القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

المخيمات الفلسطينية إلى أين؟ مخيم برج البراجنة نموذجاً

المخيمات الفلسطينية إلى أين؟ مخيم برج البراجنة نموذجاً

الحلقة الأولى

تنشر "البراق" على حلقات تصوراً لمصير المخيمات الفلسطينية في لبنان، من خلال مخيم برج البراجنة كنموذج. وفي هذا العدد تنشر الحلقة الأولى، والتي تتناول نظامي الأسرة والتعليم في المخيم المذكور

أحمد الحاج- بيروت

إننا ندرك بداية صعوبة الإجابة عن السؤال المطروح "المخيمات إلى أين؟"، وتحديداً مخيم برج البراجنة موضوع الدراسة، ذلك أننا لسنا جزيرة معزولة عن محيطها القريب والبعيد، وعن تطورات المنطقة بشكل عام. وقد يقع حدث نظنه بسيطاً يغيّر مسار المخيم. ورغم ذلك فإن مسار المخيم الانحداري الحادّ منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 على أقل تقدير، وبالأخص منذ حرب المخيمات عام 1985، هذا المسار، وما خلّفه من مآسٍ في السياسة والاقتصاد والاجتماع يجعلنا في تصوّر مبدئي لما ستكون عليه الحال في المستقبل.

وقبل أن نخوض في السؤال المطروح، ولنعلم حجم المشكلة التي نعاني منها ينبغي أن نعيَ أولاً أن أي مجتمع، وفق بعض علماء الاجتماع، تقوم بحمايته ثلاثة أنظمة وهي: نظام الأسرة، والنظام التعليمي، والنظام السياسي. أما النظام الأخلاقي فهو مبرّر وجود هذه الأنظمة الثلاثة، فغايتها هي حماية النظام الأخلاقي، وخلق بيئة مناسبة له، والمحافظة بالتالي على استقرار الحياة الاجتماعية، ودوام بقائها.

نظام الأسرة

بالنسبة لنظام الأسرة، كوسيط بين الفرد والمجتمع، وهي تضامن بسيط، باتجاه التضامن الاجتماعي الأكبر بين أفراد المجتمع، فإن مجتمعنا بالمخيم كان مجتمعاً ريفياً حيث للأسرة والعشيرة دور محوري في حياة الأفراد. من هنا فإنه في العقود الأولى من إنشاء المخيم، أي في فترة الخمسينيات والستينيات وبعضاً من السبعينيات، نلمس تضامناً اجتماعياً ظاهراً من خلال الأسرة وامتداداتها التي تصل إلى العشيرة أو القرية. هذا التضامن يظهر من خلال لجنة البرج الأولى المشكّلة في المخيم عام 1951، من أعضاء ينتمون إلى قريتي ترشيحا وكويكات ومنهم سامي كمال فاعور وفايز بيرقجي. ونلمس هذا التضامن أيضاً من خلال بعض الإشكاليات التي كانت تأخذ طابعاً قروياً. والأهم من ذلك في بعض الأحداث والمواقف. ففي الخمسينيات طُعن مدير المخيم صبري مصطفى برقبته من أحد سكان الجوار، فلما ثار أهالي المخيم وقف لهم سليم مصطفى أحد زعماء قرية ترشيحا ومنعهم من الخروج من المخيم، والتصادم مع الجوار.

حتى الاجتماعات المفصلية كان هناك ممثلون عن كل قرية، كالاجتماع الذي عُقد في شهر تموز 1958 في منزل عمر شحادة، واللافت أن الاجتماع كان تحت مسمّى اللجنة الشعبية، وأُرسلت مطالب المجتمعين إلى إدارة الأنروا وإلى ما كان يُعرف بـ "الشباب العربي الفلسطيني". وننصح بالعودة إليها حتى نعلم أن بعض هذه المطالب ما زالت معلّقة، وهي هي، منذ أكثر من 50 عاماً. ولا أودّ الاستفاضة بالأمثلة على عمق الترابط الأسري من جهة، ومدى قوة حضور ودور النظام العشائري من جهة ثانية، وإن كان للاثنين صلة جعلتنا نضعهما في سياق واحد. الدور الأسري بدأ يضعف منذ السبعينيات نتيجة تحولات اجتماعية وسياسية، بدأت تقلّل أحياناً من قيمة الأسرة وطبيعتها، وحتى اعتبارها تقليداً في بعض وجوهها يجب تغييره من ضمن التقاليد التي يجب الثورة عليها.

ما يهمّنا هنا سواء في الأسرة أو العشيرة أنهما شكلان من أشكال التضامن الاجتماعي أُصيبا بضرر هائل. ونحن هنا لا ندافع عن نظام العشيرة لكن يجب القول إنه بالنهاية هو نظام له تراتبية هرمية، ويؤمّن حداً أدنى من التضامن الاجتماعي، وإزاحته لم تجلب نظاماً سياسياً واجتماعياً آخر يحقق القيمة التضامنية بمعناها الواسع.

النظام التعليمي

ننتقل من نظام الأسرة إلى نظام لا يقلّ أهمية هو نظام التربية والتعليم. فمعلوم بداية أن الغالبية الساحقة من طلاّب وطالبات المراحل المدرسية هم ملتحقون بمدارس وكالة الغوث "الأونروا"، وأن هذه الوكالة افتتحت صفوفها من خلال خيمة وذلك في عام 1951. ولا نريد الغوص كثيراً في الماضي البعيد، لكن نودّ أن نشير إشارة سريعة إلى أنه في منتصف الخمسينيات كان هناك 13 طالباً فلسطينياً من مخيم برج البراجنة يدرسون في الجامعة الأميركية في بيروت. وهو رقم كبير قياساً بعدد السكان في ذلك الوقت. أما اليوم في بداية عام 2011، فلا نعرف طالباً من هذا المخيم يدرس في الجامعة الأميركية.

وبعيداً من تفاصيل تلك المرحلة، وتطوّر التعليم الهائل في الستينيات، نشير إلى أنه بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، بدأ التراجع الحادّ في المستوى التعليمي لدى سكان مخيم برج البراجنة، حيث إن الاعتقالات التي كانت تقوم بها السلطات اللبنانية جعلت الطالب الفلسطيني في المرحلة المتوسطة وما فوق يخشى الذهاب إلى مدرسته وجامعته خوفاً من القبض عليه. وبدأت النخب في الهجرة، حتى إنه في عام 1983 هاجر 70 ألف فلسطيني من لبنان، كما يروي المرحوم شفيق الحوت في مذكراته.

في عام 1985 حدثت حرب المخيمات بمآسيها، وتعطلت الحياة الدراسية، وأُغلقت مبرة الملك فيصل، المعروفة بأدائها ومستواها الرفيع. ونشأ جيل يائس. حتى إنه في العام الدراسي 1990-1991 لم ينجح في امتحانات الشهادة الرسمية المتوسطية على مستوى الذكور سوى اثنين.

ولمعرفة واقع التعليم في المخيمات، وفي مخيم برج البراجنة تحديداً، نبرز الحقائق والمعطيات التالية:

- يشير تقرير الأونروا والجامعة الأميركية، الصادر قبل أيام إلى أنه لم تلتحق نسبة 8 بالمائة ممن هم في سن الذهاب إلى المدرسة، أي بين 7 و 15 سنة، بأي مدرسة في العام 2010. وأوضح التقرير أن نسبة 6 في المائة فقط من الفلسطينيين يحملون شهادات جامعية. مقابل 20 في المائة من اللبنانيين. وهنا نشير إلى أنه قبل خمسة أعوام تقريباً كانت النسبة المتداولة هي 12 في المائة لدى الفلسطينيين. ويُرجى العودة إلى التقرير لأنه يحمل أرقاماً مهمة ومفزعة في آن.

- أما إذا دخلنا موقع الأونروا على شبكة الإنترنت فنجد أن عدد التلاميذ في عام 2004 كان 41583 تلميذاً، وفي عام 2010 انخفض العدد إلى 32892 تلميذاً، أي حوالى تسعة آلاف تلميذ. وهذا الفرق بالأرقام لم يذهب إلى المدارس اللبنانية لأننا، وحسب الأرقام اللبنانية الرسمية، نجد أن أعداد الطلاب الفلسطينيين في المدارس اللبنانية بين عامي 2004 و 2010 هي شبه مستقرة بين 11 ألفاً و 12 ألفاً. أما فيما يخص هذا المخيم فإن الأرقام في مدارس الأونروا تختلف أيضاً في العام الواحد. ففي رسالة تلقيتها من الأونروا عام 2007 تُبيّن أن عدد تلاميذ المخيم في مدارس الأونروا في تشرين الأول عام 2005 بلغ 2608 تلاميذ، أما في أيار 2006 فقد بلغ 2539 تلميذاً، أي بانخفاض بلغ 69 تلميذاً في عام دراسي واحد.

- ولا نستطيع أن نبحث بالتفصيل في هذا المقام الضيق واقع التعليم في المخيم، لكن نشير بشكل سريع إلى أنه يوجد ممن كانوا من سكان المخيم أكثر من 40 أستاذاً جامعياً على الأقل، وهذا خبر مفرح، لكن المحزن أنهم جميعاً تقريباً من خريجي ما قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ويمكن أن نضيف أشياء وانتقاداتٍ كثيرة للنظام التعليمي وأهمها الفصل بين التربية والتعليم.