القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

مسرحية لدعم أسر فلسطين: ذكريات البيت قبل الخسارة

مسرحية لدعم أسر فلسطين: ذكريات البيت قبل الخسارة
 

الخميس، 17 أيار، 2012

في البيت يولد كل شيء ويموت كل شيء. هنا بين الجدران الأربعة ولد أفراد العائلة، وربي الأحفاد ومات الجدّ. هنا في بيت مسرحية «يا ما كان» للمخرج التونسي وحيد العجمي ويارا أبو حيدر تفور الذكريات وتعاد روايتها في الساعات الأخيرة قبل خسارة ملكية هذا.

الاستذكار هذا، يحكي عن السقف الذي يحضن أسرة بشخصياتها المتناقضة، ويحكي عن هذه المساحة التي تتمثل أحياناً كوطن لهؤلاء، متى خسروه.. خسروا كل شيء.

هكذا، تأتي المسرحية لتذكرنا بمن فقدوا بيتاً لظروف قسرية، كاحتلال عدو أو جشع المستملكين الجدد وأصحاب الرساميل، وقدمت مساء الثلاثاء في عرض استثنائي جديد على مسرح «دوار الشمس»، بدعوة من «برنامج التكافل الأسري - عائلات لبنان تساند عائلات فلسطين» و«مؤسسة التعاون». ويعود ريع العرض لدعم عوائل أسرى الأمعاء الخاوية في فلسطين. وتشير منسقة البرنامج إكرام شرارة إلى أن «النشاط واحد من النشاطات الاجتماعية والثقافية التي ينظمها البرنامج بغية التكفل بإعالة عائلات أو أطفال في فلسطين همّ بأمس الحاجة إلى دعمنا. ونحن عبر المبلغ البسيط الذي نجمعه، ونحوّله إلى «مؤسسة التعاون» نحاول أن نساند بالقدر المستطاع». وتذكر شرارة أن «برنامج التكافل الأسري - عائلات لبنان تساند عائلات فلسطين» انطلق منذ العام 2002، ومكرساً تقليد غذاء أسبوعي بجمع التبرعات، إضافة إلى تنظيم نشاطات ثقافية بين الفينة والأخرى.

لا يرتبط النص المسرحي مباشرة بالقضية الفلسطينية، إنما رمزية البيت بحد ذاته تذكر بكل المعاناة التي عاشها الفلسطينيون منذ تهجيرهم في العام 1948 من قبل العدو الإسرائيلي. من هنا، تسعى شخصيات العمل (حنان الحاج علي، يارا أبو حيدر، باسل ماضي، طارق باشا، روان قشمر، رودريغ سليمان) إلى استذكار علاقتهم بتفاصيل ولدت هنا، ومحطات أساسية في تاريخ العائلة، فالجدة المصابة بالزهايمر، تستعيد بعض التواريخ وتنسى بعضها الآخر. تنسى اسم الجد (زوجها) وتحفظ وجهه الذي تحكي مع صورته ليل نهار، «زهقت مني صورته»، تقول. يبقى عقد ملكية البيت هو الشيء الوحيد الذي لا تنساه، ولا تنسى مكانه «في الصندوق، في الخزانة، في الغرفة.. الصندوق اللي رح ادفنه معي».

وفي هذا البيت تروي أبو حيدر يوميات مكررة في الحياة، تماماً كفعل يومي ومعاد لقراءة الجريدة. في حياة الشابة الصحافية التي تعيش وهم كتابة القصص الأمنية، تقرأ لنا أخباراً ثقافية واجتماعية تعكس انقلاب الأولويات في مجتمعها ومجتمعنا، كأن يرقص سبعة آلاف شخص في حفل لفان دايك لساعات الصباح الأولى، ويتظاهر 15 شخصاً فقط ضد غلاء المعيشة.

الروايات تكمل وتستمرّ على نسق واحد، من دون أن تُبنى وفق خط تصاعدي يُفجر تبلور كل دور، وفي مقاطع معينة احتاج الجمهور إلى تعميق وتكثيف لأفكار تمر سريعاً، أو ربما بعض الترميز عن معنى البيت وارتباطه العضوي بحياة كل فرد.

إنما من جهة أخرى تُدخلنا إلى سعي كل فرد على طريقته لفعل الممكن لبقاء البيت وبطريقة ما، الإخلاص له، وكل ذلك يتم في الساعات الأخيرة لهم في المنزل، في الوقت الذي يعيشون فيه هاجس وصول الزائر - المالك الذي سيرحّلهم منه. فصادر هو الشاب الفكاهي الذي لم يغادر المنزل منذ فترة طويلة، وينكبّ طوال الوقت لصيانته وترميم ممتلكاته وتفاصيله وتصليح الأجهزة الكهربائية فيه كالتلفزيون مثلا ويستعيض عن اللعب مع أبناء جيله بالمكوث لساعات بين الجدران الأربعة؛ وناصر هو المحامي الذي يتدرب منذ أشهر طويلة على المرافعة أمام القاضي في الدعوة المفترضة لاستعادة ملكية المنزل؛ سلمى هي الصحافية زوجة ناصر؛ وزهرة هي صغيرة المنزل التي تُعنى بنظافته وتلميعه وأخيراً عامر المتمركز في الحديقة في محاولة لحراسة المنزل وحمايته مستعيناً برفيقة دائمة له: البندقية.

هؤلاء جميعهم عاشوا في الساعات الأخيرة لهم في منزل ما عادوا يعرفون مدة إقامتهم فيه، وما عادوا يثقون بأنه ما زال منزلهم ومربع ذكرياتهم. هؤلاء جميعهم عاشوا وهم امتلاك منزل، سُرق منهم على غفلة ومعه سرق كل ما بنوه وخبروه فيه. أخيراً دق الباب، جمعوا ما أمكن في صناديقهم البيضاء وأثاثهم وحملوها كرمز لبيتهم وغادروا. الممثلون حملوا «بيوتهم» فوق ظهورهم، وتركوا بعضاً من الجمهور يحلم بأن يمتلك الخيار أن يَفعل مثلهم، أو يحظى بإنذار مسبق قبل أن تدق الجرافات ساعة الصفر.

المصدر: جهينة خالدية - السفير