رمضان عين الحلوة:
طلاء الجدران والزينة الرمضانية.. تخفي أوجاع الناس وفقرهم
.jpg)
الأحد، 10 حزيران، 2018
تخفي الألوان الزاهية
التي طليت على جدران بعض الحارات والأحياء الصغيرة في مخيم عين الحلوة في شهر رمضان
المبارك، أوجاع الناس ومعاناتهم داخل المنازل المتلاصقة والضيقة، فعلى كل جدار لون،
وخلفه، داخل كل منزل، حكاية تختلف عن الأخرى، لكنها تلتقي معها في الفقر والعوز، ثمة
معادلة لا تنفصل بين حب الالوان والحياة وبين النكبة واللجوء يخرقها الآمال المعقودة
على تحقيق حلم العودة مهما طال زمن اللجوء والاقامة المؤقتة.
يحاول أبناء مخيم
عين الحلوة كما غيرهم من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان إخفاء معاناتهم، بطلاء
الجدران بألوان زاهية حينا وبرفع الزينة المصحوبة بالاضواء في الشوارع الرئيسية و"سوق
الخضر" حينا آخر، لم يسعفهم كثيرا التقنين القاسي في التيار الكهرباء والمضاعف،
في شهر رمضان تتبدل حياتهم، يجدون بين الفجر والغروب من يعاني مثلهم من الجوع والعطش،
فيما يبقى هاجسهم الاكبر "الامن الهش" الذي يؤرق يومياتهم، هذا العام لم
يعكر صفوه أي حادث أمني كما حصل في السنوات الأخيرة، علما ان جراح اشتباك "حي
الطيرة" ما زال ماثلة الى اليوم، وتجري ورشة اعادة البناء والترميم منذ أسابيع
بهبة يابانية قيمتها 3 ملايين دولار اميركي، اعادت بارقة الامل اليهم بعد نزوح قسري
دام اشهرا، لكنّ إعادة البناء والترميم يحتاجان إلى وقت طويل، ونزوح هؤلاء يؤثّر سلباً
على حركة الشراء والبيع، لا سيّما في رمضان، فيما يترنح سوق الخضار العصب الرئيسي لدورة
الحياة بين الحركة الخجولة والجمود ما دفع تجاره الى اطلاق مبادرة لاعادة الحيوية اليه
وكسر هاجس الخوف.
حيثما تجولت في الشوارع
والاحياء والاسواق، تسمع شكوى الناس من هذا الوضع البائس، نتيجة البطالة المتفشية،
وقلَة الموارد المادية، حيث يؤكد غسان قاسم وهو صاحب عربة لبيع الخضار في السوق
"أن "ظروف المعيشة في مخيمنا صعبة، وتزداد صعوبة بالشهر الفضيل، بسبب غلاء
المواد الغذائية واللحوم بأنواعها منذ بداية الشهر الفضيل، وفي ظل الفقر والعوز وانعدام
فرص العمل"، قبل ان يردف "الناس هنا لا تستلم، تتحدى الواقع الصعب، لتنهض
بالحياة من جديد".
وقاسم أب لأربعة
شباب عاطلين عن العمل، ويعاني من مرض بالكلى، يؤكد "لا استطيع توفير ثمن العلاج،
وليس لي أي مردود آخر إلا العربة التي أبيع عليها بشكل يومي، وكل ما أجنيه من الصباح
حتى المساء يتراوح بين عشرة إلى خمسة عشر ألف ليرة لبنانية، وهذا المبلغ غير كافٍ،
وبالكاد يسد رمق العائلة في تأمين ثمن "طبخة اليوم"، والجميع يعلم حجم الغلاء
المعيشي في لبنان، ونعيش كسائر السكان في المخيم كل يوم بيومه".
ركود وشكوى
ما يميز المخيم في
هذه الأيام، في العشر الاواخر من رمضان، انه بدأ يستعيد حركته بإضطراد، كانت في بدايته
خجولة، اثارت القلق لدى التجار واصحاب المحال من إستمرارها حتى نهايته، ويؤكد التجار
أن أسباب ركود الحركة تعود الى البطالة التي تؤثر سلبا على أوضاع الناس الاقتصادية
وليس رفع الاسعار، نزوح سكان المخيّم منه في فترات سابقة بسبب الأحداث الأمنية، تشديد
الإجراءت الأمنية عند حواجز الجيش اللبناني عند مداخله، ما يدفع الفلسطيني المقيم خارج
المخيم واللبناني الذي اعتاد على التبضع منه عدم الدخول اليه لشراء ما يحتاج إليه وبأسعار
أرخص وأقل، ناهيك عن أن عددا كبيرا من النازحين الذين كانوا يسكنون في المخيّم هاجروا
إلى دول أوروبية.
بينما يؤكد صاحب
احدى المحال التجارية محمود عويد، "كانت محلاتنا في شهر رمضان تعج بأبناء المخيم
والوافدين من خارجه من اشقائنا اللبنانيين في التعمير والفيلات وصيدا القديمة والمية
ومية ودرب السيم والجوار، الان تغير الحال وبالكاد يأتي الينا أبناء المخيم، اننا ندعو
الله ان يهدي البال وتعود الحركة الى سابق عهدها".
في السوق تصدح أصوات
الباعة مضاف اليها النداء على العصير بأنواعه المختلفة، جزر، فريز، برتقال، توت، سوس
جلاب وتمر هندي، طافىء ظمأ الصائم في رمضان والحلوى التي تسند الجوع نهارا، ويقول علي
حجير: "للأسف حتى اليوم ما زال الاهتمام بالحدث الامني المؤسف يتقدم على مظاهر
شهر رمضان في المخيم، والمطلوب اعادة الحياة الى دورتها الطبيعية، فهذا الشهر الفضيل
لا يأتي الا مرة في العام، واذا مضى دون ان نستفيد منه خسرنا الكثير.
عادة وعبادة
وسط معادلة كل شيء
قابل للتغيير التي تضبط ايقاع الوقت ويعيش على وقعها ابناء المخيم، يحافظ هؤلاء على
عباداتهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية، تمتلأ المساجد بالمصلين وخاصة في الليل لاداء
صلاتي العشاء والتراويح واحيانا قيام الليل ويغادرونه وهم مشروحي الصدر بعد الدعاء
بالعودة الى ديارهم فلسطين، امام شبابه فينصرف بعضهم الى العمل وبعضهم الاخر الى التطوع
في نشر المعرفة وتوزيع ملصقات عن اهمية الشهر الفضيل بعدما توقف الكثير من عن التسحير
التطوعي خشية من الوضع الامني، واطفاله يعبرون عن فرحتهم على طريقتهم الخاصة، باجراء
بالمشاركة في المسابقات التي تقام وتتنوع بين الدين وتاريخ فلسطيين او باللهو بالمفرقعات،
بينما النساء تفرغ وقتها بين الطاعة والعبادة واعداد الطعام رغم بساطتها الا انها تجمع
العائلة على صحن واحد في وقت موحد.
في الماضي، كان ابناء
المخيم يتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول رمضان، أما اليوم فقد حلّت الرسائل القصيرة
عبر "الواتساب" و"الفايبر" أوغيرها من "مواقع التواصل الإجتماعي"،
مكان هذه العادة الإجتماعية، التي كانت تقرب الناس إلى بعضها، وتجعلهم متسامحين"،
غير ان الحاجة فاطمة حسين، تؤكد انه ما زال رمضان يشكل لنا مظهرا من مظاهر التكافل
الاجتماعي، فرغم الفقر والحرمان ما زال البعض يواظب على توزيع صحون الطعام على الجيران
في عادة قديمة موروثة من فلسطين، تشعر الناس انهم عائلة واحدة وهذا ما نحتاجه اليوم
في ظل التفرقة والخلاف.
المصدر : البلد
| محمد دهشة