«كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» على الحدود الفلسطينية
الثلاثاء، 18 أيلول، 2012
تقف هيلين في مواجهة فلسطين المحتلة، وتحديداً منطقة «الجليل». هي تعرف هذا المكان عن بعد. لم تزره يوماً، لكنها تعشق أن تشمّ رائحة فلسطين من القرى اللبنانيّة الجنوبية التي تحدّها. وقد سبق أن زارت لبنان... والجنوب الذي تدعم مقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي. تقف بجانب منسّق الرحلة قاسم عينا، وتدعوه إلى تجاوز الحدود كي يقف على أرض وطنه. «خطوات قليلة وتغدو حيث يجب أن تكون»، تقول له. وبالرغم من مفاجأة عينا، إلا أنه يشعر بأن هيلين تعبّر عن هواجسه وحلمه في العودة إلى بلدته علما التي تبعد أمتاراً عن مارون الرأس.
يقف قاسم عاتباً على هيلين:
ـ «كانت الدفعة خفيفة».
هيلين سيغال أميركية باتت أغنى من أن تُعرف. امرأة تجاوزت السبعين من العمر وما زالت تناضل من أجل قضية فلسطين. ناشطة لم تغب يوماً عن زيارة لجنة «كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا» لبنان، إحياءً لذكرى المجزرة، منذ أسّسها المناضل اليساري الإيطالي الراحل ستيفانو كاريني في العام 2000.
هيلين ترفض لفظ عبارة مستوطنة «أفيفيم»، لأنها لا تعترف إلا بوجود فلسطين.
هيلين. ستيفانيا. كارلو. انطوني. ميليسا. هيروش. لويزا... جميعها أسماء أجنبية. نبحث عن اسم عربي بين مئة وعشرين شخصاً، فلا نجد. كلّهم أوروبيون، أميركيون، آسيويّون. رحل كاريني في العام 2007، وواصلت شقيقته المهمّة، فصارت تحضر في شهر أيلول من كل عام، مع عدد كبير من الشخصيات والناشطين، ومعظمهم من الإيطاليين. وفي كل عام، يرتفع عدد المشاركين، وقد وصل هذا العام إلى مئة وعشرين ناشطاً.
أمس، انطلق الوفد جنوباً، زار معلم مليتا، وبلدة مارون الراس التي يسرقون منها النظر إلى فلسطين المحتلة.
المحطة الأولى في صيدا، توجه الوفد إلى ضريح الشهيد معروف سعد ووضع إكليلاً. وانطلقت الرحلة الجنوبية.
يجزم الاميركي مارك بأن لبنان يُحسد على معلم مليتا الذي يضم آلاف الغنائم للإسرائيليين. توافقه الرأي زوجته جوليا. الزوجان في العقد السابع من العمر. تقاعدا منذ مدة قصيرة، وكانا قد قررا الانتقال للعيش في مدينة اسطنبول التركية، ومنذ أن تعارفا إلى أعضاء «لجنة كي لا ننسى» يواظبان على زيارة لبنان ويشاركان في كل حدث فلسطيني.
في معلم مليتا يقفان أمام «ثروة المتحف التراثي»، كما أسمياه. يعبّر ماركو عن دهشته، ويتوقع أن «يكون المعلم ضمن بنك الأهداف الإسرائيليّة، إذا وقعت حرب أخرى، للقضاء على تراث المقاومة».
ترفض زوجته جوليا أن يتوقع حرباً أخرى. «كفانا حروباً... ماركو»، تقول خائفة على لبنان وفلسطين.
يقف أحد أعضاء الوفد مذهولاً، ويسأل: «أين كان رجال المقاومة يختبئون؟ كيف استطاعوا جمع هذا العدد الكبير من الغنائم؟».
شاهدتان على المجزرة
إنها المرة الأولى التي تحضر فيها لويزا إلى لبنان منذ مجزرة صبرا وشاتيلا التي شهدتها. ولويزا ممرضة من السويد، تخشى الإفصاح عن اسمها الحقيقي لأنها تتردد على قطاع غزة. تعجز لويزا عن التركيز وهي تتجول بمفردها داخل المعلم. تطرح على نفسها أسئلة عاشت معها طويلاً إثر المجزرة، وها هي تتكثف اليوم. وتتذكر أنها غادرت لبنان آنذاك أنقاضاً بفعل الاجتياح الإسرائيلي. وتعترف بأنه يصعب عليها زيارة مخيم شاتيلا، فصراخ الأطفال والنساء ما زال يصدح في أذنيها. وإذ تمكنت هذا العام من الانضمام إلى وفد اللجنة، إلا أنها لم تقتنع بأنها تجاوزت تلك التجربة. وتبوح بأنها أتت إلى لبنان بهدف مقابلة أهالي ضحايا المجزرة، فلديها الكثير من الأخبار التي تأمل مشاركتها معهم.
أما فتحية فشاهدة أخرى، هي طبيبة فلسطينية وليست أجنبية، وقد ذُبح زميل لها أمام عينيها. وتتذكر الكثير. تدمع عيناها حين تروي ذكريات المجزرة. لا تنسى بكاء الاطفال. وتؤكد أن المأساة أصابت واستهدفت الشعبين الفلسطيني واللبناني.
بعد المجزرة قررت فتحية الهجرة من لبنان إلى الأردن، ومن ثم إلى لندن، حيث تقيم حالياً. وتقول إن العديد من شهداء المجزرة حمّلوها أمانات: من تبقى من أسرهم.
لدى فتحية أمانة أخرى: أن ترى فلسطين.. ولو من لبنان.
نتوجّه إلى مارون الراس.
حضروا للمرة الاولى
«إلى مارون الراس... أي إلى فلسطين»، قال البعض.
في حديقة إيران، تسأل الناشطة الايطالية فرانشيكا عن الحدود مع فلسطين. لا يلفظ هؤلاء كلمة إسرائيل. هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها فرانشيسكا لبنان. تعمل صحافية. وتعد نفسها بكتابات تعبّر عن الفلسطينيين وتصوّر حياتهم وأحلامهم وتنقل آلامهم. هتم كثيراً بالقضايا المتعلقة بفلسطين. تقول: سأزور المخيمات وأكون قريبة من الناس. ولا تتردد في القول: ليس سهلاً الكتابة عن فلسطين في إيطاليا.
يترجّل هيروش كندا، الناشط الياباني، من القافلة حاملاً كاميرته، يستوقفه زميله للتوجه إلى الغداء. يرفض طلبه مفضلاً كسب الوقت المتبقي لالتقاط صور لفلسطين. لم يزرها يوماً، لكنه سعيد بأنه في مكان يعرفه إلى القضية التي لطالما دعمها، منذ كان طالباً في الجامعة.
في مارون الراس، يتناوب الناشطون على التحديق بفلسطين. ويتمنى الناشط التركي اسلام أو سكان أحد مؤسسي جمعية «التضامن مع الشعب الفلسطيني» في اسطنبول، لو تُنتزع من الاحتلال. ويعبّر عن سعادته لتعرفه إلى أعضاء وفد «كي لا ننسى». ويؤكد أنه سيكرّس وقته لدعم القضية، وسيحضر سنوياً لإحياء ذكرى صبرا وشاتيلا.
مفكرة
إحياء للذكرى الثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا تقام اليوم الثلاثاء مجموعة من النشاطات:
÷ تجمع في المركز الثقافي لبلدية الغبيري (قرب السفارة الكويتية) تتخلله كلمة لأسر شهداء المجزرة، وكلمة للوفود المشاركة، وكلمة لفلسطين يلقيها السفير أشرف دبور، وكلمة لرئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنساء، عند التاسعة صباحا.
÷ مسيرة من أمام «المركز الثقافي لبلدية الغبيري» ثم وضع إكليل من الورد على مثوى شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، العاشرة والنصف صباحاً.
÷ زيارة مخيم شاتيلا، الحادية عشرة والنصف صباحاً.
÷ غداء مع أهالي ضحايا المجزرة بدعوة من «مؤسسة بيت أطفال الصمود»، في مخيم شاتيلا، الواحدة بعد الظهر.
÷ لقاء مع رئيس تحرير «السفير» الزميل طلال سلمان في شأن الأوضاع الإقليمية، «فندق كراون بلازا»، الخامسة والنصف بعد الظهر.
÷ محاضرة مع الصحافي الفرنسي آلان جريش، في «فندق كراون بلازا»، السادسة والنصف مساء.
÷ عشاء بدعوة من رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنساء، الثامنة مساء.
المصدر: زينة برجاوي - السفير