النهار: هل يمهِّد
اغتيال «الفتحاوي» طلال الأردني لسيطرة المتشدّدين على عين الحلوة؟

الإثنين، 27 تموز، 2015
في سياق مشروعها لإحكام
سيطرتها الأمنية على مخيم عين الحلوة، أكبر التجمعات الفلسطينية في لبنان، مستخدمة
كل الامكانات والوسائل المتوافرة لديها، وجهت القوى المتشددة في المخيم المحسوبة على
"جند الشام" و"فتح الاسلام" و"القاعدة" و"جبهة
النصرة" و"داعش" المنضوية تحت اسم "الشباب المسلم" ضربة موجعة
باغتيال أبرز خصومها في المخيم قائد "كتيبة شهداء شاتيلا" في حركة
"فتح" العقيد طلال البلاونة (51 عاماً) المعروف باسم طلال الأردني، واغتيال
مرافقه ابن شقيقه طلال بسام البلاونة (30 عاماً).
اغتيال الاردني في وضح النهار
لم يشكل أي مفاجئة لغالبية القوى والقيادات الفلسطينية على اختلافها، باعتبار أنه ظلّ
محسوباً على قائد الكفاح المسلح الفلسطيني السابق محمود عبد الحميد عيسى (اللينو) على
الرغم من فصله من حركة "فتح" وتجريده من كل صلاحياته من دون أن يتخلى
"اللينو" عن انتمائه الى "فتح" وإعلانه عن تشكيل تيار اصلاحي فيها،
وكما كان "اللينو"، ظل الاردني يشكل رأس حربة في مواجهة العناصر الاسلامية
المتشددة، وسبق له أن نجا مرات من الموت ومحاولات الاغتيال، ولا سيما أن كتيبته المسلحة
تتوزع مراكزها ومواقعها على تماس مع الاحياء التي فيها العناصر الاسلامية، وكان بينهما
صولات وجولات من الاشتبكات المسلحة وعمليات القتل المتبادلة. ويعتبر اغتيال الاردني
رسالة مباشرة الى "اللينو" الذي يسعى لتجميع القوى المناهضة للمتشددين.
ولم يكن مفاجئاً اغتيال
الاردني، اذ سبق للمسؤول المتشدد والاكثر شراسة بلال بدر أن توعد علناً وأقسم اليمين
بقتل الاردني بيديه، ويبدو من خلال الاطلاع على أشرطة الكاميرات المثبتة في مكان الاغتيال
أن بدر هو فعلاً من نفّذ عملية القتل مع عنصرين كانا برفقته على دراجتين ناريتين.
أما المفاجئة التي أبدتها
بعض القيادات الفلسطينية فتمثلت في عدم قيام حركة "فتح" والقوة الأمنية الفلسطينية
المشتركة بتحمل مسؤولياتها وملاحقة القتلة فوراً. وكان لافتاً لديها قرار حركة
"فتح" ابلاغ جميع عناصرها بعدم اطلاق أي رصاصة وانتظار نتائج التحقيق. وكان
واضحاً أن إطلاق النار ورصاص القنص الذي جرى بعد ساعات على جريمة الاغتيال حصل بعد
منتصف الليل وبعد عودة "اللينو" الى المخيم قاطعاً زيارة لمصر.
ورأت مصادر فلسطينية أنه
في ظل ما تبديه قيادة حركة "فتح" من عجز في حماية مسؤوليها وكوادرها وعناصرها
الذين يغتالون ويصفّون لاسباب باتت معروفة، فإن "اللينو" وعناصره المسلحة
والمتعاطفة معه في فتح لن يسكتوا عن اغتيال الاردني الذي كان يشكل العصب الرئيسي لحركته
الاصلاحية ويوفر له مظلة أمنية واقية، وعلى هذا الاساس أبدت المصادر خشيتها من انفجار
كبير داخل عين الحلوة لا يمكن التكهن بنتائجه المدمرة على المخيم والجوار أيضاً.
وأظهرت التحقيقات الأولية
أن الاغتيال حصل قرابة الأولى والنصف بعد ظهر السبت الفائت، اذ بعد خروج الاردني من
مركزه في الشارع الفوقاني المدخل الجنوبي للمخيم الى منزله سيراً، ومعه مرافقان، تقدمت
دراجتان ناريتان من خلفهما اثنان على دراجة وواحد على أخرى، وكانوا جميعاً يضعون على
رؤوسهم القبعات ويغطون عيونهم بنظارات شمسية، ولدى وصولهما الى مسافة قريبة من الاردني
ومرافقيه، ترجل عنصران عن الدراجتين، ومن مسافة قريبة وبطريقة الغدر، اطلق احدهما النار
على المرافق الذي يسير خلف الاردني وأرداه. وفي الوقت نفسه أطلق الآخر النار ايضاً
من مسافة قريبة على الاردني وأرداه واستمر باطلاق النار عليه وهو يقف فوقه، فيما تمكن
المرافق الأول فيصل خميس من النجاة، وتردد أنه اصيب أيضا وتمكن من الاحتماء.
وسادت المخيم حال من الذعر
وسط استنفار للمسلحين واطلاق نار وقنابل يدوية أسفرت عن إصابة مدنيين وحال نزوح من
مكان الجريمة، وترددت معلومات عن مغادرة بلال بدر منزله في حي الطيري خشية مهاجمته.
وعقدت القوى والفصائل اجتماعات
مفتوحة لتهدئة الوضع، واكتفت قيادة حركة فتح باصدار بيان اتهمت فيه "عناصر مشبوهة
ومعروفة بارتكابها الجرائم في اطار مسلسل دموي يستهدف أمن المخيم ومستقبله". وطالبت
"بملاحقة المجرمين مُنفّذي عملية الاغتيال وتسليمهم للقضاء اللبناني".
وأصدرت قيادة "الفصائل
والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية" بياناً اعتبرت فيه أن "الجريمة يراد
منها تفجير المخيم من الداخل وتنفيذ مخطط التهجير وشطب حق العودة الذي لا يخدم إلا
العدو الصهيوني". وأكدت "ضرورة متابعة التحقيق في هذه الجريمة وكشف المجرمين
وتسليمهم الى القضاء اللبناني، وتعزيز دور القوة الأمنية المشتركة في المخيم".
واتصلت النائبة بهية الحريري
بقيادات فلسطينية لتهدئة الوضع. وكان الامين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري"
أسامة سعد أبدى قبل يوم واحد من الحادثة قلقه من تفجير الوضع الأمني داخل المخيم.
وأكد المسؤول عن القوة الأمنية
المشتركة في مخيمات لبنان منير المقدح أن "منفّذي الهجوم من داخل المخيم لأنه
من الصعب لأي شخص من الخارج أن يدخله أو يخرج منه الا بعد المرور على نقاط التفتيش
التابعة لقوات الأمن الوطني الفلسطيني". وأشار الى أن "أحداً لم يعتقل حتى
الآن، ولدى ثبوت ضلوع أي شخص سيتم رفع الغطاء عنه واعتقاله فوراً لتسليمه ومحاكمته،
والساعات القليلة ستكشف النتائج".
وشدد على أن "الفصائل
لن تسمح بعودة الخلافات الى داخل المخيم وأن الهدف من الاغتيال إعادة خلط الأوراق وإرباك
الوضع الفلسطيني".
المصدر: النهار