، ولكن عينه على منظمة التحرير ويريد دخولها بثقل، لأنه ينظر إليها ككيان مهم يفيد أي قوى سياسية»، مضيفاً أن «أهم أهداف أوسلو كان رأس منظمة التحرير، وقد نجح فعلاً في إضعافها، وجعلها تبدو تابعة للسلطة الفلسطينية، ولكن الأصل هو العكس»، وبالتالي فإن دخول حماس إلى المنظمة سيضعفها أكثر حين يكتشف الفلسطيني غياب المشروع الوطني.
وباختصار، يقول مهنا «حماس تتعنت في موضوع المصالحة، وعباس يعطيها الأسباب لذلك، خصوصاً حين يصر على إجراء الانتخابات». ويرى القيادي الجبهوي أن حماس ترفض ذلك ربما خوفا من النتيجة، فضلاً عن أن لقياداتها مصالح تجارية في السلطة، فهي لا تريد أن تتنازل عن أي سلطة في غزة من دون الحصول على أي مقابل في الضفة، في حين أن «مشروع عباس ليس مقاوماً حتى على الصعيد الديبلوماسي. هكذا يخلص مهنا إلى ان «الحركتين ستجلسان لاقتسام الكعكة فقط، وليس لبناء مشروع وطني».
خطر الكونفدرالية
أما السلطة الفلسطينية، فهي منذ إنشائها ضعيفة. و«قد صممت أصلاً بكافة تفاصيلها لأن تكون تابعة لإسرائيل، من ثم جاء رئيس الحكومة سلام فياض ليتبنى سياسة تنحاز ضد الفقراء، ويتبع سياسياً خطى عباس المتهاونة»، يقول مهنا.
ولكنه يشدد على أن إسرائيل ـ ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بشكل خاص ـ ليست مستعدة أبداً للمشروع السلمي المبني على حل الدولتين، خصوصاً أن إسرائيل تتجه لأن تكون أكثر تطرفاً بعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 22 كانون الثاني الحالي. وبالتالي تتراكم الأزمات الفلسـطينية، وتضعف السلطة أكثر، خصوصاً بعد منع سلطات الاحتلال عائدات الضرائب عنها، ووقف المساعدات الأميركية، وعدم وفاء الدول العربية بوعودها باستثناء الجزائر التي قدمت حوالي 30 مليون دولار.
ومن هنا يتخوف مهنا، من جر الفلسطينيين إلى قبول مشروع يلغي القضية من أساسها. ويشرح أنه «قبل اتفاق أوسلو، واجه الفلسطينيون أزمة اقتصادية خانقة أجبرتهم على القبول بالاتفاق»، مضيفاً أن «الخوف اليوم يكمن في أن تكون الأزمة المالية طريقاً جديداً لفرض مشروع على الفلسطيني، وهو كونفدرالية الضفة الغربية مع الأردن، ودولة في غزة تابعة لمصر، وقد تكون أيضاً حرب غزة أحدى تلك الوسائل».
الجبهة الشعبية حاضرة دائماً
وبالرغم من أن فتح وحماس تسيطران على الساحة السياسية الفلسطينية، إلا أن «الجبهة الشعبية وبالرغم من تراجعها على الصعيدين السياسي والعسكري، تبقى موجودة في وجدان الشعب الفلسطيني وفي غزة تحديداً»، يقول مهنا، خصوصاً أن قياداتها لم تتلوث في زواريب السلطة السياسية وبقيت معروفة باستقامتها.
ويعد مهنا بعض المؤشرات التي تؤكد على أن «الحركة اليسارية الأكبر في العالم العربي» تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية، ففي الانتخابات التشريعية في العام 2006 حصلت على خمسة في المئة من المقاعد، وكانت القوة الثالثة بعد فتح وحماس. وفي الانتخابات النقابية والطلابية، حصلت على حوالي 15 في المئة، أما مؤخراً في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقد رفضت التحالف مع فتح أو حماس، وحصلت على 21 في المئة في إطار تيار ديموقراطي.
ولكن بعكس حركات أخرى، لا تتباهى الجبهة في إنجازاتها، بل أن العمل السري لا يزال يميز عملها، بحسب مهنا، الذي يلفت إلى أن قوات الاحتلال في الفترة الأخيرة ألقت القبض على ثلاث خلايا «جبهاوية» كانت تخطط لاختطاف جنود إسرائيليين. فأعمالها دائماً مبادرات وليست ردود فعل.
المصدر: ربى الحسيني - السفير