القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

مساكن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان شواهد بؤس وعذابات


الأربعاء، 11 آب، 2021

شكل البيت الفلسطيني داخل مخيمات اللاجئين في لبنان، مظهرا من مظاهر البؤس والحرمان ولوحة معبرة، ألوانها عذابات اللجوء والتشرد منذ العام 1948.

وإذا كان السكن هو واحد من معالم الأمان والاستقرار للإنسان، فقد عاش اللاجئ الفلسطيني في لبنان داخل خيم ومن ثم في منازل بائسة، شكلت له دافعا للعمل والمطالبة والنضال من أجل العيش الكريم، وعودته إلى وطنه.

يمثل المسكن أهم الحاجات الضرورية لحياة الأسرة، فالمسكن هو الإطار الطبيعي لنمو الإنسان واستقراره وهو المكان الحقيقي الذي يلجأ إليه لإشباع حاجاته بأنواعها. يقضي الفرد معظم أوقاته في سكنه، ولعل اتخاذ المسكن هذا الإسم ليس بالصدفة، إنما جاء معبرا عن احتياجات الإنسان وما يلقى فيه من سكينة للروح والجسد.

وللبيت مكانة عاطفية مرموقة في الوجدان الشعبي الفلسطيني، فهو يرمز للسعادة العائلية ووحدة الأسرة والستر، وليست هناك سعادة عائلية بدون بيت يضم الأسرة، إذ إن الفلسطيني المشرد واللاجئ أعطى أهمية فائقة لوجود البيت، وعندما كان اللاجئ يحصل على النقود كان يفكر في بناء بيت، وحتى الآن فإن كل هذه الممارسات ترمز إلى حس إنساني غريزي في الرغبة بأن يكون للإنسان مسكنه.

وفضلاً عن التوسع في البناء، فإن البيت داخل المخيم الفلسطيني يعطي انطباعاً آخر من ناحية الحس الغريزي في التمسك بالأرض من خلال زراعة أشجار العنب والزيتون والأشجار في المساحة الصغيرة حول البيت.

تعيش معظم الأسر الفلسطينية في منازل داخل المخيمات في ظروف غير ملائمة، تترك آثارها على كل فرد من أفراد الأسرة. ومثل هذه البيوت تكاد لا تعرف الخصوصية، ولا يستطيع الفرد أن ينعم بالراحة التامة، وغالبا ما تكون الغرفة في البيت متعددة الأهداف والاستعمال، للأكل والدراسة، والنوم والاستقبال.

واستمر اللاجئون الفلسطينيون باستخدام الخيم بيوتاً لهم إلى أن اهترأت بفعل العوامل الطبيعية، وقد رفضت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» استبدالها بأخرى جديدة على الرغم من حرص اللاجئين على بقائها صالحة. ثم بدأ السكان بالخطوات الأولى لتقوية مساكنهم، وظهر ذلك من خلال قيام البعض ببناء حوالي متر من أحجار اللبن «الإسمنت»حول الخيمة لمنع دخول المياه والحشرات. وبعد أن استهلكت الخيم التي كانت تأويهم، تطوّرت العملية لتصبح بناء جدران من تلك الأحجار على أن يكون السقف قطعة قماش من الخيمة (الشادر).

قدمت «الأونروا» في عام 1956 ألواحاً من «الزنكو» للعائلات التي استُهلكت خيمهم فقط. فاستبدل الأهالي سقف الشادر بسقف من الزنك محمول على ألواح من الخشب، ولم يحصل أصحاب الخيم غير البالية على أي من ألواح «الزنكو» إنما استمروا بالسكن في الخيم التي استُهلكت لاحقاً. وبنى البعض الجدران والسقف من «الزنكو» والخشب.

لقد كان من غير المسموح للفلسطينيين بناء الأسقف من الإسمنت بقرار من الدولة اللبنانية، وذلك لمنع بناء بيوت تتألف من أكثر من طابق تحت حجة ألا يتحوّل الوجود المؤقّت للمخيمات إلى دائم، حيث كان من المحظور على اللاجئين التمدد العمراني خارج حدود المخيم، فالتكاثر السكاني يجب أن يكون في حدود المساحة التي أعطيت لهم.

أواخر الخمسينات من القرن الماضي بدأ بناء المنازل من الحجر واللبن بسقف من الزنكو، وكان المنزل من غرفة واحدة ومطبخ. ثمّ استمرت حركة البناء بعد ذلك ضمن القواعد والقوانين التي كانت تفرضها الدولة اللبنانية.

عند دخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى المخيمات سمحت هذه المرحلة بإعادة ترميم وإعمار المنازل، رغم سوءها حتى أنّ بعضها لم يكن صالحاً للسكن أو الإقامة فيها.

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، عادت حركة البناء لتنشط في فترة التسعينيات، إلا أن السلطات اللبنانية اتخذت قراراً مفاجئاً يقضي بمنع إدخال كل ما يتعلق بمواد البناء إلى مخيمات صور من دون إبداء الأسباب والدوافع. ثم عادت وسمحت بادخالها في 2004 لمدة ستة أشهر، عادت ومنعتها في 2005.

ورغم تضاعف عدد سكان المخيمات أكثر من ثلاث مرات منذ تأسيسها وحتى اليوم، فإن المساحة بقيت ثابتة لم تتغير، فقد كانت كثافة السكان عند تأسيس المخيمات بعد العام 1948 حوالي 3676 نسمة/كلم2، أما اليوم يقيمون على نفس المساحة أي بكثافة سكانية 13235 نسمة/كلم2، وهذا ما يجعله منطقة شديدة الاكتظاظ بكل المقاييس.

حالياً، يسمح بإدخال مواد البناء من خلال استحصال رخصة تمنح من قبل الثكنات العسكرية التابعة للجيش اللبناني، هذه الرخصة لا تمنح بسهولة بل هناك إجراءات وقيود معينة تتطلب وقتاً ليس بالقليل.

البناء العشوائي

تشير الناشطة الاجتماعية ابتسام ورد، إلى أن حركة البناء والعمران داخل مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، اتسمت منذ البدايات بالإقبال الفردي، حيث اعتمدت على الاجتهادات الشخصية والخاصة، ولم تكن ممنهجة ولا منظمة من قبل الجهات المختصة أو المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين. وهذا ما أدى مع تراكم الوقت إلى بروز ظاهرة البناء العشوائي الذي هو سمة رئيسية لمخيمات اللاجئين، حيث يقوم على أساس اجتهادات شخصية في التخطيط والتصميم والبناء.

خلال الجولة في أحياء وأزقة المخيمات الفلسطينية تبدو البيوت المتراصة والمتراكمة على بعضها تشبه «علب الكبريت» وتفتقد إلى أسس ومقومات العيش، والمبنى الواحد يحيط به المباني من ثلاث جهات ما يجعل مسألة دخول الشمس والتهوية الطبيعية أمراً في غاية الصعوبة.

وتؤكد الناشطة ورد، أن التزاحم الشديد للمنازل وعدم ترك فراغات أدى إلى فقدان الخصوصية وزيادة درجة التلوث السمعي والبصري. أضف إلى ذلك أن معظم هذه البيوت أصبحت تشبه الكهوف والملاجئ من الداخل نظراً لعدم دخول الشمس وضوء النهار لها، كذلك الرطوبة العالية التي تعاني منها.

ولمقارنة نمط البناء داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، مع أقل دول العالم تطبيقاً لمعايير البناء الهندسية الصحيحة، وبرأي المهندس المعماري وليد حسين، أنّ مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تعاني للغاية. فمن خلال المعايير الهندسية للبناء، يحتاج كل منزل للإشعاع الشمسي، وهو الحصول على أعلى شعاع شمسي شتاءً وأقله صيفاً، وهذا له نتائج صحية وبيئية. متسائلا، فما بالك بمنازل لا ترى أشعة الشمس؟

ويقول حسين لـ«القدس العربي» هناك ما يسمى بالمحور الطولي للمبنى الذي يجب أن يكون موجهاً للشمال والجنوب، وهذا يوفر ما يقارب 30 في المئة من الطاقة الحرارية للمنزل صيفاً و 15في المئة شتاءً. لذلك من الضرورة دخول أشعة الشمس بشكل مباشر لمدة لا تقل عن ساعة واحدة يومياً لفترة لا تقل عن 10 أشهر سنوياً، وهذا ينعدم في 70 في المئة من منازل المخيم. أضف إلى ذلك، معيار حجب الضوضاء والعزل الصوتي، وذلك من خلال بناء عوازل بين الجدران، وهذا المعيار غير مأخوذ بالحسبان نظراً لضعف القدرة الاقتصادية، ما يجعلك تشعر بأن الجيران يسكنون معك، وبالتالي غياب الخصوصية التي ينبغي أن تتمتع بها كل عائلة.

وفيما يتعلق بوضعية المبنى بالنسبة للشارع، يضيف المهندس حسين بأن الأصل في البناء أن لا تكون المنازل محاذية للشارع، وأن تمتد على جانبي الشارع المحال التجارية فقط، وأن يؤخذ بعين الاعتبار في تصميم البناء عدم إطلالة غرف النوم على الشارع.

كذلك هناك معايير لتصميم المنزل من الداخل، فلو أردنا تصميم منزل لـ6 أشخاص، كان حصة كل من: غرفة الجلوس 24 مترا، مدخل 9 أمتار، مطبخ 20 مترا، حمام 10 أمتار، غرفتي نوم 40 مترا، أي أن مساحة المنزل يجب أن تكون ما يقارب من 100 متر، وهذا ما لا يتوفر غالباً في معظم مساكن المخيمات الفلسطينية.

ويختم قائلاً: معظم المنازل في المخيمات مؤلفة من غرفة أو غرفتين وأحيانا ثلاث غرف، تفتقر إلى مقومات السكن اللائق التي نصت عليها كل العهود والمواثيق الدولية.

والدخول إلى مساكن اللاجئين مغامرة محفوفة بالألم، أثاث بسيط ومتواضع، فراش على الأرض (المصطبة) حصيرة من القش المنسوج، براد قديم، وعدد من الكراسي وطاولة صغيرة، والفرشات المحشوة بالصوف أو القطن تستعمل للجلوس والنوم أيضا.

لا يزال الجيل القديم يرغب في الجلوس على الأرض ويعتبره مريحا لأنه اعتاد على ذلك وتسمى الفرشة بـ«الطراحة» .

كما تعتبر الخزانة الخشبية من أهم الأثاث والموجودات الضرورية لترتيب البيت وحفظ المستلزمات الحياتية.

وأكد لاجئون فلسطينيون في مخيمات الرشيدية وبرج الشمالي وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة لـ «القدس العربي» أن أكثر من 40 في المئة من المساكن حارة في الصيف، وتعاني من مشاكل نش المياه سيول الأمطار في الشتاء، بينما تعلو نسبة مرتفعة من المساكن أسطح معدنية أو خشبية.

وحول عدم القدرة على ترميم منازلهم أو التوسع في البناء، يؤكد اللاجئون الفلسطينيون أن الفقر والعوز إلى جانب تقليص خدمات ومساعدات «الأونروا» والقوانين اللبنانية التي تمنع اللاجئ الفلسطيني من إدخال مواد البناء، كلها أسباب حالت دون ترميم المنازل وتوسيع المنازل لاستيعاب عدد أفراد العائلة.

البيت الفلسطيني داخل مخيمات وتجمعات اللاجئين في لبنان، عنوان للفقر والحرمان ومعلم للبؤس وعذابات اللجوء، فمن يرغب بالاطلاع على واقع اللاجئين الفلسطينيين عليه أن يدخل بيتا في هذه المخيمات التي ستبقى شاهدا على نكبة شعب شرد وتعرض للقهر والحرمان.

المصدر: عبد معروف – القدس العربي