
الثلاثاء، 13 أيار، 2025
قبل أيام من ذكرى النكبة السابعة
والسبعين التي تحلّ في 15 مايو/ أيار، أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
تقريراً تضمّن بيانات يمكن وصفها بالصادمة. واستعرضت رئيسة الجهاز علا عوض أوضاع
الشعب الفلسطيني في هذه المناسبة، مشدّدةً على أنّ نكبة 1948 لم تتوقّف بل ما زالت
تتواصل بأشكال مختلفة من التهجير والتدمير والسيطرة على الأرض وأهلها.
وتحت عنوان "النكبة: تطهير عرقي
مستمر وإحلال سكاني وسيطرة على الأرض"، أفاد الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني بأنّ أحداث النكبة في فلسطين وما تلاها من تهجير لأهلها "مأساة
كبرى للشعب الفلسطيني". وأوضح أنّ النكبة جسّدت وما زالت "التطهير
العرقي بأبشع صوره، نظراً إلى ما صاحبها من طرد لشعب بأكمله وإحلال جماعات وأفراد
من شتّى بقاع العالم مكانه". وقد هُجّر نحو 957 ألف فلسطيني من أصل 1.4
مليوناً كانوا يقيمون في نحو 1,300 قرية ومدينة فلسطينية في عام 1948، وذلك إلى
الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، بالإضافة إلى التهجير الداخلي
لآلاف منهم في الأراضي التي راحت ترزح تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام
1948. فالاحتلال وضع يده على 774 قرية ومدينة فلسطينية، من بينها 531 دُمّرت كلياً،
فيما أخضع ما تبقّى من تجمعات فلسطينية لقوانينه. إلى جانب ذلك، هُجّر أكثر من 200
ألف فلسطيني بعد حرب حزيران/ يونيو 1967.
وبيّن الجهاز الفلسطيني في تقريره أنّ
عملية التطهير التي نُفّذت خلال النكبة تصاحبت مع أكثر من 70 مجزرة ارتكبتها
العصابات الصهيونية بحقّ الفلسطينيين، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد أكثر من 15 ألف
فلسطيني. واليوم، ما زال الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب
الفلسطيني التي تصاعدت بوتيرة أكبر خلال العدوان الأخير المتواصل على قطاع غزة،
وكذلك على الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
عدد الفلسطينيين
تضاعف 10 أمثال بعد 77 عاماً على النكبة
وفي تناوله الواقع الديمغرافي، كشف
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنّ عدد الفلسطينيين تضاعف نحو عشر مرّات بعد 77
عاماً على النكبة. وقد بلغ عدد سكان دولة فلسطين المقدّر نحو 5.5 ملايين فلسطيني
اليوم، 3.4 ملايين في الضفة الغربية و2.1 مليون في قطاع غزة، علماً أنّ عدد أهل
غزة المقدّر انخفض نتيجة للحرب المتواصلة عليه منذ أكتوبر 2023 بمقدار 10%. وبناءً
على التقديرات السكانية التي أعدّها الجهاز، فإنّ ثمّة 15.2 مليون فلسطيني في
العالم في منتصف عام 2025، أكثر من نصفهم يقيمون خارج فلسطين التاريخية، أي 7.8
ملايين، من بينهم 6.5 ملايين في الدول العربية. أمّا في فلسطين التاريخية، فيقيم
نحو 7.4 ملايين فلسطيني، إلى جانب نحو 7.4 ملايين يهودي وفقاً لتقديرات دائرة
الإحصاء المركزية الإسرائيلية، وبذلك، يتساوى عدد الفلسطينيين والإسرائيليين في
فلسطين التاريخية في الوقت الراهن.
ولفت الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني، في تقريره الأخير، إلى أنّ عدد السكان في فلسطين التاريخية في عام 1914
كان يُقدَّر بنحو 690 ألف نسمة، شكّلت نسبة اليهود منهم نحو 8% فقط. وفي عام 1948،
تخطّى عدد السكان مليونَي نسمة، من بينهم نحو 31.5% من اليهود، إذ تدفق بين
العامَين 1932 و1939 أكبر عدد من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، فبلغ عددهم 225
ألفاً. ثمّ تدفّق على فلسطين بين العامَين 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي،
وبهذا، تكون فلسطين قد استقبلت بين العامَين 1932 و1947 نحو 318 ألف يهودي، وفيما
تدفّق أكثر من 3.3 ملايين يهودي منذ عام 1948 حتى عام 2023.
شهداء الحرب على
غزة 34% من مجموع الذين سقطوا منذ النكبة
وتناول الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني، في تقريره الخاص بمناسبة مرور 77 عاماً على النكبة الفلسطينية، عدد
الشهداء منذ عام 1948 وحتى اليوم، داخل فلسطين وخارجها، الذي قُدّر بأكثر من 154
ألف شهيد. وبحسب التفاصيل، بلغ عدد الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000
حتى الثامن من مايو 2025 نحو 64 ألفاً و500 شهيد. كذلك، فإنّ نحو 52 ألفاً و600
شهيد سقطوا في خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى
الثامن من مايو الجاري، وهؤلاء يشكّلون أكثر من 34% من مجموع الشهداء منذ النكبة،
من بينهم أكثر من 18 ألف طفل وأكثر من 12 ألف امرأة.
ولفت الجهاز إلى أنّ أكثر من 11 ألف
مواطن يُصنَّفون، منذ السابع من أكتوبر 2023، في عداد المفقودين، معظمهم من النساء
والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 125 ألف جريح، وذلك وفقاً لسجلات وزارة الصحة
الفلسطينية في قطاع غزة. أمّا بخصوص الضفة الغربية، فقد استشهد فيها 964 فلسطينياً
منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي قبل أكثر من 19 شهراً.
من جهة أخرى، بيّن الجهاز المركزي
للإحصاء الفلسطيني أنّ سكان قطاع غزة أُجبروا مراراً وتكراراً على الفرار من
منازلهم مكرهين، وأشارت التقديرات إلى نزوح نحو مليونَي فلسطيني من بيوتهم من أصل
نحو 2.2 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في القطاع المحاصر عشيّة السابع من أكتوبر
2023.
أوضاع كارثية في
قطاع غزة المنكوب
ولأن ما يتعرّض له قطاع غزة من حرب
إسرائيلية يُصنَّف في إطار النكبة المستمرّة للشعب الفلسطيني منذ 77 عاماً، ركّز
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عليه. وأفاد بأنّه منذ الثاني من شهر مارس/ آذار
الماضي، أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاره من جديد على القطاع، الأمر الذي أدّى إلى
تأثيرات بالغة وجعل أكثر من مليونَي فلسطيني في مواجهة خطر الموت جوعاً، من بينهم
أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع اليومي. ولفت إلى أنّ نحو 57
طفلاً استشهدوا بسبب الجوع، فيما أُصيب نحو 65 ألف شخص بسوء تغذية حاد، ونُقلوا
إلى ما تبقّى من المستشفيات والمراكز الطبية المدمّرة في القطاع. كذلك، فإنّ 335
ألف طفل دون سنّ الخامسة، يمثّلون جميع أطفال غزة من هذه الفئة العمرية، هم على
شفا الموت بسبب سوء التغذية الحاد الذي تواجهنه أمهاتهم، في حين أنّ نحو 92% من
الرضع (بين ستّة أشهر وعامَين) بالإضافة إلى أمهاتهم لم يحصلوا على الحدّ الأدنى
من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، الأمر الذي يعرّضهم لمخاطر صحية جسيمة سوف
تلازمهم طيلة حياتهم.
وأوضح الجهاز أيضاً أنّ معدّلات
التزوّد بالمياه تراجعت إلى ما معدّله ما بين ثلاثة ليترات وخمسة للفرد في اليوم،
من جرّاء الأضرار الكبيرة التي تكبّدها قطاع المياه والصرف الصحي في قطاع غزة.
وتُعَد هذه الأرقام أقلّ بكثير من الحدّ الأدنى المطلوب للبقاء على قيد الحياة في
حالات الطوارئ وفقاً لمؤشرات منظمة الصحة العالمية، المقدّرة بـ15 ليتراً للفرد في
اليوم. ويعود ذلك، أساساً، إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وانقطاع التيار
الكهربائي التام واللازم لضخّ المياه من الآبار، وتشغيل المرافق المائية ذات
العلاقة من خزانات ومحطات ضخّ، والقيود المفروضة على توفير الوقود والمواد اللازمة
لتشغيلها.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، عمد
الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير أكثر من 68 ألفاً و900 مبنى وتضرّر نحو 110 آلاف
أُخرى بصورة كبيرة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. أمّا أعداد
الوحدات السكنية التي دُمّرت كلياً أو جزئياً، فقُدّرت بأكثر من 330 ألف وحدة
سكنية، تمثّل في مجموعها أكثر من 70% من الوحدات السكنية في قطاع غزة. يُضاف إلى
ذلك تدمير المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والمقارّ الحكومية
وآلاف المنشآت الاقتصادية، إلى جانب تدمير البنى التحتية كافة من شوارع وخطوط مياه
وكهرباء وشبكات صرف صحي وتدمير الأراضي الزراعية، ليتحوّل قطاع غزة إلى مكان غير
قابل للعيش.
أمّا في الضفة الغربية، فقد عمد
الاحتلال الإسرائيلي، بحسب الجهاز، منذ بداية عام 2025 وحتى نهاية مارس الماضي،
إلى هدم وتدمير ما يزيد عن 651 مبنى كلياً أو جزئياً، بالإضافة إلى إصدار مئات
أوامر الهدم لمنشآت فلسطينية بحجّة عدم الترخيص. كذلك، تهدم سلطات الاحتلال
الإسرائيلي عشرات المباني في المخيمات الفلسطينية، وتهجّر عشرات الآلاف من ساكنيها
من ضمن سياستها لتهجير الشعب الفلسطيني.
المستعمرات
الإسرائيلية في توسع مستمرّ على الأراضي الفلسطينية منذ النكبة
ويمثّل الاستعمار الإسرائيلي وجهاً من
وجوه النكبة المستمرّة. وقد بيّن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في تقريره
الأخير، أنّ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية بلغ 551
موقعاً في الضفة الغربية في نهاية عام 2024، تتوزّع بواقع 151 مستعمرة و256 بؤرة
استعمارية، من بينها 29 بؤرة مأهولة عُدَّت أحياءً تابعةً لمستعمرات قائمة، و144
موقعاً مصنّفاً آخر، وتشمل مناطق صناعية وسياحية وخدمية ومعسكرات لجيش الاحتلال.
وشهد عام 2024 زيادة كبيرة في وتيرة
بناء المستعمرات الإسرائيلية وتوسيعها، إذ صدّقت سلطات الاحتلال على مخططات هيكلية
استعمارية عديدة لبناء أكثر من 13 ألف وحدة استعمارية في كلّ أنحاء الضفة الغربية
بما فيها القدس، من خلال الاستيلاء على نحو 11 ألفاً و888 دونماً من أراضي
المواطنين الفلسطينيين.
وفي ما يتعلّق بعدد المستعمرين في
الضفة الغربية، فقد بلغ 770 ألفاً و420 مستعمراً في نهاية عام 2023. وتشير
البيانات إلى أنّ معظم المستعمرين يسكنون في محافظة القدس بواقع 336 ألفاً و304
مستعمرين يمثّلون ما نسبته 43.7% من مجموع المستعمرين، من بينهم 240 الفاً و516
مستعمراً في منطقة "جاي 1" التي تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي
ضمّته إسرائيل إليها عنوة بُعيد احتلالها الضفة الغربية في عام 1967، تليها محافظة
رام لله والبيرة مع 154 ألفاً و224 مستعمراً، ومحافظة بيت لحم مع 107 آلاف و68
مستعمراً، ومحافظة سلفيت مع 56 ألفاً و777 مستعمراً. أمّا عدد المستعمرين في
محافظة طوباس والأغوار الشمالية، فيبلغ 3,004 مستعمرين. وتمثّل نسبة المستعمرين
إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 23.4 مستعمراً مقابل كلّ 100 فلسطيني، في
حين بلغت أعلى نسبة في محافظة القدس مع نحو 67.6 مستعمراً مقابل كلّ 100 فلسطيني.
وفي سياق مخطّط وضع اليد على الأراضي
الفلسطينية والاستيلاء على أملاك أهلها، يمضي الاحتلال الإسرائيلي في سيطرته على
مزيد من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت ذرائع ومسميات مختلفة. وقد صادر
في عام 2024 أكثر من 46 ألف دونم. وتشير البيانات إلى أنّه خلال ذلك، أصدر 35
أمراً بوضع اليد على نحو 1,073 دونماً، وخمسة أوامر استملاك لنحو 803 دونمات،
وتسعة أوامر إعلان أراضي دولة لنحو 24 ألفاً و597 دونماً، بالإضافة إلى ستّة أوامر
تعديل حدود محميات طبيعية. كذلك، صادر الاحتلال من خلالها نحو 20 ألف دونم، وذلك
من ضمن السياسة الممنهجة والمستمرّة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين كافة، وحرمانهم
من استغلال مواردهم الطبيعية في إطار سياسة الضمّ التي تتّبعها سلطات الاحتلال
الإسرائيلي بخصوص أراضي الضفة الغربية.
وقد نفّذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي
والمستعمرون، بحماية جيش الاحتلال، 16 ألفاً و612 اعتداءً بحقّ المواطنين
الفلسطينيين وممتلكاتهم في عام 2024، بحسب ما أوضح الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني في تقريره الأخير. وتوزّعت هذه الاعتداءات بواقع 4 آلاف و538 اعتداءً
على الممتلكات والأماكن الدينية، و774 اعتداءً على الأراضي والثروات الطبيعية، و11
ألفاً و330 اعتداءً على الأفراد، كذلك، تسبّبت هذه الاعتداءات في اقتلاع وتضرّر
وتجريف أكثر من 14 ألفاً و212 شجرة، من بينها 10 آلاف و459 شجرة زيتون. وفي الأشهر
الثلاثة الأولى من عام 2025، وُثّق أكثر من 5 آلاف و470 اعتداءً من قبل سلطات
الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين على المواطنين الفلسطينيين والممتلكات والأماكن
الدينية، بالإضافة إلى الإجراءات التعسفية التي تأتي بها سلطات الاحتلال
الإسرائيلي من نشر الحواجز والبوابات عند مداخل معظم التجمعات الفلسطينية التي بلغ
عددها نحو 900 حاجز، الأمر الذي يعيق حركة المواطنين وتنقّلاتهم بين التجمعات
والمدن الفلسطينية.