القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

لبنان يرمي فلسطينييه في البحر

لبنان يرمي فلسطينييه في البحر


الثلاثاء، 06 آب، 2019

عندما حزم الشاب الفلسطيني اللاجئ زاكي سمير البشتلي (28 عاماً) حقيبته في مخيّم عين الحلوة جنوب لبنان مطلع هذا الصيف، متجهاً الى تركيا، لم يشغل باله سوى مسألة واحدة: الوصول إلى أوروبا. لكن البشتلي، وعلى عكس آلاف المهاجرين الفلسطينيين من لبنان خلال السنوات الماضية، لم يشتر تذكرة سفر لا يملك ثمنها إلى أوروبا، بل قرر سلوك طريق أصعب من تركيا إلى اليونان، بلا قارب ولا من يحزنون، بل سباحة، متكئاً على ذراعين وعزيمة. ذاك أن زاكي، وقبل سلوك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، ضاقت به سبل العيش في لبنان. أكمل تعليمه في قسم الأشعة في معهد صيدون، لكن المهنة التي اختارها تندرج ضمن 37 وظيفة ممنوعة على الفلسطينيين. تخيلوا أن الفلسطيني المولود في لبنان لأبوين ولدا فيه أيضاً، كما هي حال ذاكي، عليه أن يُراجع قائمة طويلة وموجعة للوظائف المحظورة قبل دخوله سوق العمل (الشحيح أصلاً بالفرص).

البشتلي انطلق سباحة مع رفيقين له من منطقة كوساداسي في محافظة آيدن غرب تركيا. رفيقاه بعدما أصابهما التعب، قررا تسليم نفسهما لخفر السواحل التركي، لكن زاكي رفض الاستسلام وقرر مواجهة البحر. لم يظهر له أثر منذ ذلك الحين. كان آخر اتصال بينه وبين أهله كان يوم 15 حزيران (يونيو) الماضي، قبيل انطلاقه من الطرف التركي. اليوم يُطالب أهله المسؤولين الفلسطينيين مرة تلو الأخرى بالاستفسار في اليونان وتركيا عن مصيره. انضم الى قائمة بعشرات المفقودين في البحر، منهم إبراهيم حمودي (29 عاماً) ومحمد غسان سعدة وزوجته عايدة سعيد بناور وابنهما الطفل شادي (سنة ونصف السنة)، وجميعهم غرقوا في بحر ليبيا.

فات البشتلي وبقية المفقودين في البحار، مشهد آلاف الفلسطينيين وهم يتظاهرون يومياً في مخيمات لبنان، ومن ضمنها "عين الحلوة"، احتجاجاً على قرار بتضييق الخناق على اللاجئين من خلال فرض إجازات عمل عليهم، وكأن قائمة المهن المحظورة، قائمة العار اللبنانية، ليست كافية.

بيد أن لبنان، وقبل قرار وزير العمل كميل أبو سليمان، يفرض عقاباً جماعياً على اللاجئين الفلسطينيين، أنتج فقراً وتطرفاً وبؤساً يرمي سكان المخيمات في البحر بحثاً عن ملاذات أخرى. ولو أن وزير العمل اطلع على الاحصاءات الأممية لأحوال الفلسطينيين في لبنان، لما قرر فرض هذا القانون عليهم. ذاك أن نسبة البطالة في صفوف اللاجئين تتجاوز الـ56 في المئة، ومن يعمل منهم لا يحصل على حقوقه كاملة نظراً لأن أغلب أرباب العمل يُحاولون تجنب توظيفهم. على سبيل المثال، وفقاً لاحصاء اممي، 98.2% من اللاجئين العاملين لا يحصلون على عطلة سنوية أو مرضية. لا يحق للعامل الفلسطيني أن يمرض، فتوظيفه انجاز بحد ذاته، وعليه أن يكون ممتناً لرب العمل. 74% من الشباب الفلسطيني تحت خط الفقر، وخمسة بالمئة منهم يعيشون في فقر مدقع. 27% من أطفال اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في عائلات تُعاني من انعدام الأمان بالتغذية، أي أن بعضهم يمضي يومهم دون تأمين قوته. أكثر من نصف منازل الفلسطينيين تُعاني من الرطوبة، وضعف في الإضاءة والنش المتواصل.

وتأمين حقوق الفلسطينيين لا يعني توطينهم أو تجنيسهم، ذلك أن دول الاغتراب أجمع تمنح المقيمين فيها بصورة دائمة، حقوق المواطن، حتى لو لم تُجنسه. لكن في لبنان من لا يزال يُصر على إفقار الفلسطينيين وتجويعهم ودفعهم للموت في البحر، باسم رفض التوطين و"حفاظاً على الحقوق الفلسطينية" وغيرها من الشعارات الفارغة التي يتفوه بها ممثلو لبنان دوماً في المنابر الدولية.

وهذا عقاب جماعي لطرد الفلسطينيين بأبشع الوسائل، وبرضى قوى تعتبر نفسها معنية بالقضية الفلسطينية، وتُغرقنا بشعاراتها الممانعة. والد هذه السياسة هو وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ديان الذي كان يعتبر العقاب الجماعي الوسيلة الأكثر فاعلية. لكن يُحسب للبنانيين أنهم تفوقوا على دايان، ونجحوا في دفع الفلسطينيين للموت غرقاً في البحر ... بحثاً عن فرصة عمل.

المصدر: مهند الحاج علي | المدن