يوميات اللاجئين الفلسطينيين.. مسرحيّة
الأربعاء، 11 نيسان، 2012
لم تتمالك هبة أعصابها أثناء سماعها أستاذ المسرح وهو يروي عن أخوته الذين لم يرهم منذ ثلاثين سنة، فانهالت بالبكاء. فحالة الأستاذ تشبه حالة آلاف العائلات الفلسطينية التي تفرّق أفرادها في دول الشتات. تتوقف هبة عند هذا المشهد، وتتذكر كيف أن ظروف النكبة أبعدتها عن إخوتها الذين هجّروا إلى أوروبا، ولم تعد تستطيع زيارتهم بسبب عدم قدرتها على الحصول على تأشيرة سفر.
هبة الترك واحدة من ثمانية فلسطينيين، قرروا أن يجسدوا حياتهم في مسرحية تفاعلية، بعنوان «بدنا نعيش بكرامة»، ستبصر النور في 21 نيسان الجاري، تحت إشراف الفنان والمخرج الفلسطيني وليد سعد الدين.
ويشرح سعد الدين لـ«شباب السفير» عن الهدف الأساسي من المسرحية. يقول: «هي عبارة عن ورشة عمل تسعى لبناء نصّ وسيناريو لمسرحية إنسانية، تتناول حقوق الفلسطينيين الاجتماعية والمدنية، بهدف إيصال رسالة واضحة للجهات المعنية لمعالجة القضايا الاجتماعية التي يعاني منها شباب المخيمات». ويؤكد «أن هذه المسرحية تطرح مشاكل الشباب، وأهمها حق العمل المحرومين منه، مع التشديد على تمسكهم بحق العودة إلى فلسطين المحتلة». وحسب سعد الدين، سيأتي النصّ المسرحي على شكل حديث الحكواتي، بهدف إشراك الجمهور.
في إحدى قاعات المدرسة داخل مخيم شاتيلا، تحضر هذه المجموعة بدافع التدريب للمسرحية. أما أبطالها فهم شبان وشابات من المخيم، سيجتمعون معاً ليؤسسوا فرقة «الجليل للمسرح الفلسطيني»، والتي سيطلقها رسمياً اتحاد الشباب الفلسطيني «أشد»، في إطار برامجه الهادفة إلى تنمية إبداعات الشباب وتطوير قدراتهم الفنية المتنوعة.
وستولد المسرحية من رحم التجربة، خصوصاً أن المشاركين هم من سيتولون كتابة النص، وسيخوضون تجربة التمثيل للمرّة الأولى، «لأن في داخلهم الكثير من الكبت، سيفكون أسره من خلال المسرح التفاعلي». وهؤلاء يتوزعون بين خريجين يحملون شهادات جامعية وطلاب، في عدة مجالات علمية وأدبية، وبما أن «بطاقة اللاجئ الفلسطيني الزرقاء» لا تسمح لهم بالانضمام إلى سوق العمل اللبناني، «جاءت المسرحية بمثابة فشة خلق للمشاركين».
ومن خلال المسرحية، سيستعيد المشاركون التاريخ المشرق لفرق فنية طالما جسدت الهوية الوطنية الفلسطينية ومعاناة ونضال الشعب الفلسطيني، في خطوة تشجيعية لإطلاق إبداعات الشباب ومواهبهم المختلفة، من مسرح وغناء وفلكلور، بما «يؤسس لمرحلة جديدة، يتم خلالها استنهاض كل الطاقات الشبابية وإعادة الروح والحياة إلى الفن والإبداع الفلسطيني وتسخيره في خدمة القضية الفلسطينية»، كما يهدف مؤسسو الفرقة.
في قاعة المدرسة، تجري الاستعدادات على قدم وساق، في مكان لا يمت بأي صلة للمسرح، لكنه سيسمح باكتشاف مواهب المشاركين الذين يواصلون التدرب على أداء مشاهد تجسّد يومياتهم كلاجئين. من هنا، لن يكون صعبا على هؤلاء الإتيان بأفكار تخدم نصّ المسرحية. كل ما عليهم فعله أن يسردوا يومياتهم ويكتبوها على ورق، فيكتمل النصّ.
هبة الترك التي بكت إخوتها أثناء التدريب على أحد المشاهد، درست التصوير واحترفته. إلا أنها حتى الساعة لم تنل فرصة العمل بشهادتها. هناك حدود لأحلامها، لا تتجاوز حدود المخيم الذي تقطن فيه. هنا تلتقط العديد من الصور وهنا تنحصر إبداعاتها. قرّرت المشاركة في المسرحية، لأنها متأكدة أنها «الفرصة الوحيدة التي ستساعدها على القول: «دعوني أعش بكرامة».
ويرى محمد سليم، الحاصل على شهادة هندسة ميكانيك، أن «المسرح عبارة عن ثقافة وفن، ومرآة تعكس هموم الشباب، وفرصة التعرف الجميع على مأساتنا اليومية». وفي المناسبة، يطالب محمد، «بما أنه لا يوجد عمل»، نقابة الفنانين الفلسطينيين بعدم إهمال موضوع المسرح الفلسطيني، «لأن ّلدينا مواهب فنية متنوعة».
محمد ورفاقه توجّهوا جميعاً إلى المسرح لإيصال رسالة واحدة. برأيهم هو المكان الوحيد الذي لن يعترض على «بطاقتهم الزرقاء»، كما تقول رانيا العجوز التي مزّقت شهادتها بعدما عجزت عن الحصول على وظيفة. وتؤكد رانيا: «سأثبت مواهبي من خلال هذا المسرح، وهنا لن يقول لي أحد: ارحلي، أنت فلسطينية».
«أنا فلسطيني، ولديّ قضية. لذلك قررت المشاركة في المسرحية»، يشرح محمود فلاح، المؤمن بأن «المسرح يعرّف العالم على معاناتنا». ومحمود هو طالب إدارة أعمال في الجامعة اللبنانية. وفي نص المسرحية سيكتب محمود «أنّ التفوق لا يجدي نفعاً، فمصيري سيكون مشابها لمصير زملائي من اللاجئين الفلسطينيين».
لمحمود طرابلسي أسبابه الخاصة التي دفعته للمشاركة. هو خريج «معلوماتية ومصرفية» من الجامعة العربية، ويعيش مع هاجس الحصول على فرصة العمل، منذ تعرضه لحادثة مؤلمة لا يستطيع تجاوزها. كان واحدا من بين 15 طالبا اختارتهم الجامعة للخضوع للتدريب في أحد أهم المصارف اللبنانية. وتم الاتفاق مع الجامعة على أن توظّف هذه النخبة بعد التدريب. إلا أن محمود كان الوحيد الذي خسر حتى فرصة التدريب، بسبب هويته الفلسطينية. وبرأيه، سيمثّل أجمل مشهد في حياته حين سينقل هذه الحادثة من خلال المسرحية.
غسان عوض، طالب رياضيات، ونور عبد الله طالبة أدب انكليزي، انضما أيضاً إلى المسرحية للأسباب نفسها. إلا أن السبب الذي يوحّدهم جميعاً، برغم اختلاف التفاصيل، هو إيمانهم بأن «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، وأن «جميع الناس لديهم وطن يعيشون فيه.. إلا نحن لدينا وطن يعيش فينا».
المصدر: زينة برجاوي - السفير