القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تقارير إخبارية

معاناة الاسر الفقيرة بمخيمات لبنان في رمضان

معاناة الاسر الفقيرة بمخيمات لبنان في رمضان

الأربعاء، 10 آب، 2011

عندما حلّ رمضان علينا، لم أعرف هل أفرح أم أحزن؟ صدقيني أشعر بالرعب في شهر رمضان.. لا يجوز أن اقول هذا الكلام، يا رب سامحني!، لكن لا يمكنني تأمين ما تشتهيه بناتي الثلاث من طعام وحلوى. ليتكِ ترين نظرة بناتي عند مائدة الإفطار.. في عيونهنّ أسئلة كثيرة لا يمكنني الإجابة عنها..".

وتشهق بدموعها التي تكمل الكلام، بينما بناتها الثلاث ينظرن إليها بألم، فتحضنها "ملاك" وتعدها ان لا تطلب الدجاج واللحم والحلوى والعصير الرمضاني أبداً، وانها ستكتفي بالعدس والزيتون والشاي.

هذه الأسرة هي واحدة من آلاف الأسر الفلسطينية التي تعيش على الهامش، مشكلتها الوحيدة أنها تحمل هوية زرقاء كـُـتب عليها "لاجئ فلسطيني". فالشعب الفلسطيني يسكن داخل المخيمات، ولكن المعاناة والحرمان يسكنان في داخله، لما في حياته من صعوبات وعقبات دائمة، فلا يخرج من ألم حتى يدخل في غيره، وبذلك تصبح الحياة سجناً من دون قضبان، لأن الفلسطيني هو السجين الوحيد الذي يحوي قضبان سجنه بداخله.. قضبان مصنوعة من الدموع والحسرة بدلاً من الحديد.

زيارات ميدانية

"إنسان أون لاين" دخلت بعض البيوت لأسر فلسطينية متعففة، وقابلت أفرادها الذين فتحوا قلوبهم وتحدثوا عن معاناتهم بكل صدق وشفافية.

فدخولنا إلى منزل عائلة "محمود مشّو" أشعرنا وكأننا دخلنا كوخاً تخاصم مع كل معالم السعادة، وكأن الفرح يأبى أن يدخل مكاناً لا يصلح للسكن، عبارة عن غرفة صغيرة لا تستوعب أفرادها الخمسة، مما دفعنا للتساؤل كيف ينامون، وتأتي الإجابة على لسان "سوسن" (9 سنوات)، والتي تشرح لنا الأمر فتشير ببراءة: "أمي تنام هنا، وأختي الصغيرة تنام هنا، وأنا أنام هنا، وأختي التوأم (منال) تنام هنا. أما أبي فينام على الشرفة الصغيرة، لكنه عندما يبرد، ينام تحت أرجلنا، فنتضايق أكثر".

هنا تتدخل الأم "تغريد سليم" وتقول بغضب: "بناتي لا يعرفن من الفاكهة إلا اسمها، ولا يعرفن من اللحم والدجاج إلا شكلها. أحلام كثيرة تدور في رؤوسهن حول طعام الإفطار، ولكن لا يمكنني تحقيق أحلامهنّ. كأم أشعر بالغضب من هذا الوضع، وأتمنى ان ينتهي رمضان قريباً ولا يأتي العيد". ثم تستغفر الله على كلامها النابع من غضب يغلف آلاماً دفينة.

تشدّنا الطفلة "منال" قبل أن نرحل، وتقول بوجع لا يليق بطفلة في التاسعة: "أنا لا أريد أيّ طعام، وسآكل أيّ شيء، لكنني أحلم بدراجة للعيد. أحلم بها منذ أن كان عمري 3 سنوات. أريد دراجة واحدة، وسأتشاركها مع أخوتي. أشعر بالقهر عندما أرى البنات يملكن دراجة إلا نحن".

نترك منزل تلك الأسرة، ونحن نظن أننا خرجنا من منزل من العهد القديم، فلا براد ولا غاز ولا غسالة ولا حتى فراش ينامون عليه. رمضان لهده العائلة زلزال يعصف بها، فتتوه في بحور الحزن منتظرة النجدة ومَن يحقق أحلامها البسيطة.

ابتسامات تخفي آلاما دفينة

"أمس لم أستطع أن آكل على الإفطار. معدتي صارت تؤلمني من كثرة العدس. فأكلت سندويشاً من الزيتون على السحور لكي أستطيع صيام اليوم التالي"، تقول "سهى" (30 سنة)، بابتسامة لا تفارق وجهها أبدا ، لكن نظرة واحدة إليها أشعرتنا بالألم كونها عاجزة عن المشي. أما شقيقها "وليد" (25 سنة)، والذي يعاني من نفس مشكلة أخته، يقول: "أمضي شهر رمضان بالعبادة، وأذهب إلى المسجد القريب زحفاً ، كما أصلي التراويح، وسأختم القرآن مرتين إن شاء الله".

ابتسامة "وليد" و"سهى" تخفي معاناة لا يمكن للكلمات وصفها، فالمرض تفشى بهما، وجعلهما عاجزين عن ممارسة حياتهما بشكل طبيعي، لكنّ عجزهما لا يمنعهما من الإقبال على الصلاة والذكر وقراءة القرآن، ولا ينسيهما الحكمة من فرض الصوم.

لا يطلب سوى الأوكسجين في رمضان

على سريره يرقد بعجز، بينما ماكينة الأوكسجين على وجهه، وأسرته تتحلق حوله ينظرون بقلق إلى قارورة الغاز خائفين من أن تفرغ لعدم قدرتهم على ملئها. إنها أسرة "خيزران" التي لا تريد شيئا ً في رمضان سوى الأوكسجين للأب.

إنها حقا حياة يومية لا يفارقها السواد خوفا من عدم قدرة الأسرة على تأمين الأوكسجين للأب العاجز. في وجوههم أكثر من صرخة بل وجع عميق بسبب الفقر والمرض والعَوَز.. إنها أسرة متعففة تكثر من الحمد لله، ووجوه أفرادها اعتكفت الابتسام منذ زمن طويل.

مريم الصغيرة

لطالما لازم الفقر العائلات الفلسطينية في لبنان، ولكن كي تبدو الحياة عندما يعاني أحد أفرادها من مرضٍ مزمن؟ وكيف إذا كان السرطان ينهش بطفلة لا تتعدى الثلاث سنوات؟ إنها الطفلة "مريم حوراني" التي تعاني من سرطان في الدم، ويعاني أهلها من مشكلة التسوّل أمام أبواب الجمعيات الخيرية للحصول على تكلفة العلاج الكيماوي الذي يبلغ 500 دولار كل عشرة أيام.

وعندما نسأل الأم عن شهر رمضان، تحبس دموعها وتقول بألم كبير: "لا أشعر ببهجة رمضان هذه السنة، لان طفلتي الصغيرة مريضة للغاية، وفي حال لم نؤمن لها العلاج ستموت على الفور. أرى أطفالي الثلاثة يبكون طالبين الطعام الشهي على الإفطار، لكنني لا أطبخ لهم ما يشتهونه من أطعمة. فالأولوية الآن لتامين العلاج لمريم".

نترك أسرة "حوراني"، تلك الأسرة التي شلـت حركتها بسبب إصابة طفلتهم بالمرض الخبيث، وبدلاً من استقبال رمضان بالفرحة، يستقبلونه بالحزن والقلق في كيفية تأمين العلاج.

المصدر: فلسطين الآن