فلسطينيو سوريا نازحون من لجوئهم

الإثنين، 08 تشرينالأول، 2012
أمعنت المأساة في وجوههم حتى تاهوا، وكادت
معالم الرحيل القصري أن تمحي ملامحهم مع مرور الوقت. فلا عنوان لهم ولا مكان يسعهم ... بقايا وجه هم,
سحبه إعصار الاحتلال منذ زمن، وما يزال يتقاذفهم من نكبة الى نكسة، فنزوح من بلد الى
بلد، دونما هوادة.. فعنوانهم "مطلق مأساة"، ولك أن تجدهم هناك.
فلسطينيون هم, مهجرون .. لاجئون .. نازحون.. قل ما
شئت. تعدد الرحيل القصري، والراحل واحد.
بعد الأحداث الأمنية التي تعصف بسوريا واستمرار
المعارك وتوسع رقعة العمليات العسكرية فيها, كان من الطبيعي أن يحدق خطر الموت بالمناطق
المدنية والمأهولة بالسكان. واللاجئ الفلسطيني
في سوريا، شأنه شأن المواطن السوري فيها, ما إن وصلت أولى موجات الرصاص والقذائف الى
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين, حتى بدأ عدّاد الضحايا بالتحرك, فكان لهم حصّتهم من الموت,
مما أجبرهم الى خوض مسيرة النزوح القصري مجدداً, وهذه المرة من مخيم في سوريا الى مخيم
في لبنان، لينجوا بأنفسهم وبأرواح أولادهم، مخلفين منازلهم وأرزاقهم.
في حالات النزوح المعتادة, ينزح الآخرون
من أوطانهم أو مدنهم الى أماكن أخرى, أما في حالة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا فهم
نازحون من لجوئهم الى اللجوء الأكثر مأساة من بين اللاجئين الفلسطينيين معيشة, وهذا
ما يضاعف الأزمة على النازحين أنفسهم وعلى إخوانهم اللاجئين في لبنان. وفاقد الشيء لا يعطيه أصلاً.. لكن أهلنا في المخيمات
أصروا على اقتسام ما يملكون، على قلته، مع إخوانهم, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
شكلت لجان دعم النازحين الفلسطينيين من سوريا من
مؤسسات المجتمع المدني والفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات. وفي مخيم البداوي: قامت لجنة دعم النازحين حتى الاّن
بحملة تبرعات مادية وعينية, فضلاً عن تواصلها مع الصليب الأحمر الدولي والتنسيق معه
في عمليات توزيع حصص عينية, ووضع برنامج فعاليات تصاعدي للضغط على الأونروا في التحرك
سريعاً لوضع خطة طوارئ لإغاثة النازحين, بدأ باعتصام أمام مكتب الأونروا في المخيم،
وتسليم مدير المكتب مذكرة موجهة لمدير عام الأونروا في لبنان بهذا الخصوص.
وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)
لم تقدّم حتى الاّن أداء مقنعاً يتناسب مع كون الأزمة حالة طارئة, تستوجب التحرك السريع
في كل الاتجاهات. الأزمة السكنية المتواجدة
أصلاً في مخيم البداوي ومحيطه، بعد أزمة مخيم نهر البارد منذ عام 2007, والعام الدراسي
الذي بدأ قبل أيام، وبمنهاج مختلف تماماً عن المعتمد في سوريا, والاكتظاظ الطلابي الموجود
أصلاً في صفوف مدارس الأونروا في المخيم, وتقليص الخدمات الطبية في عيادات الأونروا،
وتدني سقف التغطية المادية في التحويلات الطبية المتفاقم هبوطاً منذ زمن.
في حديث مع مسؤول اللجنة التربوية في اللجنة
الشعبية في مخيم البداوي، أبو علي الصديق, أفاد أنه تم استيعاب ما يقارب الستين طفلاً
في روضات المخيم، إلا أنه ما تزال المعضلة قائمة، تحت بند التغطية المادية والقرطاسية
للروضات, وأن الصليب الأحمر الدولي قدم النذر اليسير من القرطاسية والألعاب الخفيفة
وبعض لوازم الحضانة ومواد التنظيف.
النازحون يجمعون على أن وكالة غوث وتشغيل
اللاجئين - الأونروا هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن وضعهم, وبالتالي إيجاد حل لأزمتهم. فأبو جهاد صقر, أحد النازحين, وهو رب أسرة من ستة
أفراد، فضلاً عن والدة زوجته المسنة, هو أيضاً أحد الأغلبية الساحقة من النازحين العاطلين
عن العمل حكماً. يرى أبو جهاد أن الأونروا
هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن إيجاد الحلول السريعة لأزمتهم في مجالات التعليم والطبابة
والسكن والغذاء, فضلاً عن واجبها في الضغط على الجهات المعنية في الدولة اللبنانية
لحل مسألة إقامة النازحين, لما لهذا الملف من أهمية.
أما مجدولين حسن عامورة، وهي أم لثلاثة
أبناء, وزوجها ما زال في سوريا, فتعتمد في إعالة أولادها على زوج خالتها المعسور الحال
أصلاً, وتفترش وأولادها الأرض في باحة المنزل الأرضي (القصة), وتتساءل: الى متى سيستمر
بطء الأنروا في التحرك اتجاه إغاثتهم، وبرد الشتاء بدأ يطل عليهم فجر كل يوم. وتعتبر مجدولين "أنه إذا استمر الحال على ذلك،
ستكون العودة الى منازلنا أفضل حالاً لنا من البقاء هنا".
نجاح محمود عباس وابنها الأصغر بقيا في
مخيم البداوي بعد عودة زوجها وابنها الأكبر الى سوريا, وقد خضعت مؤخراً لعملية قلب
مفتوح, وهي بحاجة الى علاج مستمر، ولا سيما انها تعاني من أمراض مزمنة أخرى كالسكري
والضغط. تتساءل نجاح عن غياب المرجعيات السياسية
الفلسطينية في لبنان عن القيام بدورها المفترض في الضغط على الدولة اللبنانية لحل أزمة
إقامة النازحين. ولا ترى نجاح حتى الاّن بصيص
أمل لإغاثتهم بشكل يحترم انسانيتهم, الى حين العودة الى منازلهم في سوريا، في أقرب
وقت، كما تأمل.
يجمع النازحون, بأغلبيتهم الساحقة، على
أن الاونروا لم تقم بأي جهد يذكر حتى الاّن مقارنة بحجم المأساة. وهناك صورة رمادية داكنة ترتسم أمام أعين النازحين،
تخيفهم وتبعث في نفوسهم القلق على مستقبلهم، حيث يتراءى أمام أعينهم شبح الإهمال في
غياهب النزوح.
المصدر: القدس للأنباء