وجه جديد من وجوه العذاب الفلسطيني: مخيمات
لبنان تنتفض غضباً بوجه "الأونروا”!

السبت، 16 كانون الثاني، 2016
إنفجرت الأزمة بين الفلسطينيين في المخيمات
اللبنانية وبين وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، على خلفية قرار أصدرته الأخيرة يقضي
يتخفيض قيمة عقود إستشفاء الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية، من 100 بالمئة في مستشفيات
الهلال الأحمر الفلسطيني والمستشفيات الحكومية وبعض المستشفيات الخاصة التي تتعاقد
معها وكالة الغوث على مختلف الأراضي اللبنانية داخل وخارج المخيمات، إلى نسبة 95% في
مستشفيات الهلال الاحمر الفلسطيني، و85% في المستشفيات الحكومية اللبنانية و80% في
مستشفى الراعي، كما ألغت الوكالة بعض العقود مع بعض المستشفيات الخاصة، وحصرت قرار
تحويل المرضى الفلسطينيين إلى المستشفيات الخاصة بموافقة مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني
أو المستشفيات الحكومية دون غيرهما.
وبات، بالتالي، يترتب على المرضى الفلسطينيين
تغطية ما تبقى من تكاليف مادية مقابل إستشفائهم، والامتناع عن تحويل المرضى إلى المستشفيات
الخاص إلا لبعض الحالات النادرة، علماً أن وكالة الغوث (الأونروا) لم تكن تغطي كافة
الأمراض أو العمليات الجراحية التي يحتاجها المرضى الفلسطينيون، لا سيما تلك التي تصنف
بالعمليات غير الطارئة، والتي تتعلق بالأمراض المستعصية أو أمراض القلب المفتوح وغيرها
من العمليات الجراحية التي تتطلب حجوزات مسبقة.
الفلسطينيون في لبنان يتوجسون شراً من قرارات
وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) ولهم معها قصص لا تنتهي ليس في الاستشفاء فحسب، فالوكالة
كانت تنوي تأجيل إفتتاح العام الدراسي في مدارسها هذا العام ثلاثة أشهر عن موعده، بحجة
العجز المالي، لولا تدخل السلطة الفلسطينية بشكل مباشر عبر الرئيس محمود عباس لتسديد
العجز المالي في قطاع التربية لهذا العام، وهي تنذر الطلاب في الصفوف المتوسطة بأنها
ستقفل مدارس التعليم الثانوي في لبنان عام 2018 أسوة بالتعليم الثانوي في دول اللجوء
الأخرى (الأردن والعراق وسوريا ومصر والأراضي الفلسطينية) حيث يعامل الفلسطينيون أسوة
بأبناء تلك الدول على عكس ما هو في لبنان، كما هناك إتجاه لدى (الاونروا) لتخفيض نفقاتها
في الشؤون الإجتماعية لا سيما المساعدات للعائلات المقيمة خارج المخيمات.
الفلسطينيون بكافة فصائلهم ومنظماتهم السياسية
والأمنية والمدنية والأهلية رفضوا قرار الاونروا، وجرت محاولات ثنيها عن القرار، حيث
إلتقى وفد من الفصائل ومن اللجان الشعبية عدة مرات مع مسؤولي الوكالة في لبنان، لكن
دون جدوى.
أمين سر اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية
أبو أياد الشعلان، أوضح "للأنباء” أن أكثر من ثلاثين ألف مريض تلقوا مساعدات استشفائية
من (الاونروا) العام الماضي جميعهم دون خط الفقر، ولا يمكنهم دفع أي مبلغ إضافي على
خدمات الاستشفاء، وهذا ما يستدعي منا رفض إجراءات (الاونروا)، وقال: "أجرينا عدة لقاءات
مع مسؤولي (الاونروا) وسجلنا ملاحظاتنا على القرار، وطالبنا بتجميده، لكن (الاونروا)
تحملنا جميل بأنها حولت مبالغ الاستشفاء من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين إلى
لبنان، علماً أن الاستشفاء في سوريا وغيرها من الدول المضيفة على نفقة الدول وليس الاونروا
على عكس ما هو حاصل في لبنان، وأن المبالغ المرصودة للإستشفاء لا تكفي من الأساس وهي
تقارب نحو 10 ملايين دولار”. وأضاف الشعلان قائلا: "طالبنا يتجميد القرار لكن مدير
عام (الاونروا) رفض التجميد، فعلى ضوء ذلك بدأت الاعتصامات وبدأت التحركات داخل المخيمات،
لكن كأي تحرك عفوي حاول البعض إستغلاله في البداية وإثارة أجواء الفوضى، فنحن في اللجان
وفي الفصائل نرفض إغلاق مكاتب ومؤسسات الاونروا، لأنها وجدت لخدمة الناس”.
وكشف الشعلان أن "بعض الأفراد تجاوزوا القرارات
السياسية التي أعلنتها لجنة المتابعة التي شكلت لإدارة الأزمة مع (الاونروا) على مستوى
لبنان والتي تضم إلى ممثلين عن اللجان الشعبية مسؤولي الفصائل الفلسطينية، والتي تولت
ضبط حركة الاحتجاجات وتوجيهها نحو رفض قرار (الاونروا)”.
واوضح الشعلان أن "خطة المواجهة تتلخص بنقطتين
أساسيتين: تنظيم التحركات الاحتجاجية وضبطها وفق آلية عمل تشمل كافة المخيمات، وعقد
مؤتمرات شعبية في المخيمات تشارك فيها كافة القوى والفصائل والفعاليات والجمعيات الأهلية
والمدنية”.
شرارة الاحتجاجات في المخيمات الفلسطينية
إنطلقت من مخيم البرج الشمالي بعد أن أحرق شاب فلسطيني مصاب بمرض التلاسيميا نفسه في
منزله لعدم تمكنه من دفع الاستشفاء، فثار الفلسطينيون غضباً على هذا الواقع المرير
وأغلقوا أبواب مكاتب (الاونروا)، وما لبثت أن توفيت السيدة عائشة حسين نايف في المخيم
ذاته بعد أن رفضت (الاونروا) تسديد تكاليف علاجها السريع التي كانت تحتاجه.
وسرعان ما إنتقلت شرارة الاحتجاجات من مخيم
إلى آخر رفضاً لقرار (الاونروا) تقليص الخدمات الاستشفائية وتضامنا مع أهالي مخيم البرج
الشمالي.
مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان مروان عبد
العال إعتبر أن إجراءات (الاونروا) الأخيرة لا يمكن وصفها إلا بالإستفزازية، لأنها تتعلق بملف الصحة، الذي
هو عنوان حساس جداً كونه يندرج في نطاق المسألة الإنسانية المرتبطة بحياة عموم الناس.
وهذا من شأنه أن يضرب سمعة المنظمة الدولية ذاتها التي تحمل لواء هذة الوظيفة الإنسانية،
فلا يجوز أن يمس كرامة الانسان من أعطيت له العهدة للقيام بصيانتها.
وإعتبر عبد العال في حديث مع "الأنباء”
أنه "في السياق البعيد ما قامت وتقوم به الاونروا مؤخراً يؤشر إلى تغييرات جوهرية في
أداء هذه المنظمة الأممية، لنقل دورها التدريجي من وكالة إغاثة وتشغيل إلى دور أقل
شأناً، وهذا يقع حكماً في نطاق السياسة”.
وعن قرار تقليص الخدمات الصحية الحالية
المتعلقة بالبرنامج الصحي، قال عبد العال: "الموازنة كما هي عشرة ملايين دولار. لكن
التقليص ناتج عن أن حجم الأعباء وزيادة الحاجة والنمو الطبيعي لم يؤخذ بعين الاعتبار،
لذلك فالموارنة لم تلحظ ذلك، فتصبح بهذا المعنى تراجعاً. وكذلك سوء وجهل قسم الصحة،
الذي وقع في عجز السنة الماضية بقيمة ثمانية ملايين دولار، دون إنذار مسبق أو إستدراك
إداري مدروس، ولكي يقوم بتسديد العجز كان البرنامج الجديد الأكثر غباء والأبعد عن قراءة
الواقع. وبذلك تكون قد قامت الإدارة في تكرار الخطأ نفسه وتحميل شعبنا أعباء سوء الإدارة
هذه”.
أضاف: "نحن طلبنا من المفوض العام رسمياً
وسياسياً أن يتراجع عن هذه الإجراءات الخرقاء بأقصى سرعة ممكنة. وأي مقاربات جديدة
يجب أن تجري بين قسم الصحة في (الاونروا) والجسم الصحي الفلسطيني وخاصة الهلال الأحمر”.
وإعتبر عبد العال أن "الاحتجاجات الشعبية
هي حق مشروع للناس في نطاق إستراتيجة مواجهة حضارية تؤدي الوظيفة وتسمع الوجع لمن يجب
أن يسمعه ويشعر به، لتحسين أداء (الاونروا) وليس لرفض وجودها، للقيام بدورها لتلبية
حاجات الناس وليس لاعفائها من دورها وكذلك في نطاق هذه السياسة هي تشكيل لقاءات تشاورية
في المخيمات تضم القوى الفصائلية والوطنية والإسلامية والشعبية والمدنية والشبابية.
وهذا يكون بالحرص على الاجماع ورفض أي تشويش أو تفرد أو إستغلال للمعاناة، هذا هو شرط النجاح لحماية كرامة شعبنا التي هي خط أحمر”.
المسؤول الاعلامي لحركة "حماس” في لبنان
رأفت مرة إعتبر في حديث مع "الأنباء”، أن "إقدام الأونروا على تقليص الخدمات الصحية
المقدّمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان سيؤدي إلى نتائج خطيرة جداً على المستويات الإنسانية
والاجتماعية والسياسية. فهذه القرارات ستؤدي إلى تفاقم أزمات اللاجئين في قضايا الصحة
والاستشفاء، وإلى إحداث أزمات إجتماعية وإنسانية تهدد الاستقرار السياسي والأمن الإجتماعي
في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان. فهي تضاف إلى قضايا البطالة، والفقر، وتراجع
التعليم والتقديمات الاجتماعية”.
ورأى أن "قرار تقليص الخدمات له نتائج سياسية
خطرة، فهو يظهر وجود قرار دولي بإنهاء دور منظمة الأونروا، وإنهاء قضية اللاجئين، ما
يفتح الباب أمام إحتمال التوطين وإسقاط حق العودة”، وحذر مُرّة من خطورة تقليص خدمات
(الأونروا) لأنه "يعني بشكل أو بآخر، نقل أعباء ملف اللاجئين إلى الدولة المستضيفة،
وهذا يعني إما تحميل الحكومة اللبنانية تكاليف الأعباء الصحية والتعليمية والاجتماعية،
وإما التخلي عن إغاثة ورعاية اللاجئين”.
من جهتها، مسؤولة الاعلام في وكالة غوث
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) السيدة زيزيت دركزللي في تصريح وزعته لوسائل
الإعلام المرئي والمكتوب، نفت وجود تقليصات في (الأونروا)، وخصوصاً في الملف الصحي،
وإعتبارها "الاحتجاجات الشعبية في جميع المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان مبنية
على باطل”، معتبرة أن "التغييرات في السياسة الاستشفائية جاءت بناء على مطالبات فلسطينية
برفع نسبة تغطية العمليات الجراحية من الدرجة الثالثة”.
مصادر فلسطينية متابعة للملف الصحي أوضحت
"للأنباء” أن "(الاونروا) كانت تتعاقد مع معظم المستشفيات الخاصة بعقود للدرجة الثانية
والدرجة الثالثة بنفس مبالغ وزارة الصحة اللبنانية، وتحصل على حسم يترواح بين 20 بالمئة
و30 بالمئة في السنوات السابقة، أما عقود هذه السنة 2016 فإنها حصلت على حسم بنسبة
20 بالمئة فقط، وهذا يعني أن فاتورة الاستشفاء ستكون مرتفعة 10 بالمئة عن السنوات السابقة.
وبالتالي، فإن نسبة الـ 10 بالمئة التي أضافتها "الأونروا” لتحسين خدمات المستوى الثالث،
سوف تستوفيها من المرضى الفلسطينيين”.
الجدير بالذكر أن مرضى العمليات الباردة
(البحصة، الفتاق، اللحمية، البواصير..) كان بإمكانهم إجراءها مباشرة في مستشفيات الهلال
الأحمر الفلسطيني بعد الحصول على تحويل من (الأونروا). لكنها هذا العام حددت أعداد
هذه العمليات بأرقام محددة شهرياً، وهذا بحد ذاته تقليص للخدمات”.
وأوضحت المصادر أن (الأونروا) وعلى عكس
ما تدعي إدارتها لم تُحسّن الخدمات الصحية المقدمة للاجئين الفلسطينيين، بل عملت وتعمل
على تقليصها من خلال فرضها نسبة 20 بالمئة على المرضى في المستوى الثاني، وهذا ما لم
يكن سابقاً. وزيادة على ذلك، أجبرت وكالة (الأونروا) المرضى الفلسطينيين بالتوجه أولاً
إلى مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، وإن تعذّر ذلك فإلى المستشفيات الحكومية، وإن
تعذر ذلك فالمستشفيات الخاصة. وإجبار المرضى على دفع تأمينات مسبقة تحدد قيمتها سياسة
كل مستشفى على حدة.
وأشارت المصادر أن "عدد المستشفيات التابعة
للهلال الأحمر الفلسطيني غير قادرة على تقديم الخدمة الصحية بالشكل الأمثل، وليس لديها
القدرة الاستيعابية الكافية، وعدد المستشفيات غير كافٍ أساساً (يوجد خمس مستشفيات في
لبنان فقط وهي: بلسم، الهمشري، حيفا، صفد، الناصرة)”.
وأوضحت المصادر أن وكالة (الأونروا) هي
المسؤولة قانونياً وإنسانياً عن مجتمع اللاجئين وعليها أن تقدم لهم الخدمات كافة نوعاً
وكماً، وعليها أن تتفاعل إيجابياً مع غضب الشارع الفلسطيني وأن تبذل جهداً جاداً وصادقاً
لتلبية حاجاتهم.
إن مطالب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
واضحة، وهي العودة إلى السياسة الاستشفائية التي كانت معتمدة في العام 2015. ولا تراجع
عن التحركات ما لم تتراجع (الأونروا) عن التقليصات.
فتحت أزمة الأونروا جروح الألم الفلسطيني،
ووضعت الفلسطينيين أمام مستقبل مظلم، وبالتالي فإن على الدولة اللبنانية أن تشارك الفلسطينيين
وجعهم وأن تتدخل لدى المراجع الدولية لمعالجة الازمة المتفاقمة قبل أن ينفجر الغضب
الفلسطيني المتفاقم ما قد ينعكس سلباً على الإستقرار اللبناني. فهناك خوف حقيقي من
تفاقم هذه الأزمة.
المصدر: الأنباء