«المشروع الوطني الفلسطيني»: حوار بيروتي خارج «شيطنة الآخر»
الجمعة، 29 حزيران، 2012
تذكر جواد الحمد أنه في شبابه ألقى خطاباً في رفاقه وقال إن فلسطين اليوم تمر في أكبر أزمة في تاريخها. سخر أنه مذاك التاريخ استعمل التعبير نفسه مراراً. كأن كل أزمة أكبر من سابقتها. هكذا، نظم «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» حلقة نقاش، أمس، بعنوان «أزمة المشروع الوطني الفلسطيني» في فندق «كورال سويتس» الحمرا. صار التساؤل حول هذا المشروع أمراً ملحاً وفق مدير المركز محسن صالح. يترافق هذا مع «بيئة عربية تغلي. إذ تشهد تغيرات تمس الإنسان والنظام السياسي والفضاء الاستراتيجي. وفلسطين ليست بعيدة من ذلك».
عرضت، في الجلسة الأولى، الفصائل الفلسطينية رؤاها. أدارها نافذ أبو حسنة. مثل «حركة فتح» رفعت شناعة. تحدث عن الدور الريادي للحركة في التأسيس لهذا المشروع. كانت البداية في عمل الجيل المؤسس على تأمين الوحدة والديموقراطية وتداول السلطة. كان هذا، وفقه، قبل «اتفاق أوسلو» وبعده. تمكنت «منظمة التحرير الفلسطينية» من تشكيل سلطة فلسطينية. أعادت أيضاً مئتي ألف إلى فلسطين. هذا هو «المشروع الوطني». لكنه في خطر الآن: إسرائيل وسياساتها الاستيطانية وحماس ومشروعها الانفصال.
رد «حركة حماس» كان حاضراً. مثلها أسامة حمدان. سأل الرجل إذا كان هناك مشروع وطني فلسطيني فعلاً. «أم عدة مشاريع؟». وصف مشروع «حماس» بالوطني. «قبل سنة 1974 كان المشروع الوطني هو التحرير والعودة. صار اليوم صعباً تحديده خاصة بعد الاعتراف بإسرائيل والموافقة على خسارة جزء من الأراضي الفلسطينية».
ينقسم، وفقه، المجتمع الفلسطيني اليوم إلى تيارين. تيار الصلح والتسوية السياسية، وتيار المقاومة. «جمد الأول، أما الثاني فعُطل بشكل جزئي». لكن لا معنى لمشروع وطني فلسطيني «لا يضع إنهاء الاحتلال وتقرير المصير» كأولوية.
مثل ماهر الطاهر «الجبهة الشعبية». لاحظ أن فلسطين «أمام أزمة عميقة منذ أن تحول المشروع من المقاومة إلى التسوية». عمقت «محطة أوسلو» الأزمة. تعتمد القيادات الفلسطينية اليوم على العوامل الخارجية في قراراتها. وفقه هذه مشكلة فلسطين اليوم. «إذ يتم تجاهل إمكانات الشعب». رأى وليد محمد علي، في النقاش الذي تلى تقديم الأوراق، «أننا كنا إزاء بيانات حزبية. يبرر فيها كل تنظيم نفسه». انتقد حلمي موسى شيطنة الفصيل الآخر وتحميله المسؤوليات. يحترف الساسة الفلسطينيون، وفقه، «إعادة إنتاج الأزمة».
قدم حسين أبو النمل، في الجلسة الثانية، «قراءة نقدية تاريخية لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني». أدار الجلسة جواد الحمد. غاب عنها بلال الحسن. قدم محسن صالح ورقة، عوضاً عنه، عن تجربة «منظمة التحرير الفلسطينية». تحدث صالح عن عدم اشتمال المنظمة على كافة القوى السياسية. كما عن تغييب المشاركة الشعبية وتداول السلطة وعدم استيعابها للكفاءات. تناول منير شفيق في ورقته، نقدياً، تجربة السلطة الفلسطينية. أرخ لثلاث مراحل مرت بها هذه السلطة منذ أوسلو حتى اليوم. طالب بإلغاء سلطة رام الله و«اعلان غزة منطقة محررة تدار من قبل الفصائل وممثلي الشعب». ذلك أن هذه السلطة «تعرقل مقاومة الاحتلال. نحن في حاجة إلى قيادة مقاتلة تقود النضال». انتقد، في النقاش، احد المشاركين التركيز الحصري على تجربة السلطة الفلسطينية. رأى فيه تحيزاً غير مبرر.
أدار جلسة النقاش الثالثة جهاد الزين. قدم فيها مجدي حماد ورقة عن تأثير التغيرات في العالم العربي على المصالحة والمشروع الوطني الفلسطيني. استبق ذلك بالحديث عن مغزى الربيع العربي. ركز على دور الشعوب وتغير علاقتها بالحكومات. لم يكن ذلك بعيداً في أثره عن فلسطين. كانت المصالحة الفلسطينية نتيجة للتحول في السياسة الخارجية للثورة. لذا لم يستبعد حصول ربيع فلسطيني. يترافق ذلك مع خريف إسرائيلي بعدما فقدت «الصديق المصري والتركي والشريك الفلسطيني المفاوض». بالإضافة إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها.
تناول أحمد خليفة في ورقته التأثير الإسرائيلي على صناعة القرار الفلسطيني. سأل في البداية إذا كان هناك قرار فلسطيني «وهل هو قرار موحد؟». استخلص من النقاشات السابقة أن فلسطين تفتقد قراراً موحداً. على عكس إسرائيل. تمتلك قراراً في شأن إقامة دولة إسرائيلية «على كامل فلسطين الانتدابية. تمنع كذلك قيام دولة فلسطينية. تفكر دائماً في تهجير من بقي من الفلسطينيين». تؤثر إسرائيل على فلسطين باستعمالها «القوة العارية». تستخدم أيضاً الاقتصاد. «جعلت الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لها، عاجزاً عن إعالة نفسه، معتمداً على الضرائب القليلة والدول المانحة».
تحدث، أخيراً، إبراهيم شرقية عن التأثير الأميركي على صناعة القرار الفلسطيني. وفق شرقية العامل الدولي مهم جداً. «لا يجب أن ننسى أن المسألة الفلسطينية تشكلت دولياً». عرض لآليات صناعة القرار الأميركي وأثر المؤسسات السياسية غير الرسمية. تحدث عن توافق إعلامي على تبني الرواية الإسرائيلية. عدا دور اللوبي والأحزاب السياسية والرأي العام ومراكز البحوث. تحتكر أيضاً، وفقه، السياسة الأميركية «المرجعيات التفاوضية». وقد أثرت بنيوياً في فلسطين من خلال «إيجاد مؤسسات سلطة فلسطينية قابلة للحياة من خلال الدعم المالي الدولي فحسب». طالب، تالياً، بالاستفادة من حالة الانفراج السياسي في موازين القوى العالمية وتفعيل المؤسسات السياسية الفلسطينية.
المصدر: عاصم بدر الدين - السفير