الاتصالات «تجمّد» تداعيات المواجهات... من دون أن تخمدها
هدوء البارد مرتبط بحرية حركة الفصائل الفلسطينية في المخيم
الخميس، 21 حزيران، 2012
ساهمت الإجراءات والتدابير المتخذة في مخيم نهر البارد، والناتجة عن اللقاءات والاتصالات المكثفة في تنفيس حدة الاحتقان الذي كان سائدا بفعل المواجهات التي شهدها على مدى الأيام الماضية بين الجيش اللبناني وعدد من الأهالي، وذلك بعد نجاح اختبار التعاون الأول من نوعه على الأرض بين الجيش والفصائل الفلسطينية منذ العام 2007. وأحدث ذلك حالا من الارتياح، وأعاد للفصائل بعضاً من دورها على الأرض، ما من شأنه أن يقطع الطريق أمام محاولات الاستثمار والتحريض السياسي.
ويؤسس ذلك النجاح الذي تجلت ملامحه في محطات عدة لعلاقة جديدة من التعاطي الإيجابي والمثمر بين الطرفين، اللذين باتا على قناعة تامة بحاجة كل واحد منهما للآخر ضمن موقعه، خصوصاً من جهة الفصائل التي تتطلع إلى أن يمنحها الجيش حرية حركة على الأرض، تعيد من خلالها هيبتها وثقة قاعدتها الشعبية بها، ما يجعلها قادرة على التدخل في الحالات الطارئة وضبط الأمور بالسرعة المناسبة.
ويرى البعض في المخيم أن تراجع نفوذ الفصائل في الآونة الأخيرة كان نتيجة للإخفاقات التي منيت بها منذ انتهاء أزمة البارد، بسبب عدم قدرتها على تنفيذ أي من الوعود التي أطلقتها لجهة الإعمار، وعودة النازحين، وتخفيف الإجراءات الأمنية، وإلغاء نظام التصاريح. وهي عناوين أحرجت الفصائل، وكادت تخرجها من المعادلة في ظل تنامي دور الحركات الاحتجاجية، واتخاذ بعضها أطرا تنظيمية على شكل هيئات ولجان. ولعل الأحداث الأمنية التي شهدها البارد مؤخراً، ساهمت إلى حد كبير في ترسيخ القناعة لدى المعنيين اللبنانيين بدور الفصائل الإيجابي، والتي كانت لعبت دور الاطفائي في إخماد نيران البارد ولا تزال تعمل على تبريد الأجواء من خلال مواكبتها الميدانية لكل التفاصيل، ورفع مستوى حضورها التنظيمي على الأرض، والذي برز خلال تشييع فؤاد لوباني، بعدما حالت إجراءاتها دون تكرار ما حدث خلال موكب تشييع أحمد قاسم من مواجهات مع الجيش.
لا يختلف اثنان على مدى التأثير السلبي الذي خلفه غياب الدور التنظيمي للفصائل عن أرض البارد، والذي أدى إلى حصول فراغ لم يستطع الجيش أن يملأه، لاعتبارات عدة منها ما هو موروث ومنها ما هو ناتج عن تراكمات السنوات الخمس التي أمضاها الجيش في كنف المخيم، بعدما ترك وحده في مواجهة تداعيات الوضع الاقتصادي، والمعيشي، والإنمائي للاجئين في ظل تلكؤ المسؤولين السياسيين عن تنفيذ وعودهم بأن العودة حتمية والنزوح مؤقت.
اليوم لا تبدو نظرة القيادة العسكرية اللبنانية إلى ما يجري على الأرض محصورة في الشق الأمني فقط، بعدما تبين أن الوصول إلى الأمن يحتاج إلى البحث عن الأسباب لمواجهة الساعين إلى الاستثمار، وإلى النفخ في بوق التحريض، خصوصاً وأن الأمور لا تزال مفتوحة على احتمالات عدة، باعتبار أن الاستقرار النسبي الذي يعيشه المخيم لا يعدو كونه هدنة قد تنفجر في أي لحظة تتلاءم فيها الظروف الميدانية في المخيم مع مشاريع الاستثمار السياسي اللبناني. ويؤكد أمين السر لـ«حركة فتح» في الشمال أبو جهاد فياض أن «التنسيق مع قيادة الجيش قائم، وأن ما تم الاتفاق عليه من بنود ساري المفعول، ونحن نعمل لتجنيب المخيم اي خضات امنية، ولن نسمح للعابثين بالأمن بأن يهددوا الاستقرار الذي ينعم به المخيم». ويلفت إلى أن «عودة الفصائل لممارسة دورها الفاعل على الأرض، يحتاج إلى التعاطي الإيجابي من الجيش في تنفيذ بنود الاتفاق، بما سيعيد ثقة المواطنين بالفصائل».
بدوره شدد مسؤول «حركة فتح الانتفاضة» في الشمال خليل ديب على «ضرورة تضافر الجهود بين الدولة اللبنانية الفصائل الفلسطينية من أجل مواجهة محاولات زجّ المخيمات في الصراع اللبناني»، داعيا إلى «الإسراع في معالجة جميع المشكلات التي يعانيها النازحون وفي مقدمتها مخيم البارد». وشهد المخيم أمس عودة الحركة الطبيعية إلى شوارعه، ولم يعكر صفوها إلا إشكال فردي وقع بالقرب من قاعة جار القمر، قطعت على إثره الطريق لبعض الوقت من قبل شبان على خلفية تلاسن مع دورية للجيش اللبناني، قبل أن تتدخل الفصائل واللجنة الشعبية وبعض رجال الدين، ويعملوا بالتنسيق مع قيادة الجيش على تهدئة الأمور وإعادة فتح الطريق.
ويواصل بعض الشبان في مخيم البارد وبالتنسيق مع الفصائل واللجان الشعبية والفاعليات اعتصامهم المفتوح ضمن الخيمة التي وضعوها وسط الشارع الرئيس، وذلك لحين تحقيق مطالبهم المتعلقة بتشكيل لجنة تحقيق في حادث قتل قاسم ولوباني، وتخفيف الإجراءات الأمنية، وإلغاء نظام التصاريح. ذلك في حين شهد مخيم البداوي ليل أمس الأول تحركاً احتجاجيا على خلفية أحداث مخيم البارد وعين الحلوة. وتجمع عشرات الشبان وقاموا بقطع بعض الطرق داخل المخيم وخارجه بالإطارات المشتعلة. وتدخلت الفصائل وعملت على إعادة فتحها، محذرة من مغبة اللجوء إلى قطع الطرق مجدداً. وتوعدت بالضرب على اليد التي تحاول تعكير صفو المخيم.
كما شهد المخيم تحركاً احتجاجيا من قبل شباب الحراك الشعبي، وهم مجموعة من الناشطين الاجتماعيين والمثقفين والطلاب، حيث نفذوا وسط الشارع في مخيم البداوي اعتصاما تضامنيا مع المخيمات. ورفعوا لافتات تطالب بـ«الغاء الحالة الأمنية، وفك الحصار عن المخيمات والتعامل إنسانيا مع اللاجئين». الاعتصام أراده منظموه أن يكون حضاريا، وأن ينقل صورة مغايرة عن المخيمات، كما أوضح الناشط الاجتماعي حاتم مقدادي، مشيراً إلى أن «ردات الفعل التي شهدتها المخيمات من خلال حرق الإطارات وقطع الطرق وإطلاق التصاريح المسيئة وغير المسؤولة لا تنم عن واقع ابناء المخيمات، الذين يرفضون الإساءة لأحد أو الإضرار بأبناء الجوار».
وحذر رئيس «اللقاء التضامني الوطني» في الشمال الشيخ مصطفى ملص من «محاولة زج المخيمات الفلسطينية في أتون الصراعات اللبنانية»، مطالبا الدولة اللبنانية بـ«معالجة الملفات المعيشية والإنسانية للاجئين وعدم التعاطي معهم من زاوية أمنية». وزار وفد من رؤساء بلديات وأئمة مساجد عكار البارد، حيث عقد لقاء في مقر «حركة فتح» في المخيم. وكان تأكيد على ضرورة إطفاء نار الفتنة في المخيم، وعلى إقامة افضل العلاقات بين المخيم وجواره اللبناني.
المصدر: عمر إبراهيم – السفير