القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

مناع: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعيشون أسوأ الأوضاع الإنسانية


الإثنين، 14 كانون الأول، 2020

تضاعفت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بصورة غير مسبوقة، فإلى جانب نكبتهم الوطنية والظلم الذي يتعرضون له نتيجة القرارات والسياسات الرسمية اللبنانية، ونتائج حروب الإبادة والحصار والحرمان وسياسة القهر والاذلال، انهارت الأوضاع في لبنان، وانتشر فيروس كورونا "كوفيد- 19” ما أدى إلى انهيار عام داخل مجتمع لاجئي فلسطين في لبنان.

أثارت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في هذه المرحلة كافة القوى والشخصيات المعنية، لأن المجتمع الفلسطيني في لبنان هو الأكثر تضررا من الحالة التي يعيشها هذا البلد المأزوم.

"القدس العربي” التقت الدكتور في علم الاجتماع السياسي والتنمية الاجتماعية سامر مناع، مدير مركز التنمية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين المختص بالأوضاع الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان وأجرت معه حوارا هنا نصه:

○ ما هي تحديدا معاناة وأزمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان؟

* المشكلة الأبرز التي يعاني منها اللاجئ الفلسطيني في لبنان هي عدم تطبيق حق العودة وعدم وجود مقومات حقيقية وتراجع هذه المقومات لدرجة صفر.

المشكلة الثانية مرتبطة بالأولى وهي إهمال من جميع الهيئات والمرجعيات التي تعتبر نفسها مسؤولة عن اللاجئين وهم على مستوى 3 اقسام :

أولا: وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا” باعتبارها تمثل المجتمع الدولي المسؤول عن عدم تطبيق حق العودة وبالتالي إبقاء اللاجئين الفلسطينيين في إماكنهم في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية سيئة ومتراجعة، كما يضاف تراجع خدمات هذه الوكالة الأممية، وعدم وجود غطاء يضمن لها الحد الأدنى لتأمين شروط ومقومات الحياة العادية من صحة وتعليم وإغاثة.

من الواضح أن هناك إهمالا من المجتمع الدولي تجاه وكالة "الأونروا” بالإضافة إلى ان الوكالة هي أداة سياسية لدى بعض الدول، فحين تريد أن تستخدم ورقة سياسية معينة تعطيها تمويلا ماليا، كما حصل مع الإدارة الأمريكية وإدارة ترامب حين أوقفوا مساهماتهم في الوكالة، مع الإشارة إلى أن تمويلهم كان عبارة عن مساهمة وليس مساعدة، رغم أن واجبهم تقديم مساعدات بما أنهم عامل أساسي في بقاء الشعب الفلسطيني تحت هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.

ثانيا: هناك تقصير وإهمال من قيادة منظمة التحرير ومعظم الفصائل الفلسطينية تجاه الشعب الفلسطيني والخروج من الحالة الاجتماعية والاقتصادية إلى الحالة السياسية وتراجع الخدمات اليومية تجاه المجتمع الفلسطيني. الانقسام السياسي الداخلي له آثار سلبية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وله علاقة بتفاصيل الحياة اليومية للناس مما يعود بالضرر على هذا الشعب، كما أن الفصائل في حال من التجاذب والتصارع الدائم مما يجعل الفلسطينيين في المخيمات الخاسر الأكبر، ومن المفترض ان الخلاف والانقسام السياسي بين الفصائل لا يؤثر على الحياة الاجتماعية، بل يجب الاجتماع والتفاهم على كيفية إيجاد الحلول لمشاكل وهموم الناس والعمل على توحيد اللجان الشعبية في المخيمات وتكثيف جهودهم لخدمة الناس والاهتمام بشكل جدي بمشاكل المجتمع الفلسطيني (من كهرباء، ماء، بنية تحتية) والعمل على إعطائهم حقوقهم وتعزيز صمودهم والعمل على وقف الهجرة غير الشرعية والعمل على إيجاد حل لمشكلة البطالة.

ثالثا: الإعلام المسيس والدولة اللبنانية متفقان على جعل النظرة إلى اللاجئين الفلسطينيين نظرة أمنية، وهذا يشكل عائقا أمام إعطاء الحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين.على سبيل المثال وقع في مخيم برج البراجنة 400 ضحية نتيجة الصعقات الكهربائية، ويعتبر هذا العدد الأكبر من الوفيات نتيجة الصعقات وهذا يعتبر جريمة.

رغم ضخامة هذه المشكلة الخطيرة وتفاقمها واعتبارها من أنواع الجرائم، إلا ان الإعلام اللبناني لا يلقي الضوء عليها بالشكل المطلوب، في حين لو تم إطلاق رصاصة واحدة ولو عن طريق الخطأ في أي من المخيمات، نجد كافة الوسائل الإعلامية اللبنانية تتسارع إلى نشر الخبر ويتم تسليط الضوء على الحادثة شكل كبير، بالتالي أن الذي يصل للرأي العام والمجتمع اللبناني هو الصورة التي تمت الإضاءة عليها، بغض النظر عن وجود ناس داخل المخيمات تطمح لحياة هادئة وآمنة ومستقرة.

الدولة هي المشجع الأول للإعلام اللبناني بالتمادي بتسليط الضوء بشكل سلبي على المخيمات الفلسطينية لأن الدولة اللبنانية وعدد من الأحزاب يعتبرون أن المخيمات هي ورقة في يدهم يستطيعون التفاوض عليها.

طبعا لا بد من الإشارة إلى أن هناك تقصيرا وإهمالا من الفصائل الفلسطينية والسفارة الفلسطينية ومنظمة التحرير تجاه الشعب الفلسطيني، كذلك التراجع السياسي والتراخي تجاه اللاجئين الفلسطينيين أدى إلى زيادة معاناة الشعب وجعل الدولة اللبنانية تمعن في الاستهتار بالتعامل مع قضايا اللاجئين الفلسطينيين فيما يخص حصولهم على حقوقهم المدنية والمعيشية اليومية.

على الجميع ان يتحمل مسؤوليته كذلك الدولة اللبنانية عليها تحمل مسؤولية هذا الشعب وعدم التعامل معه بالشق الأمني فقط. عند حصول أي حادث أمني في المخيم يتم تنظيم اجتماع مع الدولة اللبنانية لحل هذا المشكل ودائما ما تنتهي هذه الحوارات بالإضاءة على الجانب الأمني فقط داخل المخيمات، متناسية الوضع المعيشي المتردي للاجئ الفلسطيني وعدم حصوله على حقوقه المعيشية اليومية.

المخيمات الفلسطينية تتجه نحو الانفجار، وهذا الانفجار نتوقعه في أي وقت بسبب حالة الغليان التي تعيشها، وهذا الانفجار كان من الممكن حدوثه عام 2019 إلا ان بعض الظروف القاهرة حالت دون ذلك، هذا السياق الاجتماعي الاقتصادي لأي واقع اجتماعي صعب يؤدي إلى حصول الانفجار، وربما يكون البعض بانتظاره.

○ من يقود اللاجئين الفلسطينيين عند حصول الانفجار ومن يحركهم؟

* الشعب الفلسطيني قادر على خلق نخبه وقت الأزمات بشكل تلقائي وعفوي ولكن هذا يحتاج إلى إسناد وهنا يأتي دور القيادات والفصائل الفلسطينية مجتمعة أن تلعب دور الإسناد للشعب وأن تكون مواكبة لأي انتفاضة متوقعة.

في حال غياب الإسناد من جهة المنظمات والفصائل وعدم إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه سيصل به إلى حال من الفوضى وهذا ليس من مصلحة الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية. عدم التخفيف من الأعباء الاجتماعية والصحية والاقتصادية وعدم تأمين متطلبات حياة اللاجئ الفلسطيني إضافة إلى عدم إيجاد بيئة حاضنة لهذا الشعب بانتظار إيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية، سنصل حتما إلى حال من الفوضى التي لا تحمد عقباها، ولا أعتقد ان أحدا على استعداد لتحمل نتائج هذه الفوضى. دائما الاختناق يولد الانفجار مما يجبر الناس على العودة إلى المربع الأول وهو العودة والتحرير وربما تكون هي طريق العودة إلى فلسطين.

في ظل تراكم الإهمال وفوضى الحراك الشعبي هناك أنواع من الحلول، حلول قصيرة المدى وحلول بعيدة المدى.

قصيرة المدى، من خلال تفعيل الحركة الشبابية والاتحادات في المخيمات بالتقاطع مع تفعيل الحالة الثقافية الوطنية في المخيمات الفلسطينية من خلال ندوات ولقاءات على مستوى الشباب والإضاءة على واقع اللاجئين الفلسطينيين بشكل أكاديمي مدروس، لأن جيل الشباب هم من سيتولى القيادة لأي حراك أو انتفاضة ستحصل، من هنا نشدد على رفع نسبة الوعي لدى الشباب وجعلهم يطلعون على الأفكار الطليعية والمنظمة، عندها يستطيعون تولي القيادة بشكل صحيح والوصول إلى الأهداف الكبرى بأقل الخسائر.

تقييم الواقع على الأرض بالشكل المناسب والسليم لكي تكون هناك قدرة على وضع تصورات استراتيجية للواقع والعمل من أجل الضغط على كل الهيئات منها، منظمة التحرير الفلسطينية، السلطة، الأونروا، المجتمع الدولي، أيضا الدولة اللبنانية لإيجاد حلول مناسبة للقضية والشعب الفلسطيني، خاصة انه وخلال 72 عاما من النكبة كثرت الملفات بما أنها أطول حالة لجوء في العالم وبالتالي لقد أفرزت الكثير من الحالات الجانبية الأخرى، مثل حالة اللجوء الفلسطيني من سوريا إلى لبنان حاملين معهم مشاكلهم وعدم توفر أوراقهم الثبوتية بشكل صحيح وهذه المشكلة نشأت بعد خروج منظمة التحرير 1982 وترافق معها بقاء العديد من العائلات من الأردن أو من الضفة في لبنان من دون أوراق ثبوتية، بالإضافة إلى آخرين استقروا في لبنان حاملين معهم مشاكلهم في صعوبة التنقل وعدم القدرة على الحصول على أوراق ثبوتية لهم ولعائلاتهم، وهذه المعاناة تجلت كثيرا في حالات الزواج والطلاق واستخراج الشهادات العلمية بالإضافة إلى مشكلة سكن اللاجئين في مناطق مختلفة على الأراضي اللبنانية خارج المخيمات والتي تحاول الدولة اللبنانية حاليا العمل على استرجاع هذه الأراضي من دون إعطاء الناس حقوقا مناسبة. على سبيل المثال ومنذ فترة تعمل الدولة اللبنانية على الطلب من البلديات تسليمها بعض الأراضي التي يقيم عليها اللاجئون المهجرين الفلسطينيون الموجودون في منطقة الاوزاعي والجناح، أيضا المنطقة الواقعة على الساحل اللبناني بين صيدا وصور والتي نشأت فيها الكثير من التجمعات، بدون إيجاد بديل مناسب لهؤلاء اللاجئين.

○ هل تعتقد سبب تراجع أوضاع اللاجئين الفلسطينين متعلق بترهل المشروع الفلسطيني عامة؟

* ترهل المشروع الوطني الفلسطيني كان له أثر كبير على تردي الوضع الفلسطيني بشكل عام لأسباب عدة منها:

تراجع حاد في المقاومة والاشتباك مع العدو خاصة في بعض الدول المحيطة، أيضا تراجع موضوع التعبئة الوطنية نتيجة التلهي بالهموم اليومية التي لها علاقة بالعمل والحصول على لقمة العيش والدراسة والصحة، خرج الموضوع الوطني من الأولويات الأساسية لدى الشعب الفلسطيني، لذلك على النخب السياسية المثقفة أن تجترح بالحد الأدنى أساليب نضالية جديدة تتناسب مع هذا الواقع، أساليب تواجه كل السينورهات والمخططات التي تريد ان تنال من حقوق الشعب الفلسطيني، مثال على ذلك المقاطعة الاقتصادية، والمواجهة الدبلوماسية في الأمم المتحدة وفي الهيئات الدولية وتفعيلها على المستوى الوطني الفلسطيني وكذلك العمل على مواجهة التطبيع. كما انه من المهم جدا تعبئة الشعوب العربية أينما وجد الفلسطيني وتفعيل الحالة الفلسطينية في جميع الدول يمكن ان يكون أحد مقومات مواجهة التطبيع التي يسعى الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية إلى تمريره لإيجاد حلول على حساب الشعب الفلسطيني.

هذه الخسارات يجب ان نضعها في صلب استراتيجية وطنية فلسطينية جامعة تشترك بها جميع الفصائل ومن الشباب والمستقلين وهيئات وطنية ومؤسسات لوضع استراتيجية جدية تتناسب مع الواقع الحالي وتخرج بتوصيات واقعية بالدرجة الأولى وتوصيات تتناسب مع امكانات الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، إلى حين تطوير هذه الامكانات والأدوات النضالية لتحقيق الأهداف الوطنية العليا وخاصة التحرير والعودة.

المصدر: عبد معروف – القدس العربي