القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

خالد مشعل في حوار مع "الشرق" (3/3): جهود نزع سلاح المقاومة في غزة ستفشل

خالد مشعل في حوار مع "الشرق" (3/3): جهود نزع سلاح المقاومة في غزة ستفشل

فيما يلي الحلقة الأخيرة من الحوار الذي أجراه رئيس التحرير جابر الحرمي مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ونشرته صحيفة الشرق القطرية.

علاقات حماس وإيران

إذا فتحنا ملف العلاقات مع إيران، في ظلّ تأزّم علاقاتكم بعد أحداث سورية وخروجكم من هناك، وما تلا ذلك، هل هناك مؤشرات جديدة في تحسّن العلاقات مع إيران؟

لقد جرى تباين بيننا وبين المسؤولين في إيران تجاه الموقف من أحداث سورية، ولا شكّ أنّ ذلك أثّر على مُجمل العلاقة، ولكنّها بقيت قائمة ولم تنقطع الاتصالات واللقاءات. هناك تاريخ طويل للعلاقة بيننا وبين إيران، ولا ننسى دعمها لنا في مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي. وهكذا فالعلاقة مع الآخرين لا تعني التطابق في المواقف، وهذه سياسة حماس مع الجميع، إنّها تنفتح على الدول العربية والإسلامية، وعلى مختلف دول العالم، بما يخدم قضيتنا وصراعنا مع الاحتلال، وضمن سياسات وقواعد وضوابط محددة ومعتمدة لدى قيادة الحركة. من ناحية أخرى فإن حماس جزءٌ من أمتها، وهي ذات مبادئ وقيم أخلاقية تظلّ منحازة لها حتى وهي تدير علاقاتها ومصالحها وحاجاتها. إنّها لا تُدير علاقاتها من منطلق المصالح وحدها، بل تحاول دائماً أن تجمع بين المصالح والمبادئ والقيم وتوزان بينهما، الأمر الذي قد يجعلها تخسر في بعض الأوقات، ولكنّ الأهم ألا نخسر أنفسنا وضمائرنا وانحيازنا لقيمنا وأخلاقنا، وأن نظل في ذات الوقت على سياستنا المعروفة في عدم التدخل في شؤون الآخرين.

تردّد قبل عدّة أشهر أنّ هناك زيارة مرتقبة لكم إلى إيران؟

ليس هناك حديث اليوم عن موعد محدد للزيارة.

وما زال الدعم الإيراني يقدّم لكم؟

لا شكّ أنّ الخلاف في الموضوع السوري أثّر كثيرا على موضوع الدعم.

لكن قيلَ أنّ هناك أسلحة تنقل لكم من إيران عبر السودان، سيناء، إلى غزّة؟

كما قلت من قبل: إيران دعمتنا بالمال والسلاح، وبعد الخلاف معها في الأزمة السورية تأثّر هذا الدعم إلى حدّ بعيد.. أمّا "كيف كان يتم هذا الدعم؟" فأمر لا نتحدّث عنه في الإعلام.

لكنّكم أعلنتم في المعركة الأخيرة أنّه ليس هناك أي نوع من الصواريخ التي استخدمتموها من خارج قطاع غزة، باستثناء "غراد" الوحيد الذي تمّ استيراده؟

لا أريد الدخول في تفاصيل هذا الموضوع.

سورية وحزب الله

هل هناك إعادة تقييم لعلاقاتكم العربية، وحتى مع سورية؟

موضوع سورية ليس مطروحا في الوقت الحاضر. أما بشأن علاقاتنا العربية وتقييمها وتطويرها، فنحن انطلاقا من رؤيتنا الاستراتيجية للصراع مع المحتل الإسرائيلي، وإيماننا بأن قضية فلسطين هي قضية الأمة، فإننا حريصون على أن تكون العلاقة قوية مع عمقنا العربي والإسلامي، بل مع فضائنا الإنساني، فقضيتنا عادلة، وتمسّ وتتداخل مع محيطنا الإقليمي والدولي، والقدس ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية تعنى الجميع، والمشروع الصهيوني خطر على العرب والمسلمين بل وعلى المجتمع الإنساني.. كلّ ذلك يدفع حماس إلى توسيع خيارات علاقاتها، كما يدفعها إلى المراجعة والتقييم المتواصلين لها، خاصة في ظل الظروف المعقدة والمضطربة والمتغيرة من حولنا، مع أخذ ما يلزم من الدروس والعبر.

كانت لكم علاقات قوية مع "حزب الله"، وهو اليوم منخرطٌ في قتل الشعب السوري.. كيف هي علاقاتكم مع "حزب الله"؟

لنا تاريخ طويل في العلاقة مع "حزب الله" كما هو معروف، حيث اجتمعنا على أرضية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. لكننا اختلفنا معه في الموقف من الأزمة السورية، وعندما دخل للقتال في سورية اختلفنا معه كذلك، ولا شك أن العلاقة مع "حزب الله" تأثرت بسبب التباين في الموقف من الأزمة السورية. ونحن في الحركة كنا وما زلنا معنيين بانخراط كافة جهود الأمة وطاقاتها في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يحتل أرضنا ومقدساتنا ويهدد الأمة جميعاً.

إذا طلب منكم تنظيم "داعش" فتح جبهة له للمرور لمقاتلة العدو، ماذا سيكون ردّكم؟

أنا لا أجيب عن أسئلة افتراضية. الشعب الفلسطيني موجود على أرضه، وهو بكل قواه وفصائله يقاوم المحتلّين منذ عشرات السنين. هو شعب حي، شعب مقاوم بكل أبنائه وبناته، وقادر بإذن الله على الدفاع عن أرضه ومقدساته.

إذا الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى الرجال ولكن في حاجة إلى السلاح؟

الشعب الفلسطيني بحاجة إلى سلاح والى مال والى دعم سياسي ودبلوماسي وإعلامي وجماهيري وقانوني، والى أنْ تقف أمته معه في معركته العادلة، وإلى دعم كل أحرار العالم.

داعش

ظهور تنظيم بحجم "داعش" واكتساحه لمناطق واسعة بين العراق وسورية، ثمّ تسلّط عليه كلّ هذه الأضواء ويخلق عدوّ جديد في المنطقة.. كيف تقرؤون ما يحدث اليوم؟

تعوّدنا وتعلّمنا أن لا ننظر إلى ظاهر الصورة ومشاهد ما يجرى فقط حتى لا نقع في خديعة الأعداء وخلطهم للأوراق وفى أجنداتهم وحروبهم التي يريدون اصطناعها وإشغال الأمة بها وصرفها عن قضايا أخرى بمعارك هنا وهناك. لا شكّ أنّ المنطقة العربية تعيش حالة من المخاض العسير ومن ظهور تيارات وأفكار وقوى وظواهر متعددة ممكن تصنيفها بتصنيفات عديدة، حسب المعيار الذى يراد أن ينظر إليه. ولكنّ السؤال: كيف ظهرت هذه التيارات والأفكار؟ وما الذي أوجد هذه الظواهر؟ اذا درسنا هذه الظواهر سنجد أنّ بعضها ينشأ كجزء من طيف الأفكار الممتد في الأمة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبعضها نشأ كرد فعل على الظلم والسياسات الأمنية القاسية التي مارستها بعض الأنظمة في قهر شعوبها وغياب الحريات والعدالة الاجتماعية، وبعضها كرد فعل على الاستقطابات أو المعارك الطائفية في بعض الساحات وما ينشأ عنها من قتل وإقصاء وعداوات، وبعضها كرد فعل على السياسة الأمريكية المنحازة لصالح إسرائيل ورد فعل على عدوانها واحتلالها المباشر وحروبها في المنطقة كما فعلوا في أفغانستان وفى العراق وغيرهما، فضلا عن شعور العرب والمسلمين بظلم متواصل ما زال واقعا عليهم وبأنّهم كلما حاولوا النهوض طلبا للحرية والإصلاح والعدالة والديمقراطية تأتى قوى محلية وإقليمية ودولية تمنعهم من ذلك!!

إن قراءة تلك الظواهر ومعالجتها لا يصح أن تتم بمنأى عن هذه الظروف والعوامل، كما لا يصح أن ندخل في حملات تصممها الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها لنكون وقودا فيها. نعم، هناك ظواهر خلل في الأمة، وهناك حالات من الشطط والانحراف الفكري والديني، وهناك مشاهد قتل بشعة وجرأة على الدماء والأرواح، هذا صحيح ومؤلم ومرفوض ومدان، فنحن ضدّ القتل على أساس الطائفة أو الجنس أو الدين أو العرق، نحن مع التسامح والتعايش، وضدّ استعمال السلاح إلا في وجه المحتلين، هذه سياساتنا، ولكنّ الحالة المعقّدة في الأمة وما تعانيه من داخلها وخارجها تحتاج إلى حلول مركبة وواعية مبنية على قراءة وتحليل عميقين واستيعاب شامل لكل الظروف والعوامل والمؤثرات، وهذا يقتضى أنْ تكون خياراتنا في معالجة هذه الظواهر خيارات عربية إسلامية صرفة منطلقة من مصالحنا ومبادئنا، وليست ضمن حملات وأجندات وحسابات تقودها الولايات المتحدة أو غيرها.

المرأة مناضلة

نخرج من هذه الأسئلة الصعبة إلى سؤال أكثر راحة، ماذا بشأن المرأة الفلسطينية التي ضحّت بنفسها وشرّدت أسرتها وناضلت من أجل القضية الفلسطينية، ولكنّنا في النهاية لا نجدها ممثلة بالشكل الكافي؟

المرأة الفلسطينية نصف المجتمع كما هي المرأة في كلّ مكان، وخصوصية الحالة الفلسطينية منحت المرأة الفلسطينية خصوصية ومكانة إضافية. فالمرأة الفلسطينية اشتغلت في العمل النضالي منذ أن كانت القضية الفلسطينية؛ منذ الانتداب البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي. المرأة الفلسطينية قاتلت وناضلت بنفسها كمجاهدة وفدائية، واعتقلت وصمدتْ في السجون، وأبعدتْ وتعرّضت للاغتيال والقتل، وشاركت شقيقها الفلسطيني في التخطيط للعمليات، وفى نقل المجاهدين إلى أماكن تنفيذها، وفى نقل السلاح، وفى التدريب، وهناك أخوات استشهاديات خاصّة في الانتفاضة الثانية. والمرأة الفلسطينية شريكة في العمل السياسي وفى المؤسسات السياسية الفلسطينية، كعضو في المجلس التشريعي، وكوزيرة في الحكومة، وفى مؤسسات منظمة التحرير، وفى مختلف الميادين الإعلامية. والى جانب ذلك فان المرأة الفلسطينية تقوم بعمل عظيم وتتحمل المسؤولية كاملة عندما يغيب راعى البيت - سواء كان أبا أو زوجا أو ابنا أو شقيقا - وتتحمل عبئا كبيرا في بناء الأسرة الفلسطينية، وهى شريكة في عملية تثبيت الشعب وصموده، وفى مواساة الأسر الفلسطينية المتضرّرة. باختصار، المرأة الفلسطينية كانت وما زالت في قلب المعركة وتفاصيل القضية الفلسطينية.

هل طلب منكم التوسّط بين جماعة الإخوان والنظام المصري؟

لا، لم يحدث.

كانت هناك معلومات أن قيادات من حماس موجودة في القاهرة زارت قيادات الإخوان هل كانت هناك وساطات؟

هذا غير صحيح ولم يحدث.

صراع شرس

ما يحدث في سيناء وما يجري في المسجد الأقصى هل هو مصادفة؟

ما يجري في سيناء له سياقه الخاص به وهو شأن مصري داخلي، أما ما يجري في القدس والمسجد الأقصى فله سياق آخر يتعلق بهذا الصراع الشرس المفتوح مع المشروع الصهيوني ومخططاته العدوانية ضد شعبنا وأمتنا، العدو منذ أن احتل القدس الشرقية عام 67، وقبل ذلك احتل الجزء الغربي منها عام 48، وهو يسعى لإحكام السيطرة عليها وتكريس الاستيطان فيها وتهويدها وتغيير معالمها، وقام بالكثير من الحفريات لاصطناع تاريخ مزعوم ومزور لكنه فشل، وتعرض الأقصى للحرق والاستهداف المتكرر، ولا يزال يتعرض لمزيد من المخاطر، وهذه ليست معركة الشعب الفلسطيني وحده ولكنها معركة العرب والمسلمين جميعا ومعركة الإنسانية، وينبغي ألا نخلطها بأي ملفات أخرى وألا نلقي عليها من الحسابات ما يضعف أو يشوش مسؤولية الأمة تجاهها، من أجل استنقاذ القدس وحماية الأقصى تتجدد روح المقاومة والثورة في جماهير شعبنا، ويتقدم المجاهدون ويبادر الاستشهاديون كما حصل مؤخراً مع الشهيد عبد الرحمن الشلودي، والشهيد معتز حجازي، والشهيد إبراهيم عكاري، الذين ثأروا انتصاراً لكرامة القدس والأقصى وهاجموا جنود العدو وغلاة الصهاينة والمستوطنين بعمليات فاجأت العالم بشجاعتها وإبداعها،

من أجل القدس والأقصى ينبغي أن تقدم كل التضحيات وصور الانخراط في المعركة، وكل أشكال الدعم والإسناد والتأييد، ومصر عليها مسؤولية إضافية بحكم مكانتها العربية والإسلامية، والأردن بحكم خصوصيته مع فلسطين والضفة وخصوصيته في رعاية المسجد الأقصى، وقد كانت هناك مواقف جيدة للأردن مؤخرا نثني عليها وندعو لمزيد منها، والمغرب بحكم رئاسته للجنة القدس عليه مسؤولية إضافية، وكذلك المملكة العربية السعودية بحكم زعامتها الدينية، وهي أيضاً مسؤولية تركيا وأندونيسيا وماليزيا وإيران وباكستان ودول الخليج ودول شمال أفريقيا، وكل دول العالم العربي والإسلامي، بل وهناك مسؤولية على المجتمع الدولي، فالقدس هي العاصمة التاريخية والدينية للعالم بأسره، فهي الأرض التي شهدت العدد الأكبر من الأنبياء والمرسلين ومن الديانات السماوية، التاريخ الإنساني مجسد في القدس، وهي بوابة الأرض إلى السماء ومسرى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعراجه، هي روح الأمة وتاريخها وقلبها النابض، لذلك ينبغي أن نتناول قضية القدس والأقصى بكل هذه الجدية والمسؤولية، وبكل خيارات المقاومة والثورة والمواجهة المفتوحة مع العدو ومستلزماتها وتضحياتها.

هل لديكم معتقلون في مصر؟

لا.

ولا في أي دولة عربية؟

لا أتذكر، لكن هناك ربما من يعتقل على تهمة تأييد حماس أو دعمها.

صراع مذهبي

هل ترون أن المنطقة تدفع نحو صراع مذهبي طائفي؟

للأسف وبكل ألم هذا المنحى موجود، والمنطقة العربية والإسلامية باتت اليوم وللأسف مثقلة بعوامل تأجيجه والدفع نحوه، خاصة في ظل ممارسات أمنية وعنفية طائفية، وسياسات إقصائية للآخرين على أسس طائفية، إلى جانب ما نلحظه من محاولات بعض القوى الدولية في اللعب على هذه التناقضات والخلافات في بلادنا وضرب العرب والمسلمين بعضهم ببعض، وإثارة موضوع الأقليات واللعب بورقتها، وهي سياسة استعمارية قديمة ما زالوا يستعملونها، لكنهم اليوم يبنون كذلك على ما نرتكبه نحن من أخطاء في منطقتنا وفيما بيننا، وهو ما يجب الانتباه إليه ومعالجته ذاتياً واحتواء عوامل تأجيجه، فالصراع الطائفي خطير ويجب رفضه من الجميع، نعم هناك تنوع وتعدد ديني وطائفي ومذهبي وعرقي واسع في بلادنا، لكنه ليس جديدا، فالأمة شهدت هذا التنوع منذ مئات السنين، ولكنها تعايشت معه واستوعبته وتعاملت معه بمعادلات دقيقة وواعية، وبكثير من التسامح والتعايش، مع الحرص على وحدة صف الأمة في مواجهة الأعداء والغزوات الخارجية، لذلك نأمل اليوم وندعو ونطالب أن يطغى منطق العقلاء، وأن ننأى بأنفسنا جميعاً عما يؤجج هذه الصراعات، ونتفرغ في المقابل لمعركتنا الأساسية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولصد الهجمات الخارجية على أمتنا سواء كانت احتلالا أو عدوانا، ونعمل معاً في مشروع البناء والتنمية والعدالة والحريات العامة والديمقراطية والإصلاح والنهوض بواقعنا العربي والإسلامي لصالح الجميع.

تطوران مهمان

قبل أيام مرت الذكرى 97 لوعد بلفور، وقبل أسابيع كان تصويت مجلس العموم البريطاني للدولة الفلسطينية، واعتراف السويد كذلك بالدولة، فهل المجتمع الدولي بدأ يشعر بالذنب وبدأ يفهم معاناة القضية الفلسطينية وعدالتها؟

حصل تطوران مهمان في السنوات الأخيرة أديا لمثل هذه التغيرات الإيجابية والمهمة في بعض الدول الغربية وإن كانت محدودة لكنها تبشر بالمزيد، التطور الأول هو تراكم وتزايد قبح وجه إسرائيل وصورتها ككيان يقتل الأطفال، ويدمر البيوت والأحياء السكنية، ويفتك بالأبرياء والمدنيين، ويمارس الإرهاب والاغتيال والقتل الممنهج، وهو الكيان نفسه الذي تأسس وعاش على معزوفة الهولوكوست بارتكاب هولوكوست إسرائيلي بحقه! ولذلك بدأت تتزايد حالة الغضب في العالم من السلوك الإسرائيلي البلطجي الذي بات يحرج الضمير الإنساني كثيراً بتجاوزه لكل الحدود على الرغم مما يحظى به الكيان المحتل من انحياز من القوى الدولية الكبرى، أما التطور الثاني فهو حالة الصمود الفلسطيني المتعاظمة، فالفلسطيني لم يعد أمام شعوب العالم مجرد ضحية ضعيفة، بل شعب يواجه المحتل بشجاعة وبطولة مثيرتين للإعجاب، والعقل الغربي كما معروف يؤمن بالقوة ويعجب بالبطولة، وهو ما ظهر واضحاً في الحرب الأخيرة حين صمدت غزة هذه البقعة الصغيرة 51 يوما في مواجهة أقوى جيش في المنطقة، ومن هنا وفي ظل هذين التطورين المهمين جاءت المواقف المتنامية المنتصرة للشعب الفلسطيني في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا وآسيا وفي كثير من مدن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكل المؤشرات تؤكد أن هناك تغيرا حقيقيا ملموسا جرى في الشهور الأخيرة خاصة أثناء الحرب على غزة في تفاعل كبير من الشعوب في العالم وتحول مزاجها نحو الشعب الفلسطيني، مما جعله يؤثر على بعض السياسات الرسمية كموقف السويد التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، والتصويت لصالحها في مجلس العموم البريطاني، فضلاً عن تنامي المواقف المؤيدة للشعب الفلسطيني في دول وحكومات أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول، وهو أمر مبشر بلا شك، والدرس المستخلص من ذلك أن المزيد من النضال والمقاومة ضد المحتل الإسرائيلي، وكشف ممارساته القبيحة، وزيادة الضغوط السياسية والدبلوماسية والجماهيرية والقانونية عليه، وملاحقته في كل المنابر الدولية والإقليمية، هو الذي يزيد من تعريته وإظهار وجهه البشع على حقيقته، وتحويله إلى عبء متزايد على السياسات الغربية، بينما المراوحة في مربع المفاوضات وما يسمى بعملية السلام يجمل صورة هذا الكيان ويسمح له بكسب الوقت وتمرير مخططاته ومشاريعه في الاستيطان والتهويد، والتجرؤ أكثر على الأقصى، وقضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ثم خداع العالم وتمرير أكاذيبه عليه مِنْ على منصة المفاوضات واللقاءات الفلسطينية والعربية معه.

ما حقيقة أن القضايا الجنائية سحبت ولم تقدم ضد الجناة الإسرائيليين؟

جرت محاولة فلسطينية كما أعلن في حينه من وزير العدل الفلسطيني في حكومة الوفاق الوطني، لكن تم للأسف إيقافها، وهذا بلا شك تصرف خاطئ، في ذات الوقت، هناك تباطؤ غير مبرر في الانضمام إلى اتفاقية روما والتي تتيح لنا كفلسطينيين محاكمة قادة العدو في محكمة الجنايات الدولية، خاصة بعد جرائمهم البشعة والتدمير غير المسبوق الذي ارتكبوه في عدوانهم الأخير على غزة، وفي ظل هذا التعاطف المتزايد على الساحة الدولية مع القضية الفلسطينية، إن ملاحقة إسرائيل في كل المحافل الدولية ومحاكمة قادتها كمجرمي حرب هي مسؤولية فلسطينية لا يجوز تأخيرها، وواجب الرئاسة الفلسطينية المسارعة إلى ذلك في ظل الظروف المواتية اليوم، وفي ظل دعم جميع القوى الفلسطينية لهذه الخطوة.

تضييق الخناق على حماس

تحدثت عن الصمود وقد فاجأت كتائب القسام في الحرب الأخيرة بما لديها من إمكانات لم يكن أحد يتصورها ولكن هناك تضييق سواء من نتنياهو أو السلطة أو النظام المصري حتى وصفت تقارير عملية الجيش المصري بأنها محاولة لتضييق الخناق على حماس تحديدا بعمل ثلاثي الأبعاد فما مصير الصمود والتصنيع للصواريخ التي أذهلت العالم في قادم الأيام؟

هناك جهود كبيرة بلا شك تسعى إلى نزع سلاح المقاومة في غزة وتجفيف ينابيعها وإضعاف خيارات حماس وقوى المقاومة الفلسطينية ومنعها من الحصول على السلاح، ولكنها جهود ومحاولات ستفشل، نعم قد تنجح في الإعاقة والتأخير أو في بعض التعطيل، ولكنها لن توقف مسيرة المقاومة وسعيها لامتلاك السلاح وتصنيعه بإذن الله، فالصمود والنجاح في مواجهة التحديات ينبع أساساً من الإرادة والتصميم، وهذا لا يستطيع أحد أن يحاصره، فالإرادة لا تحاصر، والعقل لا يحاصر، والإيمان لا يحاصر، والتصميم لا يحاصر، وإبداع شعبنا في مقاومة الاحتلال والدفاع عن أرضه ومقدساته لا حدود له بفضل الله.

هل لدى كتائب القسام أسرى إسرائيليون؟

نعم، وهذا ملف لا نتحدث عن تفصيلاته في الإعلام، ويكفي التأكيد على التزامنا الثابت تجاه الإفراج عن الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال.

لماذا لم يوقع أبو مازن حتى الآن على قرار إحالة جرائم الاحتلال للجنائية الدولية؟

اسألوا الرئيس أبو مازن عن ذلك، وأما من طرفنا فقد طالبناه نحن وجميع القوى الفلسطينية بسرعة المبادرة إلى هذه الخطوة.

إفشال المصالحة

فيما يتعلق بمسار الوحدة الفلسطينية ما الذي جرى بعد توقيع اتفاق المصالحة خاصة في ظل إعلان نتنياهو عن سعيه لإفشال المصالحة؟

أحد أهداف نتنياهو قبل وبعد عدوانه على غزة كان وما زال العمل على إفشال المصالحة ووضع العراقيل أمامها، لأن استمرار الانقسام الفلسطيني يخدمه، ولذلك نحن معنيون بإفشال مساعي نتنياهو، ومصرون على إنجاح المصالحة والتغلب على العثرات والعقبات التي تعترضها، وهذه مسؤولية الجميع في الساحة الفلسطينية.

في بدايات ثورات الربيع العربي تحدثتم عن أن هذه الثورات سوف تنعكس إيجابيا وأنها تمثل ثورة ربيعية للشعب الفلسطيني واليوم نرى هذا الربيع يشهد انتكاسات في جميع العواصم التي شهدته تقريبا فهل تأثر الشعب الفلسطيني سلبيا بما يحدث اليوم من تراجع؟

الشعب الفلسطيني جزء من أمتنا العظيمة، ويتأثر بلا شك سلبا أو إيجابا بواقع الأمة وتطوراتها وما يحدث فيها، ومن المعروف تاريخياً أن التحولات في مسيرة الأمم مخاض عسر وليست عملية سريعة وسهلة، والأمم التي شهدت في تاريخها محطات تحول ونهوض كبيرة كما في أوروبا وفي آسيا وأفريقيا وأمريكا مرت بمراحل مختلفة لتلك التحولات، وصاحبها الكثير من المعاناة والتباينات والخلافات والجهود المضادة والرياح المعاكسة، ولكن إرادة التحول انتصرت في النهاية، وستنتصر تلك الإرادة كذلك في أمتنا بإذن الله، ونرجو أن يكون ذلك بأقل الخسائر والآلام وبما يحقق مصالح الأمة جميعها، وبصرف النظر عن تباين الرؤى حول الربيع العربي من معه ومن ضده ومن اعتبره ظاهرة عابرة وانتهت وبين من يعتبره ما يزال واعدا، فإن من يقرأ التاريخ يدرك أن التحولات التاريخية الكبرى رغم آلامها وتقلباتها لا يستطيع أحد أن يوقفها، لأنها نابعة من الإرادة الجمعية للشعوب والأمم وليست قرارا بيد شخص يقول أريد ذلك أو لا أريد، وما نأمله أن يعمل العقلاء في الأمة من أجل إنجاح تطورهم ونهوضهم الطبيعي بأقل ثمن وبعيدا عن الدماء وعن الإقصاء، فحق الجميع أن يكون شريكا في هذا التحول وثماره المأمولة، وبشأن تأثير ذلك علينا كفلسطينيين، فلا شك أن تعافي الأمة وتطورها إلى الأفضل وامتلاكها لأسباب القوة والتقدم واستقلالية القرار هو قوة لنا في فلسطين في مواجهة الاحتلال، فقوتنا من قوة العرب والمسلمين، والشعب الفلسطيني دائماً يأمل في أمته خيرا، لكنه في نفس الوقت سيظل يناضل ويقاوم ويسعى لتحرير أرضه واستعادة حقوقه بصرف النظر عما يجري حوله من تحولات سواء أكانت رياحها مواتية أم غير مواتية، ويظل في جميع الأحوال يستبشر خيرا بأمته، ويستعين قبل ذلك وبعده بربه -سبحانه وتعالى- ويتوكل عليه.

دور رائد ومشكور

كيف ترى الدور القطري في دعم صمود الشعب الفلسطيني وأهلنا في غزة؟

من عدل الله ورحمته ولطفه أن الذين يؤدون واجبهم نحو الآخرين ويدعمون أصحاب الحاجة ويقفون مع المظلومين فإنه -سبحانه وتعالى- يكافئهم بالأجر وبالأمن والأمان، وقد تعودتُ أن أذكّر الزعماء والمسؤولين العرب والمسلمين عندما التقي بهم بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- "صنائع المعروف تقي مصارع السوء"، ومما يشهد لقطر دورها الرائد والمشكور في دعم القضية الفلسطينية حتى باتت في الصف الأول المتقدم من الدول العربية والإسلامية الداعمة والتي تبذل الكثير من أجل تخفيف معاناة شعبنا ودعم صموده، والإسهام في مشاريع الإيواء والإعمار ورفع الحصار عن غزة، والانتصار للقدس وللأقصى، والوقوف مع قضيتنا

الشرق، الدوحة، 10/11/2014