القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

خطاب محمود عباس وفلسطينيو 48

خطاب محمود عباس وفلسطينيو 48

الثلاثاء، 27 أيلول، 2011

وودت جملة واحدة فقط في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العمومية في الامم المتحدة عن فلسطينيي 48 عندما قال:" وأضيف هنا أننا بتنا نواجه بشروطٍ جديدةٍ لم يسبق إن طرحت علينا سابقا، شروطٍ كفيلةٍ بتحويل الصراع المحتدم في منطقتنا الملتهبة إلى صراع ديني والى تهديد مستقبل مليون ونصف المليون فلسطيني من مواطني إسرائيل، وهو أمر نرفضه ويستحيل أن نقبل الانسياق إليه" أي انه طرح وجود جزء من الشعب الفلسطيني في أرضه في سياق حديثه عن التشدد الديني للكيان الصهيوني. وفي الوقت الذي تحدث عن ممارسات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية وشرقي مدينة القدس، غابت كليا ممارسات المؤسسة الصهيونية اتجاه فلسطينيي 48 ، من الخطاب الذي وصفه البعض ب"التاريخي"، وكأن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني لا يعاني ايضا من مصادرة الأراضي أو اقامة المستوطنات على أرضه.

أراد رئيس السلطة الفلسطينية ان يقول انه يرفض مقولة يهودية الدولة التي تهدد الوجود الفلسطيني داخل كيان الاحتلال والتي يضعها في نطاق الصراع الديني، مع ان هذه الاطروحة الصهيونية هي نابعة أساسا من الايديولوجية الصهيونية العنصرية الاحلالية، وقد تبناها اليسار الصهيوني العلماني قبل اليمين الديني المتشدد. فمقولة الدولة اليهودية ليست من صنع نتنياهو ولا ليبرمان بل هي أساسا من صنع بيريس ومدرسته الايديولوجية والسياسية، مما يعني ان مقولة الدولة اليهودية ليست مرادفة للتشدد الديني في المجتمع الصهيوني بل موجودة في صميم الفكر الصهيوني. ولا يمكن فهم هذا الاختزال إلا اذا عرفنا ان السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقيات اوسلو ليست معنية بمصير فلسطينيي 48 التي تعتبرهم "مواطنين في دولة اسرائيل". وكما قال رئيس السلطة في خطابه، فهو معترف اصلا بوجود هذا الكيان على 80% من أراضي فلسطين ومعترف ايضا بسيطرة الصهاينة على فلسطينيي 48. وحتى وان اعترف بفلسطينيتهم، يبقى مصيرهم في نظر اتفاقية اوسلو ومحمود عباس، خارج المسار التفاوضي الذي تبناه وخارج المطالبة بدولة فلسطينية وحتى خارج النضال الفلسطيني الذي اختصره على الأراضي المحتلة عام 1967.

في الوقت الذي كان محمود عباس يلقي خطابه امام الجمعية العمومية، كانت الجماهير الفلسطينية في الداخل تصعد معركتها ضد مصادرة الأراضي وخاصة في منطقة المثلث، حيث تعمل المؤسسة الصهيونية على تقطيع أوصال المنطقة التي ما زالت عربية عن طريق السكك الحديدية، الطرق السريعة أو المستوطنات. لقد شاركت الجماهير العربية في مظاهرة دعت اليها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية للتنديد بآخر المخططات الصهيونية ودعا رئيس اللجنة محمد زيدان الى رص الصفوف والحفاظ على خصوصية النضال في الداخل، أي عدم ربطه لا بما سمي "الربيع الاسرائيلي" ولا ب"استحقاق ايلول"، وذلك لأن الوضع في الداخل المحتل عام 1948 يمر بمرحلة مفصلية.

المرحلة المفصلية

في هذه المرحلة التي تتوجه الانظار نحو "المعركة الديبلوماسية" حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومسار المفاوضات، صعدت المؤسسة الصهيونية هجمتها ضد الوجود الفلسطيني في أراضي 48. منذ اقل من شهر، أقرت المؤسسة طرد أهلنا في النقب وشرّعت سرقة أراضيهم وتدمير قراهم غير المعترف بها، دون ان يلتفت الاعلام العربي الى الموضوع، ناهيك عن الاعلام الاجنبي، ودون اي رد فعل مهم من الجانب الفلسطيني بشكل عام. وفي المثلث كما في االجليل والمدن الساحلية، تشنّ المؤسسة الصهيونية حربا على الوجود الفلسطيني المتماسك من خلال اقامة المستوطنات والاحياء الدينية في وسطه وذلك للتغلغل فيه وإضعافه وإشعال هذه المناطق بالحروب المستمرة كي لا يشعر الفلسطيني بأي استقرار في "دولة اليهود".

ومن ناحية أخرى، ومنذ هبة الاقصى في عام 2000، بعد ان اتضح للمؤسسة الصهيونية ان فلسطينيي 48 يتعبرون انفسهم جزءا من الشعب الفلسطيني ومن مقاومته، تكاثرت الدعوات الى طردهم من بلدهم وأرضهم والى التعامل معهم على أساس "المواطنة المشروطة" أي حقوق مواطنتهم مقابل ما سمي بواجباتهم، اي ولاءهم لدولة اليهود والاعتراف بيهودية الدولة والمساهمة العملية في "الدفاع عن الدولة" من خلال تجنيدهم في المؤسسات الامنية الصهيونية. كما تصاعدت الهجمة العنصرية من قبل المؤسسات العامة والخاصة في الدولة في حرب صريحة وواضحة لإرغامهم على تقبّل وضعهم ليس فقط ك"مواطنين" من الفئة الثالثة أو الرابعة، بل ك"مواطنين" يعيشون في تهديد مستمر في دولة لا مكان لهم فيها إلا بفضل موازين قوى دولية، أقليمية ومحلية.

رغم تصاعد نضالهم من جهة أخرى منذ هبة الأقصى أو اكتوبر ومشاركتهم الفعالة في انتفاضة الأقصى على أكثر من صعيد، وحتى على الصعيد العسكري من خلال انتماء بعضهم الى الفصائل المقاومة (وهذا ما تشير اليه الاعتقالات والأحكام العالية لبعض المقاومين)، بقي وضعهم خارج الاهتمام الفلسطيني العام واهتمام الشارع العربي والاسلامي، ليس دائما من أجل احترام خصوصيتهم النضالية في قلب دولة العدو، بل ايضا لاعتبارهم خارج المسار السياسي المرحلي الذي تبنّته فصائل فلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو أو قبل ذلك، منذ تبنّي البرنامج المرحلي عام 1974.

عزل دولة العدو مهمة استراتيجية

لقد اعترف محمود عباس أخيرا في خطابه الأخير بفلسطينيتهم في حين نعتهم قبل سنوات ب"الآخرين" أي غير اليهود في دولة العدو. ولكنه يعيش في وهم فاضح هو وكل الذين يسيرون في نهج أوسلو اذا اعتبروا انه من الممكن اقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية في الأراضي المحتلة عام 1967 الى جانب الدولة الصهيونية حتى ولو ترأسها الأقل صهيونيا من الصهاينة، لأن الدولة الصهيونية كدولة استعمارية واحلالية وفصل عنصري لا يمكن التعايش معها أولا (وهذا ليس شأن داخلي كما صرّح به محمود عباس قبل سنوات) وثانيا، فانها كذلك ليس فقط منذ احتلال بقية فلسطين عام 1967، أي الأراضي التي يطالب محمود عباس بها (على الأقل في خطابه) بل هي دولة استيطان منذ 1948.

لقد ندّد في خطابه بنظام الابارتيد أي الفصل العنصري، وهذا النظام الكريه لا يطال فقط الضفة الغربية والقدس المحتلة، بل يطال أولا ومنذ 1948 الوجود الفلسطيني في الداخل. هل يمكن اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة الى جانب دولة استيطانية معادية للفلسطينيين، اذا فرضنا انه لم تتمكن بعد التوسّع الى المناطق العربية الأخرى؟ لقد طمأن محمود عباس في خطابه، من جهة أخرى، دولة العدو والغرب الاستعماري انه لا يطالب بعزلة الصهاينة في العالم بل يطالب بدخول الشعب الفلسطيني الى المجتمع الدولي. وهذا الكلام ليس فقط عاطفي كما وصفه قيادي في الجهاد الاسلامي، بل متنكر الى مقاومة الشعب الفلسطيني منذ احتلال فلسطين، الذي أوصله الى أروقة الأمم المتحدة كما أوصل الراحل ياسر عرفات من قبله، أي انه استطاع الوقوف أمام هذا الحشد الدولي وتلقي هذا الترحيب تتويجا لتضحيات الشعب الفلسطيني وليس لأنه اختار مسار التفاوض، وللشعب الفلسطيني حضور قوي في ما يسمى المجتمع الدولي لأنه طالب بحقه بالسلاح والعمليات الفدائية وليس بالتفاوض والتنازل.

وأخيراً، معركة عزل دولة الكيان الصهيوني في العالم التي تقوم بها شعوب العالم ومؤسساتها لتساهم في معركة التحرير هي ايضا معركة موجهة ضد اضطهاد فلسطينيي 48 في دولة الكيان، وقد ساهم في اطلاقها فلسطينيو 48 من خلال مؤسساتهم الجماهيرية التي رفضت ان تكون بوقا انتخابيا لصالح السلطة الفلسطينية ومصر حسني مبارك. فالمعركة مستمرة ولا يستطيع محمود عباس ولا غيره من مريديه ايقافها لانها تخطت مرحلة اللارجعة ولأنها تقف على أرضية صلبة معادية للصهيونية وللكيان الصهيوني.

المصدر: القدس للأنباء