القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

حكاية جاروشة الحاجة مريم العيسى ورحلة العذاب اثناء النكبة

حكاية جاروشة الحاجة مريم العيسى ورحلة العذاب اثناء النكبة


الأربعاء، 10 أيار، 2017
رشا ابراهيم، لاجئ نت

69 عاماً ومازالت الذاكرة حبلى بذكريات النكبة وحب فلسطين.. إحكيلي إحكيلي عّن بلدي إحكيلي يا نسيم الي مارق عالشجرة مقابيلي عّن بيتي حكاية عّن اهلي حكاية... لسان حال كل شاب فلسطيني يلتقي بمسن هجر اثناء نكبة عام 1948.

تخبرنا الثمانينية مريم العيسى من قرية الخالصة حكاية جاروشتها التي منها استطاعت تعليم ابناءها الأيتام. تحدثنا والدموع في عينيها كأنها هجرت الان من قريتها مشيرة الى (جاروشتها)، هذا كل ما تبقى من بيتي للذكرى.

تصف الحاجة مريم قريتها قبيل طاعون الاحتلال قائلة: كنا نعيش في الخالصة زوجي كان يعمل مزارعاً في بستاننا تدعى (الجفتلك)، وكنت قد ورثت عّن أبي ميزان للذهب يأتون إلينا من الجولان وقرى لبنان لشراء المحاصيل ووزن الذهب.

بدأنا نسمع بالمجازر في القرى المجاورة والفظائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وعندما كثر الخراف (الكلام) عّن إقتراب اليهود من قريتنا قرر زوجي

الخروج الى لبنان ولكن أصر قبل الرحيل إتمام زراعة فسلات التفاح أملاً ان يجدها قد نمت قليلا بعد ان يرجع.

خرجت انا وزوجي وخمسة اطفال وكنت حاملا في شهري السادس برفقة امي وحماتي العاجزة التي حملتها على رأسي.

تركت ورائي كل شيء سعري بسعر (مثل ) ٥٠٠ الف فلسطيني معتقدين اننا سنعود في حزيران دشرت (تركت) وراي فرشات الصوف وتنكات الزيت وصندوق حديدي دفنته تحت شجرة الخوخ فيه ذهبي واربعين ليرة ذهب مهري لاني ابنة مختار الخالصة، خزن مليانة شراش(ملابس ) وطلعنا بالاواعي يلي علينا حتى في نسوان (نساء) نسيوا أطفالهن من شدة الرعب الذي ملىء قلوب قرى صفد خوفاً من هتك الاعراض والتعذيب.

وعندما وصلنا الى مرجعيون تذكرت اني قد نسيت (الجاروشة) عدت مسرعة الى الخالصة لاحضارها حتى أستطيع تحضير الطعام لأبنائي.

أكملنا بعدها الى دير ميماس كانت حرارة الشمس عالية فتوفيت والدتي ودفنت هناك.

سمعنا بعدها ان الوكالة تعطي خياما في عين الحلوة فتوجهت وعائلتي الى هناك وكنت مع أوائل من سكنوا فيه حيث عمل زوجي معهم في نصب الخيم مقابل الحصول على رطل من الطحين، لم يتحمل زوجي معاناة النكبة توفي بسكتة قلبية وهو يردد: الموت مر والشرادة فضيحة.

استدركت ألكلام وهي تُمسح الدموع عّن تجاعيد وجهها الذي ارتسم عليه بقايا وطن وحسرة كبيرة.

استبدلت الخيام ببيوت من حجر والله ما طلعنا من دورنا الا بس لنحافظ على اعراضنا مش خوف من الموت ولا انا شو بدي بهاض(هذا) البيت شو بيجي قدام بيتي بفلسطين، بعد وفاة زوجي تركني وستة ايتام أصغرهم طفلة مازالت ترضع ووالدته دون معيل، فاستثمرت الجاروشة لتحصيل رزق ابنائي فكنت اقوم بتأجيرها للنسوة لصنع المونة البلدية حيث يحولن السميد المنقوع باللبن الى كشك بعد طحنه على جاروشتي كما كنّ يطحن الحبوب والسماق.

والنساء تنتظر دورها وهن يغنين يا ظريف الطول وقف تقولك رايح عالغربة وبلادك احسلك فيغطي صوت نواح النساء على صوت هدير المطحنة ويمتزج الطحين بالدموع، واستطعت ان اعلم ابنائي في الولايات المتحدة بفضل الأجر الذي كنت اتقاضاه منهن.

والآن احفاد احفاد (بيتخانقوا عليها) مين بدو يورثها بعد موتي وهذا يدل ان صغارنا لم ولن ينسوا فلسطين بعد موتنا.

ففي كل عام يحي الفلسطينين ذكرى النكبة وما حل بهم من شتات ومآسي لتبقى الذاكرة غضة طرية بحب فلسطين، يريدون ارضنا فارغة منا، من نرجسنا، من زيتوننا، من لغتنا، من حلم العودة، يريدوننا شعبا بلا هوية وبلا أرض وبلا ملامح وبلا وطن فخلقت اجيال متمسكة اكثر وأكثر بحق العودة.