القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الحاجة أم أكرم الجمال: زرت فلسطين أكثر من مرة وما زلت أحلم بالعودة كل يوم


صور، لاجئ نت|| الإثنين، 15 أيار، 2023

ما زالت صورة المنازل ماثلة أمام عيون الفلسطينيين بعد 75 عاماً على النكبة، والحاجة حنيفة صالح حسين "أم أكرم الجمال" وهي واحدة من ملايين اللاجئين الفلسطينيين التي تصف لحظة خروجها من فلسطين حيث ولدت عام 1936 في قرية شعب في فلسطين وهي من سكان مخيم برج الشمالي في صور جنوب لبنان، ويحيي الفلسطينيون في العالم ذكرى النكبة في الـ15 من أيار من كل عام

وتستذكر أم أكرم الأحداث التي جرت وتعود بذاكرتها الى اليوم يوم خروجهم من فلسطين وقرية شعب وتقول: يوم خرجنا من فلسطين بتنا ليلة في زيتونات عبيب ثم خرجنا حوالي أربعة أشهر إلى البعنة (هي بلدة تقع في منطقة الجليل، تقع البلدة في الشاغور الشمالي على تَل تبعد عن عكا للشرق نحو 22 كم شمال شارع عكا صفد نحو 1 كم مساحة القرية حوالي 110 دونمات للبناء و6000 دونم المسطح وترتفع عن سطح البحر حوالي 300 م)، وعدت إلى البلد عند ستي وسيدي وبقيت أخدمهم واطبخ لهم وكان في البلد رجال الحامية وكان يطل علينا الأخوة والأقارب، ثم نقلوا ستي وسيدي للسكن معنا في البعنة وتوفي سيدي هناك (۱۱۰) سنوات.

وتضيف الحجة أم أكرم، قبل أن نقيم اربعينه سقطت البلاد، واجتمع الكبار في البعنة وقرروا الرحيل مع الراحلين، اللحاق بمن سبقونا إلى لبنان. وفي البعنة جمعوا الناس على البركة اخدوا بعض الرجال الشباب باتجاه العين وقتلوهم وتجولوا في الأحياء يحملون السلاح (ستينات)، ويهددون الناس ويطلقون النار في الهواء وهم يصرخون فيهم يللا على لبنان يللا...

وتابعت أم أكرم قولها، خرجنا ونمنا في عين سجور، بعضهم اقترح العودة وبعضهم اقترح الخروج إلى لبنان، وبقيت عمتي امينة وعمتي فاطمة في عين سجور ( عادوا لاحقا إلى البعنة) وخرجنا نحن إلى لبنان.

عندها وضعنا اختي الصغيرة (هدية) على دابة واثناء الخروج والمسير الطويل وشدة هول النكبة وقعت اختي عن الدابة من غير أن ننتبه للأمر وجلست في الطريق والناس تمر دون أن يسألها أحد أو ينتبه لها إلى أن مرت عمتي مريم فوجدتها واخدتها معها.

وفي قرية حرفيش، تجولنا على بعض بيوت أهلها وشحذنا قليلاً من الخبز والماء.

كانت معنا لبيبة الحاج حسن ولدت على الطريق اثناء الخروج ووسط الضجيع اخذوا جانباً من الطريق، اهتم بها عدد من النساء شلحت امراة زنارها وزنرتها به. وعندما وضعت طفلتها وضعوا المصران (الحبل السري) على الحجر والقصوه بحجر ثان، وسحبوا من الثوب خيط وربطوه به.

في الصباح نزلنا إلى رميش في لبنان ووجدنا حامية شعب هناك، لم نجد ماء لنشرب فيها، فأخذنا رجال الحامية (كان معهم سيارات وسلاح) الى بيت ياحون فأطلقوا النار على (سكورة)، الآبار لنشرب وأقمنا في بيت ياحون سبعة أيام.

بعد ذلك جئنا إلى صور وبقينا في الشوادر اربعة اشهر. بعدها ذهب أهلي إلى عنجر عام ١٩٥٠، أما أنا فكنت قد عدت إلى فلسطين عام ١٩٤٩.

العودة إلى فلسطين

بقيت ستي في فلسطين، وارسلت لأبي تسأله أن يرسل إحدى بناته لتقوم بخدمتها في اخر حياتها، فسألنا أبي، من يذهب إلى فلسطين، فقدمت نفسي لذلك.

ذهبت مع رجل من قرية نحف. اسمه موسى التحفاوي وعائلة دار قاسم العابد من البعنة وهم جيران بيت عمتي في البعنة وحين قررنا الذهاب بقينا في رميش منتظرين الانطلاق بسبب غزارة المطر.

بعد اربعة أو خمسة أيام وعندما خفّت غزارة المطر، حملت ثيابي في البقجة وانطلقت مع الدليل، وكان مسيرنا مشيا على الأقدام وفي الليل فقط. ووصلنا مع شروق الشمس إلى بسبب غزارة المطر. البعنة، واستقبلتنا عماتي واقاربي وسكنت مع ستي أخدمها.

وذات يوم أرادوا أن يذهبوا إلى جمع الحطب (التحطيب)، استأذنت ستي وذهبت مع الأقارب وهناك فرصتني حية، ودخلوني إلى المستشفى في الناصرة، نقلوني إليها عبر الرامية على دابة، وبقيت في المستشفى عشرة أيام.

وعندما خرجت من المستشفى ووصلت إلى عكا جاءنا خبر وفاة ستي، وذهبنا إلى البعنة، ووجدناهم قد غسلوها وكفنوها وينتظرون قدومنا ودعنا ستي ودفناها، وبدات انتظار الرحيل من جديد إلى لبنان، وبهذا قضيت عشرة أشهر في فلسطين تحت الاحتلال.

وذات يوم، فيما كنا هناك، قيل إن اليهود سيعطون للناس هويات جديدة، فإذا بالأقارب والناس تتدفق إلى فلسطين من لبنان للحصول على هويات، فإذا باليهود يطوفون القرية (البعنة) لاعتقال من ليس معه هوية أو شمله الإحصاء الذي أجري عند الاحتلال. يومها اختبأنا في بئر البلد، وكان في البئر حافة غير ظاهرة اختبا فيها معنا ثلاثة عشر شخصاً. واطل على البشر جندي يهودي وصرخ عند بابه هون في مخربين وشرب من البئر ورمى السطل بقوة فظنناه رمى قنبلة، ولم نطمئن حتى رشقتنا الماء التي ارتطم بها السطل في البئر.

وكان من جملة من قدم يومها من لبنان عمتي ليلى وزوجها الحاج داوود، فعدت معهم إلى لبنان في الرحيل الثاني من فلسطين. وكان الخروج الثاني لي من فلسطين، ومشينا في الليل بعيدا عن الطرق الرئيسية وبين الوعر ووصلنا إلى بيروت، وسألت عن اهلي فقيل في إنهم في عنجر، واستدليت على الطريق، ووصلت إلى خيام أهلي واستقبلوني بالترحاب بعد أن كان قد وصلهم الخبر ان قرصة الحية قتلتني.

العودة الثالثة

كانت العودة الثالثة عام ١٩٨٨، ذهبت هذه المرة إلى شعب واستقبلني صلاح ابن عمي، وأمضيت أسبوعا وذهبنا إلى البعنة عند اولاد عمتي (حامد محيي الدين، صلاح، حسن، علي وغيرهم).

كان عندي هدف أن أزور بيت أهلي، الذي لم أجد منه سوى سنسلة ( جدار) لبعض الغرف الداخلية وفي مكان البئر سجدت وقبلت التراب وبكيت هناك وذهبت إلى الجامع وإلى حدود شعب وأطرافها، ولم أترك زاوية من البلد إلا وزرتها.

الأمر المهم الذي حصل هناك، أن اليهود عندما احتلوا البلاد، أجروا إحصاء للموجودين وثبتوا كل واحد في مكان إحصائه، يعني من تم إحصاؤه في بلدنا بقي فيها متملكا أرضه، اما من أحصي في غير البلد فإنه لو عاد إلى بلده فإنه لا يستطيع استعادة أملاكه ، بل عليه إذا أراد أن يشتري من الدولة، أو يستأجر.

والبلد صار كله طرقات كبيرة واسعة الآن. وزرت التركيب (دار برق الليل)، وزرت دار عمتي (فيها ناس من ميعار). أما من بقي من أهل البلد في داره فهم كل دار طه، واهل مصطفى العرابي وإخوته وأولاد أعمامه دار محمد الخليل بيت علي عزيز، وابنه محمود وعبد العزيز، دار خالي عوض، ودار فاعور وغيرهم...

وقد استذكرت في يعنين شجرتي تين وخروب، ما زالتا هناك كنت أكل منهما قبل النكبة... وفي خلة بكار وجدت شجرات دار سعيد عودة ما زالت كما هي. أما السقاية، فاليوم تسقى الأراضي ومستوطنة كرمائيل من أرض عبيب، وقد كنا نسمع منها قبل النكبة أصواتاً نشبهها بدوي إنسان تحت الأرض، وعندما احتل اليهود المنطقة اكتشفوا الماء فيها كانه نهر يجري تحت الأرض.

كانت إقامتنا في هذه الرحلة في البعنة ومجد الكروم، وزرنا أكثر القرى المجاورة، وزرنا القدس وعكا وحيفا وتل الربيع وترشيحا وغيرها ...

ولقد تغيرت البلد كثيراً، ما زال هناك شوية بيوت قديمة، والمعالم القديمة (البيدر والخلات والعبهرة والعين) ما زالت معروفة حتى الآن...

اخيراً زرت فلسطين أكثر من مرة، وما زلت أحلم بالعودة كل يوم، ولا بد أن تلتقي أهلنا هناك ونرجع ونتشارك بالأفراح فوق الأرض التي حرمنا منها منذ 75 سنة.