القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 28 كانون الأول 2025

«حماس» لمبادرة تحمي العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية.. هل يُطرد المطلوبون من المخيمات؟

«حماس» لمبادرة تحمي العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية.. هل يُطرد المطلوبون من المخيمات؟


الأربعاء، 12 آذار، 2014

كلما غيّمت في بيروت.. أمطرت في المخيمات الفلسطينية. إذا كان الانتحاري فلسطينياً فإن كل الفلسطينيين يصبحون تحت الشبهة. العنصرية اللبنانية بخير. لا تميز بين مطلوب بتهم الإرهاب مختبئ في المخيم، وأبناء المخيم الذين يعيشون تحت الحصار الأمني والمعيشي والذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحصل في مخيمهم. ما جرى مؤخراً من أفعال انتقامية بحق أهل الانتحاريين اللذين فجرا نفسيهما في الضاحية وبئر حسن، دق ناقوس الخطر من إمكان تصاعد وتيرة الحوادث الأمنية بين الطرفين الفلسطيني واللبناني، خاصة أن أخبار الحوادث المتفرقة على أبواب المخيمات لم تنقطع يوماً.

حتى الآن، من حسن الحظ أن الانتحاريين لم يخرجوا من أحد المخيمات، إلا أن ذلك لا يعني أن الخطر قد زال. لا أحد يبدو مستعداً لتصور أي سيناريو يورّط هذه المخيمات في صراع مباشر مع محيطها، ولهذا فإن الجميع صار متيقناً أنه لا بد من إطفاء الجمر المشتعل تحت الرماد قبل أن يحرق كل ما بُني خلال سنوات طويلة من العلاقات المشتركة اللبنانية الفلسطينية.

مخيم نهر البارد لا يزال في الأذهان. ست سنوات لم تكن كافية لإعادة إعمار المخيم وإقفال ملف نزوح أبنائه إلى خارجه. يعرف أهل مخيم عين الحلوة تحديداً أن انفلات الأمور بين أهله واللبنانيين قد تكون عواقبه كارثية. اللبنانيون، ولا سيما الجيش و«حزب الله» و«حركة أمل»، ليسوا أقل قلقاً من الفلسطينيين، فالدخول في صراع مسلح مع أي مخيم قد يجر البلد كله إلى حرب لا أحد يتمناها.

كل تلك المخاوف تستدعي تضامناً وتعاوناً لبنانياً - فلسطينياً يقي البلد شر الدخول في حرب قاتلة. أول الغيث الكف عن توظيف الفلسطينيين في الصراعات المحلية والإقليمية والكف عن اعتبارهم جيش السنة حيناً وذخيرة المقاومة حيناً آخر. بين التوظيف والتوظيف المضاد ثمة خطاب مقلق بدأ يُسمع صداه في البيئات المقاومة، هناك يُسمع كلام عن التمييز بين فلسطين والفلسطينيين حيناً، فيما البعض لا يتردد، تحت وابل الشرخ السوري، في الكفر بقضية فلسطين برمّتها أحياناً.

ولأنه لا بد أن يأخذ أحد المبادرة، فقد علمت «السفير» أن حركة «حماس» بدأت مؤخراً التحضير لمبادرة جدية تأمل أن تؤدي في النهاية إلى «قرارات استثنائية لم تؤخذ في السابق»، كما يقول المسؤول السياسي لحماس في بيروت رأفت مرة.

يتوقع أن تبدأ الحركة التنسيق مع الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية لإنضاج المبادرة وإعطائها غطاء فلسطينياً شاملاً، ليصار بعدها إلى مناقشتها مع الجهات اللبنانية الرسمية والحزبية. حتى الآن، لا تزال «حماس» متحفظة على ذكر تفاصيل المبادرة، مفضلة مناقشتها بداية مع الأطراف المعنية، إلا أن عناوينها الرئيسية تتركز على حماية العلاقات اللبنانية الفلسطينية من الفتنة والاحتراب والتحريض، إبعاد الوجود الفلسطيني عن الأزمات الإقليمية. وقبل هذه وتلك، المطلوب أن تساهم المبادرة في تنفيس الاحتقان الذي وصل إلى حد من السوء لم تشهده العلاقات المشتركة منذ الحرب الأهلية، وهو ما يستدعي قرارات جريئة من الفلسطينيين واللبنانيين.

لا أحد يشك في أن كل ما يجري من توترات هو من تداعيات الحرب السورية المستعرة منذ ثلاث سنوات. وبالرغم من أن أياً من الفصائل الفلسطينية لم يشارك رسمياً في الحرب السورية، إلا أن الجميع يدرك أن عدداً لا بأس به من الشبان قد غادر إلى سوريا للقتال مع التنظيمات المتشددة، فيما لا يعرف كم منهم مستعد للعودة إلى لبنان وتنفيذ أعمال إرهابية، تطال في تداعياتها الفلسطينيين قبل اللبنانيين.

لم تعد المخيمات تحتمل وجود مطلوبين في أرجائها، كما لم تعد تحتمل وجود ما يسمى بالبيئات الحاضنة لهؤلاء. ولأن حماس تحظى باحترام معظم التنظيمات الإسلامية والإسلاميين في المخيم، فإنها أكثر القادرين على لعب دور في هذا المجال. هي أيضاً تطمح لدور يعيدها إلى السكة السابقة في العلاقة مع محور المقاومة. وبعد أن ساهم موقفها من الأزمة السورية في توتر علاقتها مع إيران و«حزب الله»، يبدو أن التطورات الإقليمية، ولا سيما في مصر وسوريا، قد ساهمت في رأب الصدع بين الحركة من جهة و«حزب الله» وإيران من جهة أخرى، فيما كل المعطيات تشير إلى أن العلاقة مع النظام السوري لن تبقى على جمودها. وإذا كان السعي إلى حل أزمة مخيم اليرموك قد ساهم في تواصل الحركة مع النظام، فإن الأكيد أن «حماس» صارت جاهزة لتطوير العلاقات السياسية مع النظام، انطلاقاً من ثابتة رفض الاستخدام، خاصة أن موقفها الداعي سابقاً إلى حل سياسي للأزمة السورية لم يعد في الوقت الحالي يشكل حساسية لأحد بعدما اقتنع الجميع بأنه أفضل الحلول.

ليس المطلوب مبادرات شكلية ولقاءات إعلامية تؤكد وحدة المسار والمصير بين اللبنانيين والفلسطينيين، صار المطلوب «تنازلات مؤلمة». لهذا، فإن المبادرة، إذا ما اتفق على خطوطها العريضة، ستنتقل إلى مرحلة التنفيذ الأكثر حساسية ودقة. عندها سيتم البحث بإزالة عناصر التوتر الموجودة في عين الحلوة تحديداً، ولا سيما منها المطلوبين المتوارين والمخططين للعمليات الأمنية. سيكون من يحميهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تحمّل مسؤولية وضع المخيم كله تحت خطر الفتنة والحرب، وإما رفع الغطاء عن المطلوبين للسلطات اللبنانية. الاتفاق لن يلحظ تسليمهم بالضرورة، إلا أن إبعادهم عن لبنان قد يشكل حلاً مناسباً لمختلف الأطراف.

المصدر: إيلي الفرزلي - السفير