مخيّم البدّاوي يُصاب ويجرّب «النأي بالنفس»
الإثنين، 04 حزيران، 2012
يخشى مخيم البداوي التورط في الأحداث الأمنية المتتابعة في الشمال وتكرار تجربة البارد. «قادته» يجرّبون سياسة النأي بالنفس لتجنيب أهل المخيم تداعيات تلك الأحداث، مشيرين إلى أن تنفيذ تلك السياسة يستوجب أقصى درجات التفاهم والتنسيق بين القوى والفصائل الموجودة داخل المخيم
جولة بعد أخرى تقترب نيران الأحداث الدامية في طرابلس من تخوم مخيم البداوي. وليل أمس لم ينم أهالي البداوي من شدة دوي الانفجارات على محور الريفا المنكوبين القريب منهم. هذه المرة لم تسقط قذائف في المخيم كما حصل في المرة السابقة، لكن حدث ما هو أسوأ، فقد أصيبت سهير طه الصادق بشظية من رصاصة متفجرة في عينها، وأصيبت الطفلة ميرنا محمد المحمد (11عاماً) بطلقة في ظهرها. زجّ البداوي في أتون التراشق الإعلامي، إذ أشار مسؤول الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد إلى وجود «إرهابيين سوريين يقيمون حواجز في العيرونية والبداوي».
لكنّ مصادر مسؤولة في المخيم رفضت في اتصال مع «الأخبار» التعليق على كلام عيد من باب عدم احتساب موقفها في أي خانة. واكتفت بتأكيد خلوّ المخيم من أيّ من أطراف النزاع، كما أوضحت أنه «ربما قصد بكلامه جبل البداوي» الذي لا يقع ضمن نطاق المخيم، والخاضع على أي حال لسلطة الأجهزة الرسمية اللبنانية.
هكذا يسود الترقب مخيم البداوي وسط تأكيد مرجعياته السياسية والأمنية النأي بالمخيم عن الأحداث الجارية حوله، ووسط تخوف الناس، وخاصة من لا يزال يعيش مأساة تهجيره من البارد، من ورطة تدبّر للمخيم في مكان مجهول.
يعيش أبو محمد في مخيم البداوي، وما زال ينتظر وعود إعمار البارد ليعود إلى المنزل الذي تهجر منه. لكن «هاجس الفزع من تكرار تجربة البارد» يلاحقه «مع أنه لا علاقة لنا بالأمر»، لكن ما المانع من تكرار التجربة؟ ففي الأساس دخلت «المشاكل» إلى البارد «رغم أنه كان مراقباً أمنياً»، كما يقول أبو محمد. هكذا يجلس في دكان صغير للسمانة، هو آخر ما استطاع تدبيره. باع السيارة وفتح بثمنها دكانه الصغير. لكن انعكس الوضع الأمني على حركة البيع، فـ«العامل المتوقف عن العمل لا يستطيع شراء ما يأكله»، وليس بالإمكان فتح باب الاستدانة لأنني «أكلت الضرب في البارد، حين لم أتمكن من تحصيل الديون».
أما الدهّان الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فقد انقطع عن ورشته في حلبا. «فالعالم كله يعدّنا إرهابيين» لذلك يبقى في المخيم عندما يحصل أيّ توتر أمني. فـ«الفلسطيني لفشة الخلق على الطالعة والنازلة». ويضيف الشاب بسخرية أن طريق المخيم صارت أكثر أمناً من طرقات لبنان كلها، لكن «ليتهم يقفلون الطريق نهائياً حتى لا يحدث إشكال مع أحد، ويُتّهم المخيم به، لأنهم (لا يحدد من يقصد) يريدون جرّ المخيم إلى ورطة أخرى كما حدث في مخيم البارد».
ويعبّر المدرس المتقاعد محمود سعيد عن القلق نفسه بقوله «أيدينا على قلوبنا ولا نعرف من أين تأتي المصيبة»، لكن سعيد يستدرك بأن «الكل مفتّح عينيه على الزعران»، والتفاهم بين فصائل «المنظمة والتحالف» يكفل عدم انجرار المخيم نحو أي خلل أمني. ويستطرد بالإشارة إلى أنه إلى جانب مجموعة كبيرة من كبار السن في المخيم يجتمعون على نحو شبه دوري للتداول في شؤون المخيم، و«لنا مونة على كل الفصائل»، ولطالما استطاعوا منع أي تصادم في المخيم.
إذن، هو التفاهم بين فصائل المنظمة والتحالف الذي يحمي المخيم في هذا الجنون. فماذا يعني هذا التفاهم؟ وكيف يجنّب المخيم تداعيات الأوضاع الأمنية المحيطة به؟
التقت «الأخبار» أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الشمال أبو جهاد فياض في مقرّه في مخيم البداوي. يقول أبو جهاد إن مخيم البداوي لن يُستدرج للوقوف إلى جانب أي فريق، لا «باسم السنّة ولا باسم المقاومة»، يقصد بذلك طرفي النزاع في باب التبانة وجبل محسن وامتداداتهما. فالفلسطيني يرى أن «لبنان المستقر داعم أقوى لفلسطين». ويشير الرجل إلى أن استمرار التوافق الفلسطيني هو الذي يمنع تورط المخيمات في أي نزاع لبناني داخلي.
أما على مستوى مخيم البداوي، فيتدخل مسؤول كتيبة شهداء البداوي علي أبو الشوق، ليؤكد التفاهم الميداني مع تحالف القوى الفلسطينية (المعارض لمنظمة التحرير) ضمن لجنة عسكرية مشتركة.
ومن جهة أخرى، عبّر التحالف، قبيل اجتماع عقد في مكتب حركة حماس في البداوي، عن مواقف مشابهة. فمخيم البداوي، بحسب مسؤول القيادة العامة في الشمال أبو العبد شمس، «يعيش في بقعة متوترة من وادي النحلة إلى المنكوبين»، لكنّ فصائل المخيم جميعها، يقول أمين سر القوى الفلسطينية ومسؤول حركة حماس في الشمال جمال شهاب، ترى أن «ما يجري من حولنا شأن داخلي لبناني». ويضيف شهاب أنه باستثناء بعض المحاولات الفردية، لم تحاول الأطراف اللبنانية «جرّنا إلى مربع الصراع الداخلي». ولدى سؤاله عن موقف حركة حماس انطلاقاً من خلفياتها الدينية والعقائدية ممّا يجري في العالم العربي وانعكاساته على الساحة اللبنانية، أكد شهاب أن «القضية الفلسطينية هي مدخلنا لأي مشروع نضالي ومقاوم»، وأننا «منصهرون ضمن سائر الفصائل الفلسطينية في الاتجاه الذي يحقق مصلحة القضية»، وأن «وجودنا مؤقت في المخيمات، وضيوف لدى الشعب اللبناني إلى حين العودة إلى فلسطين»، من هنا يختم شهاب «لسنا معنيين بالتجاذبات اللبنانية».
ترجمة هذه التأكيدات السياسية عملياً لدى قادة فصائل المخيم كانت في أسلوب عمل القوة الأمنية المشتركة، الذي شرحه مسؤول بارز في هذه القوة التي تتكون من عناصر ينتمون إلى 16 تنظيماً فلسطينياً، يتوزعون على منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى.
وبخصوص «الوافدين إلى المخيم» (حتى لا يستخدم كلمة غرباء) ثمة استمارة تتعلق بكل أسرة جديدة تقيم في المخيم، أو أي شخص يدخل إليه للبقاء بصفة دائمة. ويجري تحديث الاستمارة في مدد تراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر (بحسب الظروف)، كما تؤازر القوة المشتركة اللجنة الشعبية للدخول إلى منزل أي شخص من أصحاب الاستمارات، ولو كانت استمارته قديمة، للتأكد من صدق بياناته، مع العلم بأنه لا يستطيع أيّ كان الإقامة في المخيم، وبالتالي استئجار منزل من دون موافقة القوة الأمنية المسبقة.
وخلال الأحداث الجارية في جوار المخيم، يتابع المسؤول الأمني «وصلنا الليل بالنهار من شدة القلق»، ووجهت دعوات عبر المساجد لعدم الانجرار إلى أي موقف. وأثناء الاشتباكات تعرض المخيم لإصابات من أكثر من جهة، لكن «آثرنا عدم التصريح لاستمرار العلاقة المتوازنة مع الجوار». ومع تحول الشارع العام في المخيم إلى «خط دولي» تمرّ عبره فانات الجيش وعدد كبير من عناصر الأجهزة الأمنية اللبنانية، ومن أهالي عكار، أُبعدت سيارات أبناء المخيم إلى الطرقات الداخلية لتسهيل حركة المرور، وجرى تشديد المراقبة خوفاً من «إدخال المخيم في أيّ شبهة». ولدى سؤاله عن كيفية مراقبة شخص ما يدخل إلى زواريب المخيم، لم ينتظرني لأكمل السؤال، بل أجاب مبتسماً «البارحة كنتَ قرب مستشفى الهلال، الثالثة بعد الظهر. لدينا حرص مزدوج: أمن المخيم من ناحية، وعدم التعرض لأي شخص إلا في حالات الضرورة القصوى من ناحية أخرى، لأن الحفاظ على العلاقات بين المخيم والجوار أمر حيوي بالنسبة إلينا».
المصدر: المركز الأخبار