نازحـو البـارد والبـداوي..
ضيـوف المعـانـاة

السبت، 12 كانون الثاني، 2013
لم تختلف معاناة العائلات
الفلسطينية النازحة إلى مخيمي البداوي والبارد في الشمال، في فصل الشتاء، عن معاناتهم
في الأيام الأولى لنزوحهم، باستثناء ظروف الإقامة الصعبة التي دفعت بتلك العائلات إلى
أن تتقاسم مع العديد من العائلات اللاجئة، السكن في شقة تكاد «تكفر» أصلاً بقاطنيها
لصغر حجمها. روايات كثيرة يسردها النازحون الفلسطينيون عن طبيعة العيش في المخيمات،
وعن كيفية تدبر شؤونهم. وهي روايات تكاد تشبه، إلى حد كبير، تلك التي تواجه اللاجئين
في لبنان، مع فارق بسيط يتمثل في نوعية التسهيلات التي تقدّمها الدولة السورية للفلسطيني
المقيم على أراضيها وتجعل منه مواطناً يتمتع بكامل حقوقه.
في جلسات الشتاء حول المدفأة
استفاض النازحون السوريون في شرح معاناتهم إلى اللاجئين في مخيمي البداوي والبارد،
فتشابهت همومهم ومشاكلهم اليومية، وخصوصاً في ظل الظروف المناخية الاستثنائية التي
يمر بها لبنان، إذ تقاسم النازحون مع اللاجئين هم تأمين وسائل التدفئة، ما دفع إحدى
النازحات إلى التعليق: «هربنا من برد سوريا فوقعنا في برد لبنان».
في مخيمي البداوي والبارد
حيث تستقر نحو 650 عائلة فلسطينية نازحة لدى الأقارب والأهل، تبدو المشاكل المعيشية
في طريقها إلى التفاقم تدريجاً في ظل التباطؤ الحاصل في تقديم المساعدات وعدم وجود
تصور مستقبلي لدى الجهات المعنية لإيجاد أماكن إيواء بديلة لهؤلاء، ما من شأنه أن يخفف
عليهم وعلى العائلات التي تستضيفهم العبء الثقيل، الذي يبدأ التزاحم على فرش النوم
وأماكن وضعها في منازل ضيقة، ولا ينتهي عند تقاسم لقمة الخبز والطعام، وما بينهما من
تفاصيل مضحكة مبكية ترويها الحاجة أم خالد من مخيم اليرموك عن اضطـرارها، وهي المصابة
بمرض السكري إلى انتــظار دورها للدخول إلى المرحاض داخـل المنـزل الذي تقيم فيه مع
أربع عائلات، تتكوّن من 45 شخصاً في البارد.
لا تنتهي روايات النازحين
عن صعوبة عيشهم وعن الهمّ الذي يلازمهم لمجرد التفكير بأن فترة إقامتهم قد تطول في
مخيمات لبنان، تقول أم خالد: «أنا هنا مع أولادي الستة وعائلتين من اليرموك، أقيم عند
قريبة لي هي أصلاً لاجئة في البارد، بانتظار عودتها إلى منزلها الذي تدمّر في المخيم
القديم، ونحن جميعنا نسكن في هذا المنزل المؤلف من ثلاث غرف نستخدمها للنوم والجلوس،
وأكثر ما يزعجنا هو أننا لا نعلم متى سنعود وكيف سنمضي هذا الوقت.
تضيف: «نحن نشعر أننا ضيوف
مزعجون، نتقاسم مع العائلة التي تستضيفنا الإعاشة التي تحصل عليها، ولا نستطيع أن نقدم
لهم شيئاً، غير المساعدات البسيطة التي نحصل عليها من وقت إلى آخر». هذا الواقع الصعب
نقلته العائلات النازخة أمس إلى النائب السويدي كنت هارستد، خلال زيارته مخيم البارد،
يرافقه موظفون من السفارة في لبنان.
وتتحسر أم خالد على منزلها
«الفسيح» في اليرموك، وهي باتت تعيش مع أولادها في بضعة أمتار، شأنها شأن عائلات أخرى
تعيش في ظروف مشابهة، ولم تجد حتى الآن من يقدم لها ما يكفيها أو يساعدها على تحمل
قسوة الطقس، بعدما اقتصرت تقديمات «الأونروا» على مساعدة مالية بسيطة وتحولّ النازحون
إلى ما يشبه المتسولين على أبواب الجمــعيات والمؤسسـات ومكاتب التنظيمات بحثاً عن
فرشة نوم أو غطاء أو «كرتونة إعاشة».
لكنّ القاسم المشترك لدى
هؤلاء النازحين ومستضيفيهم هو في عدم إبدائهم رغبة في استقبال الصحافيين أو السماح
بالتقاط الصور داخل المنازل، «فهؤلاء ضيوفنا» يقول أبو محمد، «ويلي بيصير عليهم بيصير
علينا».
ويمكن القول إن لهذه العبارة
معنى أخلاقياً يعبر عن كرم ضيافة النازحين، ولكنّ الجانب الآخر لها، يتمثل بحقيقة مؤلمة
هي عدم وجود موطئ قدم للضيف داخل المنزل الذي يشغل فيه قاطنوه الكثيرون كل متر وربما
كل سنتيمتر.
المصدر: السفير