القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 24 حزيران 2025

تحذيرات لبنانية من انفجار الأوضاع في «عاصمة الشتات الفلسطيني»

تحذيرات لبنانية من انفجار الأوضاع في «عاصمة الشتات الفلسطيني»


الخميس، 16 آذار، 2017

بعد تجدد الاشتباكات الداخلية وارتفاع وتيرتها بين عدد من الأطراف خلال الأيام الأخيرة من فبراير الماضي، ما أسفر عن مقتل اثنين من الفلسطينيين وإصابة آخرين، خصص مركز «الزيتونة» اللبناني للدراسات والاستشارات، المتخصص بالشأن الفلسطيني، تقريره الاستراتيجي لشهر مارس لمناقشة تردي الأوضاع في مخيم عين الحلوة.

الاشتباكات في موجتها الأخيرة أسفرت أيضًا عن خسائر كبرى المباني السكنية والمحلات التجارية والسيارات، وأنابيب المياه والكهرباء، مما أدى إلى توقف المدارس والمراكز الصحية وأعمال وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا».

ووصل صدى الاشتباكات إلى مدينة صيدا المتاخمة للمخيم بجنوب لبنان، بسبب وصول الرصاص والقذائف الصاروخية إليها، فأضرب أهلها احتجاجًا ورأى الشيخ اللبناني عفيف النابلسي أن الاقتتال يوفر سبيلًا «لتفجير لبنانة من بوابة المخيمات الفلسطينية».

وتناول المركز الموقع الحيوي للمخيم، بين مناطق سنية وشيعية ومسيحية بلبنان، قرابة مناطق الاكتشافات البترولية على ساحل البحر المتوسط، ويضم نحو 70 ألف نسمة في 2 كيلومتر مربع فقط. وتبعًا لكونه أكبر المخيمات الفلسطينية في دول اللجوء واعتباره «عاصمة الشتات»، يُعتبر ساحة للصراع بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» والفصائل الفلسطينية الإسلامية ومنها فصائل متطرفة.

وشكلت تلك البيئة، المتضافرة مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسكنية المتردية، مناخًا ملائمًا لانتعاش تنظيم داعش الإرهابي في المخيم خلال العامين الماضيين، حيث حاول التنظيم إنشاء نواة إمارة له في عين الحلوة من خلال تنظيم «عصبة المهاجرين والأنصار في بلاد الشام»، قبل أن يتم القبض على أميره عماد ياسين وكشف المخططات الإرهابية للتنظيم في أكتوبر 2016.

وتزداد المشاكل في ظل وجود مطلوبين أمنيًا داخل مخيم عين الحلوة، وفي الوقت نفسه تتعامل الإدارة اللبنانية مع المخيمات بحذر شديد وترفض التدخل الأمني بها، لا سيما أن التدخل قد يعتبره البعض هجومًا من الشيعة على السنة، لذا يتجنب الرئيس اللبناني ميشال عون التعامل مع المخيم كبؤرة إرهابية ويكتفي بوجود قوات الأمن خارج المخيم؛ كما أشار نضال حمادة الباحث اللبناني بشئون الجماعات الإسلامية في تصريح سابق لـ «اليوم الجديد».

واعتبر تقرير «الزيتونة» أن جهات دولية ترغب في أن يظل المخيم ساحة للصراع و«تصفية الحسابات»، وإيواء عناصر مطلوبة أمنيًا، مدللًا على ذلك على اشتعال أزمة التفجيرات والاغتيالات في المخيم عقب اغتيال رفيق الحريري في 2005، رغم الهدوء في بقية المناطق اللبنانية.

يعاني المخيم حالة من تجاهل جميع السلطات له، ما بين سلطة لبنانية متخوفة وسلطات فلسطينية تتصارع لفرض سطوتها عليه، لذا حاول المركز طرح سيناريوهات متوقعة بمصير الصراعات المشتعلة في عين الحلوة.

وفي هذا السياق استبعد المركز بسط الجيش اللبناني سيطرته على المخيم، حيث يحتاج الأمر إلى موافقات فلسطينية وإقليمية ودولية لبسط سيطرة الجيش داخل المخيم بالتفاهم أو بالقوة، ويُضاف إلى ذلك حساسية الملف الفلسطيني وخشية الدولة اللبنانية من ظهور مشاريع تهدف إلى توطين دائم للاجئين، وهو ما لا يرضيهم لكونه يحرمهم من حق العودة إلى الوطن، ولا يرضي لبنان الذي لا يرغب في تحمل مسئوليتهم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

وبرغم انطلاق مبادرة موحدة من الفصائل الفلسطينية لمنع العنف، قبل 3 سنوات من الآن، وتشكيل لجنة أمنية خاصة من 250 عنصر من لاجئي عين الحلوة، إلا أن العنف لم ينتهِ حتى اليوم وشهد موجات من التصاعد الخطر، ولم تفلح محاولات إنهاء الصراعات المسلحة وظاهرة لجوء المطلوبين أمنيًا إلى المخيم؛ وهو ما جعل مركز «الزيتونة» يستبعد ظهور موقف فلسطيني قوي يُنهي الأزمة.

هكذا لم يتبقَّ سوى توقع أخير صادم هو استمرار أزمة المخيم خلال المستقبل القريب، وهو ما لا يعني مجرد استمرار المعاناة الإنسانية من انقسام سياسي واقتتال، وإنما الإساءة إلى القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني قي دول اللجوء أيضًا، فيما يبقى أمل الفلسطينيين اللاجئين معلقًا بنجاحهم في تحييد المخيم عن الصراعات الطائفية والإقليمية وتعقيدات الأزمة السورية.

وأوصى تقرير المركز بتخفيف الإجراءات الأمنية في محيط مخيم عين الحلوة، من الجيش اللبناني والقوات الدولية المؤقتة الموجودة في الجنوب اللبناني «اليونيفيل»، والاعتماد على قوة فلسطينية تضمن أمن المخيم.

«اليوم الجديد» ناقشت آخر تطورات الوضع في المخيم مع ياسر علي، ناشط فلسطيني في لبنان، والذي أوضح أن الاشتباكات غذتها جهات من خارج المخيم، لا سيما أن معظم الاشتباكات التي تحدث تنتهي دون الاقتصاص من أحد. واستمرت آخر موجات الاشتباكات ليومين أو ثلاثة ثم توقفت منذ عدة أيام مضت، مشيرًا إلى أن الأوضاع المضطربة باستمرار في عين الحلوة - منذ ما قبل الاشتباكات الأخيرة - دفعت الجيش اللبناني إلى إغلاق ممرات المخيم، عدا المداخل التي يتواجد بها ويقيم فيها حواجز التفتيش.

وتابع علي: «الأمن في المخيم هذه الأيام هش، لأن أحد أهم الأطراف الرئيسيين انسحب من لجنة المبادرة واللجان الأمنية، وهو حركة فتح، فضلًا عما بداخل اللجان نفسها من تيارات متناقضة، مما يجعل إمكانية الانفجار مرة أخرى واردة وبقوة. لكننا نأمل خيرًا حيث جرى منذ أيام التوافق من جديد على عودة فتح إلى اللجان».

ومن جانبه أشار حسان القطب، مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، إلى أن مشكلة الصراعات الداخلية لا تقتصر على مخيم عين الحلوة فحسب، بل تمتد إلى مخيمات أخرى مثل برج البراجنة الذي شعد صراعات بين عائلة فلسطينية وأخرى لبنانية شيعية قبل أيام، ولم تتوقف إلا بتدخل الجيش اللبناني وحزب الله وحركة أفواج المقاومة اللبنانية «أمل» والفصائل الفلسطينية وحركتي فتح والمقاومة الإسلامية «حماس».

وأكد لـ «اليوم الجديد»: «القيادة السياسية للفصائل الفلسطينية في لبنان غير قادرة على تقديم مرجعية فاعلية على الساحة الفلسطينية بلبنان، نتيجة الانقسام السياسي بين مكوناتها المتعددة، ويُعتبر الوضع في عين الحلوة – والذي يشكل العقدة الأساسية للصراع – النموذج الأوضح لذلك، كما تتحمل السلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية مسئولية عدم رسم علاقات واضحة مع القوى الفلسطينية، أو رعية الشأن الفلسطيني اجتماعيًا واقتصاديًا كما يجب».

وأضاف القطب أن علاج الانقسام العميق بين المكونات الفلسطينية يتطلب خطة متكاملة، تشمل التنمكية الاجتماعية وحل أزمة المطلوبين الفلسطينيين للدولة اللبنانية، ووضع خطة سياسية للشأن الفلسطيني – وهو البند الذي اعتبر تحقيقه شبه مستحيل.

وفيما يتعلق بفشل الجهود الفلسطينية في حل أزمة الاقتتال، رغم نجاحها في تحييد المخيم عن الصراعات الإقليمية، أوضح مدير المركز اللبناني: «الاقتتال الداخلي يعود إلى تدخلات أمنية ورغبة في الهيمنة على القرار السياسي الفلسطيني، أما تجنب الانخراط في الصراعات اللبنانية فيعود إلى الطبيعة السياسية لهذه الصراعات، حيث لا يوجد فريق مسلح سوى حزب الله، وهو ما يشكل ضمانة لعدم انخراط اللبنانيين والفلسطينيين في أي صراع مسلح أو انحيازهم لأي فريق».

ورغم ذلك، رأى القطب أن الحل في المخيمات يرتبط على الأرجح بإيجاد حلول للنزاعات في المنطقة، نظرًا لانعكاس ما تمر به من مخاض عسير على وضع المخيمات، ممثلًا في تهجير الفلسطينيين من العراق وسوريا بسبب الصراعات في البلدين، وهو ما يفجر أزمة في مسألة اللاجئين في المنطقة كلها وليس في لبنان فقط.

وتابع مؤكدًا على الحاجة إلى تثبيت سلطة الدولة اللبنانية على سائر أراضيها، بما يشكل المدخل الحقيقي والموضوعي بوقف الصراعات والانتقال إلى مرحلة المصالحة والبناء، لافتًا إلى أن وضع حل الدولتين على قائمة التفاوض الجدي وضمان حق العودة للاجئين هو المقدمة الموضوعية لتثبيت التهدئة وبناء الثقة.

ويتفق هذا الرأي مع عدد من الآراء التي تناولت أزمة عين الحلوة، حيث استطرد القطب: «كما نرى، فإن تأخير التفاوض وتسعير عمليات التهجير يزيد من شكوك الفلسطينيين في الشتات والمخيمات حول إمكانية الوصول إلى حل لأزمتهم، وينزع الثقة عن السلطة العاجزة للرئيس محمود عباس، مما يزيد مستوى الاحتقان ويعزز خطاب التطرف، ويغذي الانقسام والصراع الداخلي».

المصدر: وكالات